هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
احتلت مصر المرتبة السابعة على مستوى الدول العربية و23 أفريقيا و32 عالميا في معدلات الأمية، وفقا لآخر إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).
وبلغت نسبة الأمية في مصر، بحسب التقرير، 25.8 بالمئة، حيث بلغ عدد الأفراد الأميين (10 سنوات فأكثر) 18.4 مليون أمي، مقابل 29.7 بالمئة في تعداد 2006 بنسبة انخفاض قدرها 3.9 بالمئة فقط، مقارنة بنحو 21 بالمئة في الوطن العربي.
ومقارنة بالوطن العربي، فإن بعض الدول العربية لم تتعد فيها نسبة الأمية الـ10 بالمئة وهم قطر وفلسطين والأردن والبحرين والكويت، إذ انخفضت معدلات الأمية إلى في فلسطين إلى 2.3 بالمئة لعام 2021، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، وفي الأردن انخفضت نسبة الأمية إلى 5.1 بالمئة، بحسب بيانات دائرة الإحصاءات العامة لعام 2020، وفي السعودية تراجعت إلى 3.7 بالمئة.
وتقع أعلى معدلات الأمية في مصر في محافظات الصعيد، وتصدرت محافظة المنيا، والتي يقطنها أكثر من 6 ملايين نسمة، قائمة أعلى محافظات البلاد من حيث الأمية وبلغت 37.2 بالمئة، بينما كانت أقل المعدلات في محافظات الحدود، وبلغت نسبة الأمية في محافظة البحر الأحمر والتي يقطنها أقل من 400 ألف نسمة 12 بالمئة.
ورغم إدراج محو الأمية ضمن رؤية مصر 2030، إلا أن خبراء تربويين وفي مجال التعليم استبعدوا في تصريحات لـ"عربي21" تحقيق هذا الهدف لأسباب تتعلق بضعف الإنفاق على التعليم وتوجيه الإنفاق نحو مشروعات ضخمة عديمة الجدوى.
ولم تتجاوز أيضا نسبة الإنفاق على التعليم نصف النسبة المقررة فى الدستور كحد أدنى، فقد بلغت نحو 2.42 بالمئة من الناتج المحلي في موازنة 2021-2022 فى حين أن النسبة المقررة دستوريا هي 6 بالمئة كحد أدنى (للتعليم الجامعي وما قبل الجامعي)، بحسب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.
الارتداد إلى الأمية
وعن أسباب ارتفاع معدلات الأمية، قال الخبير التربوي المصري علاء حسني: "في تقديري أن الأمر يتعلق بقرار سياسي قبل كل شيء فالمعروف من قديم الزمن أن قيادة شعب جاهل أيسر كثيرا من قيادة شعب مثقف متعلم يعي جيدا حقوقه إزاء السلطة الحاكمة ويحرص عليها، وقد حرصت الإدارة السياسية العسكرية على إحداث تغييرات محددة في بنية المجتمع المصري وتوجهاته ونجحت فلماذا فشلت وتفشل دوما مشروعاتها لمحو الأمية ألا يثير ذلك تساؤلا مرتابا أن الأمر لا يمثل أولوية بأغراض سياسية؟".
ودلل على حديثه بالقول لـ"عربي21"، بأن "موازنة التعليم بوجه عام ضعيفة جدا، تجعل الارتداد للأمية احتمالا واردا بنسبة عالية وطبيعي أنه إذا كانت الميزانية المخصصة للتعليم الأصلي بكافة مراحلة ضئيلة فهل ستكون هناك مخصصات لمشكلة الأمية أصلا.. بل مما يزيد الطين بلة أن مشكلة الأمية ليست مما يدخل في اختصاص وزارة التعليم أصلا إلا في باب الإسهام في زيادة معدلاتها لسوء الإدارة والتخطيط".
وللتغلب على هذه المشكلة، أوضح الخبير التربوي أن "مواجهة المشكلة والتغلب عليها ليس بالأمر العسير إذا توفرت الإرادة السياسية التي ستعالج مختلف الإشكاليات التي تمثل جذور المشكلة وروافد تفاقمها، وهو ما لا يتوافر غالبا لدى حكومات الاستبداد التي تعتاش على جهل الناس وسذاجتهم".
وفي ما يتعلق بارتفاع نسبة الأمية في الصعيد جنوب البلاد، أرجع حسني معاناة سكان أهالي الصعيد من تلك الظاهرة السلبية إلى "طبيعة المجتمع الزراعي مع إشكالية المجتمع القبلي وتداعياته على تراجع نسب التعليم، وعدم اهتمام الدولة بتلك المناطق وزيادة الوعي لدى الناس".
محددات القضاء على الأمية
من جهته، حدد الخبير التربوي والتعليمي، علي اللبان، ثلاث محددات للقضاء على الأمية في مصر، وقال: "لا سبيل للقضاء على الأمية إلا من خلال وجود كوادر تعليمية وتربوية تعتقد بأهمية التعليم والنهوض بالأمة تربويا وهؤلاء تم الزج بالعديد منهم في المعتقلات والسجون".
وأضاف لـ"عربي21": "المحدد الثاني، اعتماد نظام تعليمي يحدد مستهدفا ووسائله ويضع خطة واضحة مدروسة للقضاء على الأمية، ولكن هذا النظام غير موجود؛ لأنه يجعل التعليم خارج قائمة أولوياته وينفق أقل من نصف الاستحقاق الدستوري على التعليم ويرى أنه لا فائدة من التعليم، وسبق وقال السيسي يعمل إيه التعليم في وطن ضائع!".
وتابع: "المحدد الثالث، مجتمع يؤمن بأهمية التعليم ويتخذ من المعلمين قدوة ولكن الحاصل أن إعلام الدولة الفاشل يهيمن عليه أبطال الأعمال الدرامية المنحرفة والأغاني الهابطة والنماذج السيئة ويتم تصديرهم كنماذج للنجاح، وبالتالي تفقد الأجيال إيمانها بجدوى التعليم".
وتساءل اللبان: "إذا كان هناك إهمال في رفع مستوى التعليم في مراحل التعليم الإلزامية بالمدارس الحكومية فما بالنا بكبار السن.. هل يلقي لهم بالا؟ هذا النظام لا يرى للتعليم أهمية ولا للمعلم قيمة، ويعاني فيه التعليم وفق تصنيفات دولية من تذيل قائمة الدولة في جودة التعليم".
غياب الإرادة السياسية
بدورها، اعتبرت الخبيرة الأسرية والمجتمعية، الدكتورة منال خضر، أن "استمرار ارتفاع نسبة الأمية في مصر يؤكد أن اهتمام الدولة ينصب على جوانب أخرى غير التعليم، الذي يعد عماد الأمم المتقدمة، والاعتماد على إنشاء مشروعات ضخمة على حساب بناء الإنسان الذي سوف يسكن ويستخدم تلك المشروعات ويساعد في نهضة الأمة".
وأضافت لـ"عربي21" أن "التعليم الحكومي أصبح مكلفا ماديا ومرهقا للأسر وطاردا للطلاب ولذلك تحتل مصر مرتبة متقدمة في نسبة الأمية عربيا ودوليا، وانعكس ذلك على سكان الريف في الدلتا والصعيد بالسلب وأصبحت العملية التعليمية ليست هدفا أو أولوية مقابل البحث عن فرصة عمل".
اقرأ أيضا: أزمة جديدة تضرب السوق المصرية وتمس ملايين الفقراء
وأكدت خضر أن "هناك أزمة حقيقية في التعليم في جميع مراحله بسبب اكتظاظ الفصول وتدني الخدمة التعليمية والعجز المستمر في المدرسين وغياب الرقابة والمتابعة على الطلاب والمعلمين، وهو توجه ممنهج لإهمال التعليم الحكومي الذي يعد حقا تنص عليه الدساتير وأصبح سلعة".
واختتمت حديثها بالقول: "يجب على النظام المصري أن يعيد توجيه البوصلة نحو التركيز على الطلاب والمعلمين والأبنية التعليمية وتوفير كل الأدوات والوسائل لرفع مستوى التعليم من أجل نهضة الأمة بالعلم وليس بالمشروعات الأسمنتية والكتل الخرسانية".