أثار
سماح رئيس النظام في
مصر عبدالفتاح السيسي، بالحضور القوي واللافت لبعض الرموز المؤثرين
في عهد الرئيس الأسبق حسني
مبارك، في المشهد السياسي والاقتصادي المصري المرتبك في
هذه الآونة، الجدل بين نشطاء ومعارضين مصريين.
وخلال
الأيام الماضية، ظهر بعض رموز عهد حسني مبارك بالفضائيات المصرية، مع تعيينهم في مواقع
هامة قريبة من النظام وتخدم توجهاته.
"علي
الدين هلال"
وبعد
غياب طويل عن المشهد السياسي والمناصب والعمل الرسمي، جرى تعيين الدكتور علي الدين
هلال مقررا للمحور السياسي بـ"
الحوار الوطني"، الذي دعا له السيسي في نيسان/
أبريل الماضي، ويعول عليه بتغيير الصورة النمطية السلبية لنظامه.
هلال
الذي كان يشغل أمين لجنة الإعلام في "الحزب الوطني" المنحل، وعضو هيئة مكتب
أمانة الحزب منذ عام 2006 حتى 2010، ووزير الشباب الأسبق والأكاديمي بجامعة القاهرة
في عهد مبارك، استخدمه نظام السيسي إعلاميا، للترويج للحوار الوطني.
واستخدم
هلال جميع مهاراته السياسية في إطلالته ببرنامج "مصر جديدة" بفضائية (إي
تي سي)، السبت الماضي، مع الإعلامي ومنسق الحوار الوطني الصحفي ضياء رشوان.
وظهر هلال مع الإعلامي القريب من جهات أمنية أحمد موسى بفضائية "صدى البلد"
المحلية، ولذات الهدف وهو الترويج للحوار الوطني.
"حسام
بدراوي"
وشارك عضو "الحزب الوطني" في عهد مبارك، وعضو "لجنة السياسات" الشهيرة
التي كان يقودها علاء مبارك، الأكاديمي الدكتور حسام بدراوي في الإعداد لـ"الحوار
الوطني".
ومنحت إدارة "الحوار الوطني" بدراوي، خلال اجتماعها السادس في 10 أيلول/ سبتمبر
الحالي، مهمة "مستشار الحوار الوطني لعرض رؤية مصر 2030".
ومنذ
أشهر تستضيف وسائل الإعلام وبرامج "التوك شو" التي تسيطر عليها "الشركة
المتحدة" التابعة للمخابرات المصرية، بدراوي، فيما كانت آخر لقاءاته الإعلامية
مع المذيعة لميس الحديدي، بفضائة "أون"، مساء الأحد.
"عمرو
موسى"
الأمين
العام لجامعة الدول العربية ووزير خارجية مصر الأسبق في عهد حسني مبارك، عمرو موسى،
(86 عاما)، عاد للمشهد مجددا من باب الإعلام، والترويج للحوار الوطني بعد سنوات من
تراجع أدواره رغم مشاركته في دعم انقلاب السيسي، وفي كتابة دستور 2014.
واستضاف
منسق "الحوار الوطني" ضياء رشوان، موسى، في برنامجه "مصر جديدة"،
بفضائية "إي تي سي" في 9 أيلول/ سبتمبر الحالي، للحديث عن الحوار الوطني،
مفجرا الكثير من الجدل بحديثه وظهوره، وإعلانه رغبته المشاركة في الحوار الوطني.
"محمود
محيي الدين"
الخبير
الاقتصادي الدولي، وزير الاستثمار في عهد مبارك من (2004- 2010)، الدكتور محمود محيي
الدين، يشغل حاليا منصب المبعوث الخاص للأمم المتحدة لأجندة التمويل 2030، وممثل مصر
رفيع المستوى في الأمم المتحدة.
يقدم
محيي الدين، استشارات اقتصادية لنظام السيسي، نظرا لعمله في البنك الدولي وكونه مديرا
تنفيذيا بصندوق النقد الدولي، كما أنه مناط به دور "رائد المناخ للرئاسة المصرية"
لمؤتمر المناخ (COP27)، المقرر في تشرين
الثاني/ نوفمبر القادم بشرم الشيخ.
وهو
المؤتمر الذي يوليه السيسي اهتماما خاصا، ويشارك فيه ممثلون عن نحو 190 دولة.
"فتحي
سرور"
وظهر للتكريم، رئيس مجلس الشعب المصري الأسبق في عهد مبارك (1991- 2010)، الدكتور فتحي
سرور، حيث كرمه النائب البرلماني الحالي ورجل الأعمال في عهد مبارك، محمد أبوالعينين،
يوم 13 أيلول/ سبتمبر الجاري، بمناسبة يوم "القانون العالمي".
"عز
ومصطفى"
ورغم
العودة المتأخرة لرجالات عهد حسني مبارك خلال عهد السيسي في المجال السياسي، فإنه
في الجانب الاقتصادي، يعتمد السيسي بشكل كبير على بعض رجال أعمال مبارك، إذ بدا مثيرا
الظهور الواسع والدور الكبير لرجلي الأعمال أحمد عز وهشام طلعت مصطفى.
الأول،
كان عضوا بلجنة السياسات في "الحزب الوطني"، وصديقا مقربا لنجلي مبارك علاء
وجمال؛ سمح له نظام السيسي بشراء حصة رجل الأعمال أحمد أبوهشيمة في مصنع حديد
"المصريين"، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي.
والثاني،
صاحب مشروع "مدينتي" العملاق في عهد مبارك، أفرج عنه النظام من محبسه في
حزيران/ يونيو 2017، قبل أن ينهي حكم حبسه بقضية مقتل اللبنانية سوزان تميم، ليجري
فتح المجال له وإشراكه بأعمال العاصمة الإدارية، ومنحه أراضي لبناء مشروع "نور"
قرب المدينة الجديدة.
"تحالف
ضد الأغلبية"
وبشأن
دلالات سماح السيسي بظهور رجالات عهد حسني مبارك، الآن، قالت رئيسة "المجلس الثوري
المصري" الدكتورة مها عزام: "السبب الرئيسي وراء هذه التطورات هو الأزمة
الاقتصادية التي تجابه مصر نتيجة لفشل سياسات نظام السيسي الاقتصادية".
السياسية
والمعارضة المصرية في حديثها لـ"عربي21"، أوضحت أنه "إلى حد كبير هذا
الفشل جاء نتيجة انعدام الخبرة الاقتصادية المقترن بالفساد في المنظومة العسكرية".
ولفتت
إلى أن هذه التطورات تأتي متزامنة "مع تطورات خارجية بدءا من جائحة (كورونا) والتداعيات
الاقتصادية السلبية لمصر الناتجة من حرب روسيا وأوكرانيا، والتي أدت لمزيد من تدهور
سعر الجنيه، والدخل السياحي، وانعكاس هذا التدهور على مستوى المعيشة لعامة الشعب".
عزام،
أكدت أن "كل هذا أحوج مصر إلى قرض جديد من صندوق النقد الدولي، إضافة إلى الدعم
المالي الخليجي والصيني".
وأضافت
أن "دولة مبارك بريادة رجال أعمالها ومسانديها في الدولة العميقة؛ عملوا دون كلل
منذ ثورة يناير وانقلاب 2013، على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية لضمان أن يبقوا
جزءا من المعادلة السياسية، وأن يستردوا قوتهم الاقتصادية".
وألمحت
إلى أن رجال مبارك "يجادلون أمام القوى الإقليمية بأن العسكر لن يستطيعوا تحقيق
النجاح أو حتى الحفاظ على تأثيرهم دون مساعدة منهم".
"تسوية
ومساومة"
وترى
عزام، أن "فشل السيسي جاء مع تقلص قاعدته السياسية، وهو يجابه ضغوطا اقتصادية
شديدة، وحلفاؤه الإقليميون والدوليون يؤمنون بأن عليه توسيع قاعدة سلطته مع آخرين يشاركون
في مصلحة مماثلة في تجنب التغيير الحقيقي الذي أمل أغلبية المصريين في تحقيقه عام
2011".
وقالت
إنه "من أجل الحفاظ على مصالح العسكر والنخب الاقتصادية؛ أصبح من الواضح بشكل
متزايد لكلا الطرفين (رجال مبارك والسيسي) أنه لا بد من الوصول لتسوية بينهما".
وبينت
أن "السيسي يسمح لدرجة من المساحة لمدنيين مرتبطين بعهد مبارك ولمشاركتهم بجزء
من (الكعكة الاقتصادية)"، معتقدة أنه "من هنا يعرض الطرفان أن هذه المساومة
تستطيع أن تتجنب انتفاضة شعبية وأيضا ستساعد الاقتصاد المصري".
واستدركت:
"لكنها في الحقيقة لن تفيد إلا النخب نفسهم وحلفاءهم الذين يعلمون أنهم جميعهم يواجهون
تحديات".
وترى
أنه "في الوقت الحاضر، يلعب السيسي كروته المتاحة لكن لا يمكن الثقة به، ورجال
مبارك يعلمون هذا، لكن لديهم الآن درجة من النفوذ نتيجة للوضع الاقتصادي المتردي للدولة،
وهو أيضا يرى أن بإمكانه أن يستخدمهم في هذه اللحظة".
وقالت
إن "دولة مبارك السابقة كانت فاسدة، كما أن نظام السيسي الانقلابي فاسد، ولن يخدما
إلا مصالحهم، وتحالفهم ليس إلا توطيدا لنفس النظام الذي حكم مصر لعقود، ولعبة قوة هدفها
حماية أنفسهم من الأغلبية الساحقة التي تستحق نصيبا عادلا ومنصفا في النظام السياسي
والاقتصادي".
"أصحاب
باع سياسي"
وفي
إجابته على التساؤل: "هل تعود دولة مبارك من باب خلفي لنظام السيسي؟ هل السيسي
مجبور على هذا؟ قال السياسي المصري والمحامي الحقوقي عمرو عبدالهادي: "في الحقيقة،
رجالات مبارك لم يغيبوا عن المشهد حتى يعودوا، هم كانوا يعملون بكل قوة".
عبدالهادي،
أضاف في حديثه لـ"عربي21": "بل هم الأساس في الحشد لـ30 حزيران/ يونيو
2013، بداية من قوة عهد مبارك الناعمة المتمثلة في الإعلامي عمرو أديب، والممثل محمد فؤاد،
والممثلتين يسرا وإلهام شاهين، مرورا بلاعبي الكرة ورجال المحليات".
وأكد
أنه "بعد عام أو اثنين من حكم السيسي فإنه أقصى بعضهم، وحاول صنع بدائل لبعضهم، فنجح
في موضوع البعض وفشل في الآخر، مثلما أعاد أحمد عز (رجل أعمال عهد مبارك) وتنازل عن أحمد
أبوهشيمة (أحد رجال عهد السيسي)".
وتابع:
"وأعاد هشام طلعت مصطفى (رجل أعمال عهد مبارك)، وصبري نخنوخ (صاحب التاريخ الإجرامي)".
ويرى
عبدالهادي، أنه "مع ضعف مصر وإفلاسها فقد اكتشف السيسي، أن كل من حوله لا يمارسون السياسة ولا يعرفونها فاضطر إلى إعادتهم للمشهد رسميا ليديروا الحوار الوطني لما لهم
من باع سياسي".
وختم
بالقول: "الجميع يتذكر أن السيسي في تنازله عن (تيران وصنافير) للسعودية استعان
بوزير عهد مبارك رجل القانون الدكتور مفيد شهاب عام 2016، في بدايات الانقلاب العسكري".
"محاولة
يائسة"
من جانبه،
يعتقد مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير، في
حديثه لـ"عربي21"، أن "السيسي فشل في بناء ظهير سياسي له، واكتفى بإحضار
الجيش إلى الواجهة".
وأضاف:
"نعم حزب (مستقبل وطن) - وغيره - حاول السيسي جعله ظهيره السياسي، ولكنه فشل بامتياز،
اللهم إلا من تزوير الانتخابات النيابية، كما تحدثت تقارير دولية عن ذلك".
ويرى
أنه "بالتالي استحضار رجال مبارك من جديد؛ محاولة يائسة للاستفادة من خبراتهم
في صناعة الظهير السياسي الذي يوازي حضور وتأثير (الحزب الوطني) سابقا في الحياة السياسية
أيام مبارك".
ونبه
المنير، إلى "حقيقة واقعة وهي أن دولة مبارك ظلت حاضرة بقوة في المشهد المصري
بعد ثورة يناير 2011، فالدولة العميقة هي صناعة مبارك طيلة 30 عاما بكرسي الحكم، وهي
التي قادت الثورة المضادة منذ اللحظة الأولى، والسيسي والمجلس العسكري هما صناعة مبارك
بامتياز".
ووفق
رؤيته فإن "ما حدث فقط هو إعادة إنتاج الديكور الخارجي للدولة العميقة؛ فظهرت
شخصيات وغابت أخرى، حتى تمت السيطرة مرة أخرى على الشعب والدولة".
وحول
تأثير تلك العودة على الشارع والمعارضة المصرية خاصة أن بعض تلك الوجوه متورط في جرائم
قتل المصريين بثورة يناير، خاصة موقعة الجمل، أعرب المنير عن أسفه، من أن "المعارضة
حاليا لا تغني ولا تسمن من جوع، ولا يعول عليها في ظل المعطيات الحالية".
وختم
حديثه بالتأكيد أن "الشعب لا يعبأ بهؤلاء، ولكنه على شفا الانفجار بكل تأكيد لسوء
الأحوال الاقتصادية التي يعاني معها، ولكنه انفجار نحو الفوضى لغياب المعارضة الحقيقية
التي تقوده إلى الثورة مرة أخرى دون أخطاء الماضي".
"التموضعات
ذاتها"
وفي
رؤيته، قال المحامي والباحث في السياسات التشريعية عباس قباري: "شيئا فشيئا تستعيد
دولة السيسي ذات تموضعات دولة مبارك الهادئة أحيانا والباردة أحايين، حيث تنحسر التطلعات
والطموحات العظيمة، لتحل محلها أدوار وظيفية وما يشبه بعض الأعمال المكتبية".
قباري،
أكد في حديثه لـ"عربي21"، أن "دولة الانقلاب بدأت عهدها مريضة بذات
مرض دولة مبارك الذي أودى بها بعد 30 عاما".
وأوضح
أن "الشعب فقير ومأزوم، ونظام مالي يعتمد على القروض، وسياسة تعتمد على التاريخ
والجغرافية المصرية أكثر من اعتمادها على دور فاعل في الأحداث، بالإضافة إلى ضغوط اقتصادية
وأمنية هائلة على الناس".
ولفت
إلى أن "دولة الانقلاب غيبت شخصيات عهد مبارك ضمن تغييبها للمجتمع ككل وحلول الآلة
العسكرية محل كل شيء؛ فلما فرغت من القتل انتقلت إلى أعمال الهدم والإزالة، والآن تقف
على حافة الإفلاس والخراب".
وأكد
أنه "كان لا بد من الاستعانة بخبرات لكن بشرط قربها من بيئة الفساد حيث تتعامل
مع الوضع الراهن وفق خبراتها في التسويف والتأجيل واستغلال الثغرات، وليس الحلول الناجزة
والتعامل مع أصل المشكلات؛ فالنظام الحالي يعتمد في وجوده على المشكلات ويستثمر في
التهديدات".