هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الأيام القليلة الماضية، تعهد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بـ"تحرير" شبه جزيرة القرم واتهم الحكومة الروسية بمحاولة قتل تتار القرم من خلال التعبئة العسكرية الروسية الأخيرة. كما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن على روسيا "إعادة" شبه جزيرة القرم إلى "أصحابها الشرعيين". وفي إشارة إلى تتار القرم، قال أردوغان إنه أخبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: "هؤلاء هم أحفادنا في نفس الوقت، الأشخاص الذين يعيشون هناك. إذا كنت ستأخذ هذه الخطوة إلى الأمام، وإذا كان بإمكانك تركنا، فستخفف عبر ذلك أيضًا عن تتار القرم وأوكرانيا". لكن من هم "المالكون الشرعيون" لشبه جزيرة القرم، الروس أم الأوكرانيون أم التتار؟
تاريخ القرم منذ أواخر القرن الثامن عشر هو تاريخ الاستعمار ـ الاستيطاني. لقد توج المشروع الاستعماري الروسي لقيصرة روسيا كاثرين العظيمة (ألمانية الأصل) بهزيمة العثمانيين في الحرب الروسية ـ العثمانية في 1768 ـ 1774، التي فقد العثمانيون نتيجتها أراضيهم في شمال القوقاز، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ومناطق كوبان، وتسببت في فرار آلاف التتار ولجوئهم إلى ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية.
وصلت الموجة الأولى من المستوطنين الروس إلى شبه جزيرة القرم عام 1778 وأثارت تمردًا فوريًا من قبل تتار القرم، قامت كاثرين بإخماده قبل أن تضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا في عام 1783. وفي عام 1787، شن العثمانيون حربًا ضد روسيا لاستعادة الأراضي العثمانية، مما أدى إلى هزيمة أخرى، وفقدان أراض جديدة، بما في ذلك سنجق أوزي في الأجزاء الشمالية من البحر الأسود، بالقرب من شبه جزيرة القرم.
تلا ذلك عملية الروسنة وتوسيع بلدة "حاجي بيه" المطلة على البحر الأسود في سنجق أوزي لتصبح مستعمرة ـ استيطانية روسية جديدة تسمى "أوديسا" في عام 1794. كانت إعادة تسمية "أوديسا" جزءًا من مشروع إحياء الإغريق القدماء في المناطق المحتلة. وكانت الأسماء اليونانية، في أغلبها، ذات أهمية، كما أوضح المدعي العام الروسي آنذاك أ.ن.سامويلوف، "لإزالة أي ذكرى للبرابرة" و"الخطوة الأولى نحو تخليص أوروبا من المحمديين وغزو إسطنبول."
كان "المشروع اليوناني" لكاثرين يهدف إلى إعادة تأسيس الإمبراطورية الرومانية أو "بيزنطة" في القسطنطينية "المستعادة." أما في شبه جزيرة القرم، فقد أنشأت كاثرين مدينة" سيباستوبول" في عام 1783 في موقع بلدة "أختيار" التتارية وغيرت اسم مدينة "أق مسجد" التتارية لاسم "سيمفيروبول" في عام 1784. وقد أعيدت تسمية القرم نفسها باسم "محافظة توريد" تكريمًا لـ "توريس" اليونانية.
وبحلول عام 1810، أرسلت الحكومة الروسية عشرة آلاف يهودي لا يملكون أرضًا من بيلاروسيا وليتوانيا إلى مقاطعة خيرسون، التي منحت اسمها اليوناني أيضًا بعد احتلالها. وقد وصل المزيد من المستوطنين اليهود في عشرينييات وثلاثينيات القرن التاسع عشر إلى خيرسون وضواحيها. وبحلول أواخر أربعينيات القرن التاسع عشر، تم تصنيف المستوطنين رسميًا بأنهم "مزارعون يهود". وفي عام 1866، تم إيقاف الاستيطان الاستعماري اليهودي في "روسيا الجديدة" رسميًا باعتباره قد فشل اقتصاديًا، ولكن تم الحفاظ على المستوطنات اليهودية القائمة.
وفي نهاية عام 1920، بعد قيام الثورة الروسية، كانت القرم آخر معقل للثورة المضادة للسوفييت وحلفائهم التتار المحليين، من حزب "ملة فرقة" (أو الحزب الوطني) الاشتراكي، الذي تشكل في صيف عام 1917. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 1921، تم تأسيس جمهورية القرم الاشتراكية السوفييتية المتمتعة بالحكم الذاتي كجزء من روسيا السوفيتية. وتولى الشيوعيون من تتار القرم زمام الأمور وأصبح زعيمهم ولي إبراهيموف أول رئيس للجنة المركزية لشبه جزيرة القرم ورئيس مجلس مفوضي الشعب.
توج المشروع الاستعماري الروسي لقيصرة روسيا كاثرين العظيمة (ألمانية الأصل) بهزيمة العثمانيين في الحرب الروسية ـ العثمانية في 1768 ـ 1774، التي فقد العثمانيون نتيجتها أراضيهم في شمال القوقاز، بما في ذلك شبه جزيرة القرم ومناطق كوبان، وتسببت في فرار آلاف التتار ولجوئهم إلى ما تبقى من الإمبراطورية العثمانية.
في غضون ذلك، في تشرين الثاني/ نوفمبر 1924، أنشأت لجنة التوزيع المشتركة اليهودية الأمريكية، وهي منظمة تم تشكيلها لمساعدة يهود أوروبا الشرقية خلال الحرب العالمية الأولى، "المؤسسة الزراعية المشتركة" لتعزيز "النقل الجماعي للمهن المنتجة" لـ 2.5 مليون يهودي سوفييتي دمرت مناطقهم خلال "الحرب الأهلية". وقد توصلت "المؤسسة الزراعية المشتركة" إلى اتفاق مع الحكومة السوفييتية تم بموجبه توفير الأموال بنسب متساوية من قبل الطرفين لتنفيذ المشروع.
كان السوفييت قد أنشأوا بالفعل "لجنة الاستيطان للكادحين اليهود على الأراضي" أو "كومزيت"، وأعدوا خططًا لتوطين 100 ألف أسرة يهودية. وقد تضمنت الخطط إعادة بناء المستعمرات اليهودية الزراعية من العهد القيصري في جنوب أوكرانيا وإرسال المستوطنين المستعمرين اليهود إلى شبه جزيرة القرم. ونتيجة الدمار الاقتصادي الذي اجتاح القرى (الشتيتل) اليهودية بين عامي 1917 و1921، نظر السوفييت إلى مشروع الاستيطان اليهودي باعتباره الخيار الأسرع للقضاء على فقر اليهود.
وفي عام 1925، على الرغم من مقاومة السكان المحليين، تم توطين 100 ألف يهودي، ارتفع عددهم إلى ما يقارب 250 ألف بحلول عام 1928، خاصة في جنوب أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. وقد سكن المستوطنون في حوالي 250 مستعمرة بنيت على مساحة مليون فدان.
لكن نتيجة الاستعمار الاستيطاني القيصري، كان يسكن القرم في ذلك الوقت عدد كبير من المستوطنين الروس والأوكرانيين والألمان واليهود. وكان مجموع سكان القرم في عام 1921، 720,000 نسمة. وقد انخفض عدد السكان التتار قبل الثورة بشكل كبير نتيجة نزوح التتار أثناء الحرب الأهلية، حيث شكلوا ربع سكان شبه جزيرة القرم حينها، الأمر الذي أثار قلق القادة الشيوعيين التتار السوفييت.
وبعد الحرب الأهلية واستقرار الحكم السوفييتي، كانت القرم نفسها بصدد منح الأراضي للفلاحين من تتار القرم الأصليين. وقد وضع القائد إبراهيموف سياسات لاستعادة لغة التتار ومنحهم الحقوق الثقافية ودعا تتار القرم الذين فروا أو طردوا في زمن القياصرة للعودة إلى ديارهم. وقد أعاد السوفييت رسمياً الاسم التتاري "أق مسجد" (وتعني المسجد الأبيض) إلى مدينة سيمفيروبول وجعلوا التتارية اللغة الرسمية لشبه جزيرة القرم إلى جانب اللغة الروسية.
لكن الحزب الشيوعي القرمي والحكومة المحلية عارضا خطة الاستيطان اليهودي، لا سيما وأن الأراضي المصادرة التي أرادت الدولة استملاكها للاستيطان اليهودي كانت ضمن برنامج توزيع الأراضي على الفلاحين التتار الفقراء. في حين أن المجتمعات الاستيطانية الأخرى من الروس والألمان كانت تعيش تحت سلطة حكومة القرم المحلية، كان من المقرر أن تدار المستعمرات اليهودية الجديدة من قبل" كومزيت" و"المؤسسة الزراعية المشتركة".
كانت معارضة إبراهيموف وزعماء التتار الآخرين مدفوعة بأجندة شيوعية مناهضة للاستعمار سعت إلى إفادة الفلاحين التتار الأصليين الذين دمرت أراضيهم تحت حكم القياصرة. وقد أنشأ إبراهيموف عشرين قرية للفلاحين التتار وللعائدين من التتار واللاجئين السابقين في بلغاريا ورومانيا. كما احتج رسمياً على مخطط الاستيطان اليهودي وقام بنقل 8000 تتاري إلى سهول القرم لاستباق خطط موسكو.
لكن بحلول شتاء 1927/ 1928، قدمت قيادة ستالين، الذي استولى على الحكومة السوفييتية لتوه، إبراهيموف بتهمة معارضته، لا للاستعمار الاستيطاني، بل لبرنامج تأميم الأراضي السوفييتي. وقد تم إعدام إبراهيموف في أيار/ مايو 1928. وقد حل محله أحمد قوباي كرئيس لحزب التتار الشيوعي.
وبحلول عام 1929، سار الإصلاح الزراعي وتأميم الأراضي على قدم وساق وتم إنشاء 86 مستعمرة يهودية يبلغ تعداد سكانها 20000 نسمة في القرم. وقد تمت إقامة المستعمرات الـ 170 المتبقية في جنوب أوكرانيا. وفي عام 1928، أعلنت الحكومة السوفييتية، على ضوء المقاومة الأوكرانية والقرمية المستمرة للاستيطان اليهودي، أنها قد خصصت أراض في منطقة بيروبيدجان المحاذية للحدود الصينية "لتلبية احتياجات الكادحين اليهود في مستوطنات جماعية". وقد حصلت بيروبيدجان على وضع "منطقة الحكم الذاتي اليهودية" في عام 1934.
ازدهرت المستوطنات اليهودية لحين الغزو النازي للاتحاد السوفييتي في حزيران/ يونيو 1941، والذي كان يهدف إلى تحقيق الخطة السرية النازية المسماة "المخطط الرئيسي للشرق"، والذي كان من شأنه أن يستعمر الألمان الأجزاء الأوروبية من الاتحاد السوفييتي وشبه جزيرة القرم ويطردوا سكانها ومن ثم يقومون بإحضار مستوطنين ألمان للاستيطان فيها (وهو ما أراده هيملر، مؤلف المخطط، والذي أراد إعادة تسمية القرم بـ "غوثنغاو" أو المقاطعة الغوطية).
وقد قام السوفييت بإجلاء السكان اليهود خلف خطوط الجيش الأحمر في آسيا الوسطى لإنقاذهم من النازيين. أما أولئك الذين لم يتمكنوا من الإخلاء، فقد قضوا على يد الغزاة الألمان والمتعاونين المحليين. وقد أخبر الجنرال إريك فون مانشتاين النازي جنوده في شبه جزيرة القرم أنهم يجب أن يضمنوا ألا يهدد اليهود أبدًا " المجال الحيوي" الألماني مرة أخرى.
وقد أصبح الآلاف من تتار القرم، شأنهم شأن المتعاونين القوميين الأوكرانيين مع النازيين، متعاونين مع القوات النازية أثناء الاحتلال النازي لشبه جزيرة القرم، على الرغم من أن جزءًا من المقاومة السوفييتية المحلية للألمان شمل أيضًا الآلاف من التتار، ناهيك عن 20 ألف تتاري كانوا يخدمون في الجيش الأحمر على الجبهة. وقد التقى قادة التتار المناهضون للسوفييت المتواجدون في تركيا آنذاك بهتلر ورتبوا لعشرين ألف أسير حرب من التتار للقتال في فيلق عسكري مؤيد للنازية يتكون من ثماني كتائب لدعم القوات المسلحة النازية.
أما في شبه جزيرة القرم التي احتلها النازيون، فقد خدم العديد من التتار في قوة الشرطة التي كان يديرها النازيون، كما انضم آخرون إلى المقاومة ضد الألمان. وقد قام النازيون أيضًا أثناء الاحتلال (1941 ـ 1944) بشحن الآلاف من تتار القرم للعمل في ألمانيا. وقبل الانسحاب النازي، تم إجلاء الآلاف من المتعاونين إلى أوروبا الشرقية.
بعد تحرير شبه جزيرة القرم، أمر لافرينتي بيريا، ذراع ستالين اليمنى، بترحيل جميع سكان تتار القرم البالغ عددهم 200000 في أيار مايو 1944 عقابًا لهم. وقد تم توطينهم قسراً في أوزبكستان وجمهوريات آسيا الوسطى المجاورة. وقد تم إرسال مستوطنين الروس وأوكرانيين للاستيطان على أراضيهم.
وفي عام 1956، رفضت الحكومة السوفيتية الجديدة قرار الترحيل الستاليني، وبرأت التتار من تهمة "الخيانة الجماعية". ولكن رغم ذلك، بينما أعادت حكومة خروتشوف الحقوق اللغوية للتتار، فهي لم تسمح لهم بالعودة إلى شبه جزيرة القرم، والتي كانت قد تحولت بالكامل بسبب سياسات ستالين بعد عام 1944 إلى مستوطنات روسية وأوكرانية. تجدر الملاحظة هنا أنه، في عام 1954، قام خروتشوف بنقل سيادة شبه جزيرة القرم من روسيا إلى أوكرانيا لأسباب إدارية.
إن مقاضاة السلطات الروسية اليوم للتتار اليمينيين في القرم الذين يعارضون السيادة الروسية ويثورون عليها مدفوعة من التصميم الروسي على إبقاء شبه جزيرة القرم جزءًا من روسيا، وليست مدفوعة بإنكار حقوق التتار الوطنية والثقافية، على الرغم من الدعاية الغربية المستمرة التي تزعم ذلك.
بدأ العديد من تتار القرم في العودة إلى شبه جزيرة القرم بعد عام 1967 وطوال السبعينيات. لكن أخيرًا، في عام 1989، منحت الحكومة السوفيتية التتار الحق الرسمي في العودة إلى وطنهم ورعت وموّلت عودتهم لحين انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991. وبحلول عام 1994، عاد ما يقرب من ربع مليون تتاري إلى شبه جزيرة القرم، أي نصف عدد تتار القرم في ذلك الوقت. وقد أنشأ القوميون من بينهم مجلسًا تتاريًا أطلق عليه اسم "المجلس" في عام 1991.
وبحلول أواخر التسعينيات، تحالف زعماء العائدين من التتار القوميين مع القوى السياسية اليمينية الأوكرانية، بما في ذلك حزب روخ المناهض لروسيا. وقد رأى اليمين القومي الأوكراني بدوره التتار على أنهم بيادق مفيدة في سعي الأوكرانيين لإبقاء شبه جزيرة القرم داخل أوكرانيا بعد استقلال الأخيرة، على الرغم من أن غالبية سكان شبه جزيرة القرم، هم من نسل المستوطنين الروس، وكانوا يطالبون بإعادة توحيدهم مع روسيا. أما التتار العائدون فقد خضعوا للسيادة الأوكرانية بعد عودتهم وكانوا يعيشون في فقر مدقع نتيجة قلة الخدمات الحكومية المقدمة لهم ويقيمون على أراض رفضت الحكومة منحها لهم، كما أفاد تقرير للبنك الدولي في عام 2002.
وبعد الانقلاب الذي نظمه الغرب عام 2014 ضد الحكومة المنتخبة في أوكرانيا، والذي أدى إلى استيلاء الروس على شبه جزيرة القرم دون إسالة الدماء، قامت روسيا بضم شبه الجزيرة. وبعد عملية الضم، منحت الحكومة الروسية إعادة التأهيل القانوني للتتار الذين عانوا في عهد ستالين ومنحت اللغة التتارية القرمية وضع لغة رسمية إلى جانب الروسية. وفي محاولة لاستغلال قضية التتار بشكل أكبر، اعترف البرلمان الأوكراني رسميًا بمجلس التتار بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، وعندها فقط تم الاعتراف الأوكراني بتتار القرم بأنهم "السكان الأصليون" لشبه جزيرة القرم.
ولكن نظرًا لأن المجلس التتاري القومي قد عارض روسيا وتحالف مع أوكرانيا، فقد قامت محكمة روسية بحله في عام 2016، ووجهت له تهمة إثارة الكراهية العرقية والنشاط الإرهابي، بما في ذلك المسؤولية عن سلسلة من التفجيرات في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 التي ألحقت أضرارًا بخطوط الكهرباء مما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي الشامل في القرم، وهي تهمة ينكرها المجلس. ورد المجلس وجماعات حقوق الإنسان الغربية بأن القرار الروسي بحل المجلس قد استهدف حقوق التتار الوطنية بشكل غير عادل.
وفي الوقت نفسه، شكل الجناح اليميني من تتار القرم الذين دعموا الانقلاب الأوكراني في عام 2016 كتيبة من التتار ساعدت القوات الأوكرانية في فرض حصار على شبه جزيرة القرم بعد الضم الروسي، وتلقت الكتيبة المساعدة من تركيا أردوغان. وكذلك تضم كتيبة آزوف اليمينية الأوكرانية، التي يُنظر إليها على نطاق واسع على أنها نازية في أيديولوجيتها، مقاتلين من تتار القرم في صفوفها.
أدت القيادة اليمينية الحالية لتتار القرم، شأنها في ذلك شأن المتعاونين النازيين في القرم في الأربعينيات من القرن الماضي، مرة أخرى إلى وضع شعب تتار القرم بأكمله في خطر. لقد أصبحت حقوق تتار القرم تُستغل وتعرض للخطر ليس فقط من قبل القوميين الروس والأوكرانيين (ناهيك عن القوميين الأتراك) لمصلحتهم الخاصة وعلى حساب شعب تتار القرم الذي طالت معاناته، ولكن أيضًا من قبل القوى الغربية العازمة على إذلال روسيا وإضعافها. إن قيام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والنظام الأوكراني بدعم الحقوق الوطنية المشروعة لتتار القرم مؤخرًا ليس موقفًا أكثر مبدئية من معارضة تلك القوى التي طال أمدها للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الأصلي.
إن مقاضاة السلطات الروسية اليوم للتتار اليمينيين في القرم الذين يعارضون السيادة الروسية ويثورون عليها مدفوعة من التصميم الروسي على إبقاء شبه جزيرة القرم جزءًا من روسيا، وليست مدفوعة بإنكار حقوق التتار الوطنية والثقافية، على الرغم من الدعاية الغربية المستمرة التي تزعم ذلك. لا يعني أي من هذا أن القوميين الروس والأوكرانيين في موسكو وكييف أو أولئك الموجودين في شبه جزيرة القرم لا يتبنون وجهات نظر عنصرية استعمارية ـ استيطانية ضد الأقلية من تتار القرم، لكن ما يعنيه هو أن الالتزامات الأيديولوجية المستمرة والتحالفات التي تقيمها قيادات تتار القرم اليمينية القومية والمضللة ستتسبب لشعبهم مرة أخرى بمزيد من المشقات والمآسي.