تقارير

بنات يعقوب" مقام أثري يُزين خربة ارتاح في طول كرم

مقام بنات يعقوب هو واحد من بين عشرات المقامات الإسلامية المنتشرة في فلسطين
مقام بنات يعقوب هو واحد من بين عشرات المقامات الإسلامية المنتشرة في فلسطين

في الناحية الجنوبية الغربية من "خربة ارتاح" التي تقع في مدينة طولكرم المحتلة شمالي الضفة الغربية يتربع واحد من أهم المقامات الإسلامية المنتشرة في فلسطين ليخلد ذكرى نبي الله يعقوب والد سيدنا يوسف.

ويعود مقام "بنات يعقوب" الأثري للحقبة المملوكية وأقيم على أنقاض مبنى روماني ولكنه لا يحمل من اسمه أي معنى "بنات يعقوب" لأن سيدنا يعقوب لم يكن له إلا بنت واحدة فقط دون معرفة سبب هذه التسمية غير أنها لتخلد ذكر هذا النبي، بحسب الروايات الشعبية.

ويقول الدكتور إياد ذوقان مدير دائرة آثار طولكرم في وزارة السياحة والآثار الفلسطينية: "إن مقام بنات يعقوب هو واحد من بين عشرات المقامات الإسلامية المنتشرة سواء في المشرق العربي بشكل عام أو في فلسطين بشكل خاص".

وأضاف ذوقان لـ "عربي21": "مقام بنات يعقوب هي تسمية شعبية بمعني أنه لم يورد التاريخ أن سيدنا يعقوب كان له أكثر من بنت واحدة واسمها تحديدا (دينا)، لذلك فإن هذا الاسم هو تسمية شعبية متداولة بين المواطنين الهدف منها هو تخليد وتكريم لسيدنا يعقوب وعائلته وهذا النمط كان غالبا على العديد من المقامات المنتشرة في فلسطين، بحيث يتم تسمية المقام على اسم أحد الأولياء الصالحين أو أحد الأنبياء أو الزهاد أو أحد المتصوفين وهذا من باب التكريم فقط لا غير".

 

                     إياد ذوقان.. مدير السياحة والآثار في طولكرم

وأوضح أن مقام بنات يعقوب يقع عند الطرف الغربي لخربة ارتاح الأثرية، على أنقاض بناء روماني من المرجحأان يكون حماما عاما.

وأشار إلى أن المقام هو عبارة عن غرفتين بنيتا معظمها من حجارة الحمام الروماني، منوها إلى أنه أعيد استخدام المقام من خلال نقل حجارة الحمام لإنشاء وتأسيس المقام.

وأكد ذوقان أنه تم بناء سقف المقام المكون من غرفتين بنظام القبة الحجرية، مشيرا إلى أن هذا النظام من القباب كان منتشرا وشائعا في الفترة المملوكية تحديدا.

وقال: "بقايا الجدران والاساسات تظهر جميعها أنه كان يتقدم هاتين الغرفتين المقببتين ساحة سماوية كانت مخصصة لخدمة المقام".

وأضاف: "أما داخل البناء فيلاحظ وجود حمية في المحراب (بمعني انتفاخ في الجدار الخارجي) لتحديد مكان القبلة أو المحراب في الواجهة القبلية وذلك كان شائع في غالبية المقامات الإسلامية".

وأوضح أن هذه المقامات بشكل عام انتشرت وظهرت بفلسطين بشكل خاص في العهد الأيوبي والمملوكي وبقيت منتشرة حتى فترات متأخرة من العهد العثماني ترافق نشأة هذه المقامات في فترة الحروب الصليبية الموجهة إلى الأرض المقدسة في فلسطين وكانت مرتبطة تحديدا في فترة صلاح الدين الأيوبي والفترة المملوكية.

وبين أن وظيفة هذه المقامات اختلطت وتداخلت ما بين عسكرية ودينية، مستدركا بالقول إنها "نشأت كعسكرية تمثل نقاط عسكرية متقدمة لمراقبة تحركات الجيوش الصليبية بحيث يتم إرسال إشارة من سطح هذه المقامات من هذا المقام إلى سطح مقام آخر من خلاله يتم التعرف على تحركات الجيوش الصليبية هذا بشكل خاص".

وأشار إلى أن خربة ارتاح التي يقع فيها المقام تقع تحت سلطة بلدية طولكرم إداريا وفنيا تحت إشراف وزارة السياحة والآثار، مؤكدا أن الوزارة اهتمت به اهتماما بالغا وأهلته وافتتحته كحديقة أثرية أمام الزوار والباحثين المهتمين بالموروث الثقافي وعامة الناس.

وأوضح ذوقان أن وزارة السياحة والآثار قامت بإعادة ترميم وتجديد مقام بنات يعقوب بالتعاون والتنسيق مع بلدية طولكرم.

وقال: "لا يمكن الحديث بمعزل عن المقاوم دون التطرق إلى خربة ارتاح والتي تعتبر من أهم مواقع التراث المادي الثابت في مدينة طولكرم والتي تبعد تقريبا 3 كم عن مركز المدينة إلى الجنوب وقد أخذت موقعا متميزا عند نهاية تلة تشرف على السهول الزراعية الخصبة المعروفة باسم السهل الساحلي الفلسطيني والمرتبطة بموانئ البحر الأبيض المتوسط".
 
وأضاف: "تظهر أهمية الموقع كموقع أثري وغزارة المياه الجوفية الموجودة داخلة والتي تظهر على أعماق قليلة نسبيا إلا أن هذه المياه على عمقها تبدأ من 60 مترا".

وتابع: "وفرة هذه المياه ساعد في التوسع الزراعي وتلبية حاجات السكان من مياه الشرب وكذلك تزويد القوافل التجارية بالمياه اللازمة والتي كانت تأتي من الداخل لموانئ البحر المتوسط".

وأوضح أن مساحة خربة ارتاح بشكل عام بحسب المسح السطحي هو60 دونما، وهي تقسم الى قسمين قسم شمالي وقسم جنوبي.

وقال: "القسم الشمالي الموجود فيه الخربة الحالية أو القرية الحالية، والقسم الجنوبي ويعتبر القسم المخصص لدفن الموتى يعرف علميا أن الموقع الأثري لم يتم بداخله عملية الدفن، حيث كان الدفن يتم في أطراف الموقع الأثري أو المنطقة السكنية".

وأوضح أن الجزء الجنوبي يضم كذلك المقام الإسلامي (بنات يعقوب) وكذلك يوجد مصنع الفخار التقليدي الموجود إلى الآن قائم، ويضم المعصرة التي تعود إلى الفترة الرومانية وكذلك الحمام الروماني الواقع أسفل المقام.

وأوضح ذوقان أن سبب تسمية خربة ارتاح بهذا الإسم نسبة للراحة أو الاستراحة من عناء السفر، مشيرا إلى إن إحدى الروايات الشعبية التي تتحدث عن سبب التسمية تقول "إن سيدنا يعقوب خلال لقائه بابنه سيدنا يوسف في مصر ارتاح في هذا المكان قبل الانتقال إلى مصر، منوها أن هذه الرواية غير مثبتة تاريخيا.

وأشار إلى أنه لن تجري تنقيبات علمية أثرية لقراءة طبقات الموقع، موضحا أن تحديد العصور والفترات الزمنية التي عاشتها الخربة جاءت من خلال المسوحات السطحية وقراءة الفخار الموجود على السطح هذه المسوحات والتي تظهر أنه توجد بقايا أثرية كثيرة لمكونات الخربة. 

وقال: "هذه المكونات هي عبارة أساسات أبنية ومدافن ومخلفات فخارية متنوعة لعديد العصور التي شهدتها الخربة تؤكد جميعها أن الموقع كان مأهولا منذ العصر البرونزي المتأخر ويعتبر أقدم فخار موجود على سطح هذه المنطقة".

وأضاف: "تم قراءته ليؤكد استمرار الاتصال البشري للعصور اللاحقة كالعصر الروماني والبيزنطي والعصور الإسلامية المختلفة وتحديدا الفترة العثمانية".

ومن جهته فرّق مهند مطر، مدير العلاقات العامة في بلدية طول كرم ما بين المتنزه بشكل عام الذي تشرف عليه البلدية بشكل مباشر، و"مقام بنات يعقوب" والذي يعود الإشراف بالإشتراك مع وزارة السياحة والآثار الفلسطينية، داعيا الى تشجيع السياحة الداخلية لهذا المقام لأهميته.

 

 

                 مهند مطر.. مدير العلاقات العامة في بلدية طولكرم


وقال مطر لـ "عربي21": "دور بلدية طول كرم هو إدارة الموقع والاشراف عليه واستقبال الزوار والمتنزهين".

وقال: أي ترميم للموقع الاثري يتم بالتنسيق مع وزارة السياحة والآثار لأنهم شركاء لنا ولا يمكن العبث في هذا الموقع إلا بالتنسيق معهم في كل مراحل الترميم".

وأشار إلى أن موقع بنات يعقوب تم ترميمه بالتعاون والتنسيق مع وزرة السياحة والآثار ما بين عامي 2002م و2004 م.

وقال مطر: "المتنزه الملاصق للموقع بشكل عام يستقبل الزوار على مدار الساعة، ولكن المقام هو بحاجة إلى مختصين لترميمه، ولكن باقي الأمور الفنية والعمل اللوجستي فيه هو من اختصاص البلدية".
وأضاف: "هذا الموقع له خصوصية كون له موقع أثري وتاريخي واهتمت فيه البلدية بشكل خاص من أجل جلب السياح سواء الداخلية او الخارجية".

وأوضح مطر أن البلدية ومنذ سنوات عينت في الموقع حراس وعمال نظافة وهو بتبع مباشرة لدائرة العلاقات العامة في بلدية طول كرم وتقوم كل 3 سنوات بتضمينه لاحد المواطنين.

وأكد أن البلدية وفرت كل الخدمات التي ممكن توفيرها من مقاعد والعاب للأطفال وكافتيريا وحزمة "واي فاي" من أجل ترغيب الناس في زيارته.

وأشار مطر إلى أن البلدية تسعى إلى تطوير هذا الموقع وتحسين الخدمات بحيث عمل مظلات إضافية صيانة الألعاب والإضافة عليها مقاعد إضافية وصيانة المنتزه بشكل كامل.

وناشد مطر أهالي الضفة والمناطق المحتلة عام 1948م بزيارة هذا الموقع والتعرف عليه لأهميته التاريخية.

وشدد الكاتب والصحفي سامي الساعي من طول كرم على أن التغطية الإعلامية لهذا الموقع موسمية، معربا عن اسفه ان يتحول مقام بنات يعقوب الى موقع ترفيه فحسب؛ دون أن يأخذ الطابع الأثري السياحي لعريف المواطنين والأجانب عليه كجزء من تاريخ فلسطين القديم.

 


                       سامي الساعي.. كاتب صحفي من طولكرم


وأشار الساعي في حديثه لـ "عربي 21" إلى أن بلدية طول كرم أجرت على المقام بعض الترميمات والتحسينات وأضافت عليه بعض الألعاب للأطفال ووضعت فيه مقاعد وطاولات للناس ليتحول إلى استراحة ترفيهيه فقط، لا سيما وأن دخوله مجانا دون رسوم.

وقال: "هناك تقصير واضح من الجهات الرسمية الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني بالترويج وجذب السياح أو الطلاب أو الباحثين أو الهاوين لموقع بنات يعقوب لا سيما بعدما تحول إلى متنزه فقط".

وأضاف: "يفترض أن يتم الترويج له وتعريف الطلاب وادخاله في المناهج التعليمية، وعمل ترويج له وسياحة داخلية من مناطق أخرى من فلسطين اجل تعميمه كموقع اثري وتاريخي مهم وليس ترفيهي".

ودعا السياح الزملاء الصحفيين ووسائل الاعلام المختلة إلى زيارة هذا المكان والكتابة عنه من أجل تعريف الناس فيه واستغلال مواقع التواصل الاجتماعي من أجل الترويج له وإشهاره.

وأشار إلى أن زوارة السياحة والآثار قامت بعمل برشور تعريفي لطلاب المدارس عن المقام، ولكن بعد ذلك لم يعد هناك متابعة للأمر، منوها إلى أن عدم تعرض المقام لأي اعتداءات من الاحتلال أو غيره يجعله بعيدا عن وسائل الإعلام.

وأوضح أن المقاوم لا يتسع لعدد كبيرة من المواطنين مشيرا إلى أن يتسع لـ 15 عائلة، فقط. وأشار إلى أن المقام عبارة عن غرفتين أثريات كانا مهجورتين متهالكين، منوها إلى أن بلدية طول كرم قامت برميمهما وترميم القبة ووضعت لها بوابة حديدة وزجاجية.

وأكد أن هذه الغرف فارغة لا يوجد بها شيء أو أي محتوى، مشيرا إلى أن أسفل الغرفتين يوجد سرداب للعبور إليهما.

وأشار إلى أنه يوجد بعض القبور في المكان لأولياء صالحين أو إحدى العائلات.

وأكد أن منطقة الغرفتين والقبور معزولة لأنه لا يوجد شيء هناك والناس تفضل أن تجلس في الجزء العلوي للمكان. وأوضح أن المكان يحتوي على مدرج صغير يصلح لبعض الأنشطة والفعاليات.


التعليقات (0)