تشكل
الاقتحامات السياسية واحدةً من الصور التي تستجيب من خلالها الطبقة
السياسية الإسرائيلية مع أطروحات "منظمات المعبد"، إذ تعطي مشاركة هذه
الشخصيات صورةً عن حجم تبني خطاب المجموعات المتطرفة ضمن البيئة السياسية
الإسرائيلية، وهو تبنٍ ينعكس بطبيعة الحال على حجم الحضور السياسي لهذه الشخصيات
في اقتحام
الأقصى، والتحريض على المصلين، إلى جانب حضور هذه المنظمات في انتخابات
"الكنيست" كواحدة من أدوات الجذب الانتخابي، أو التحريض ضد الأقصى في
أروقته لاحقاً.
وتتماهى هذه الشخصيات السياسية الإسرائيلية التي تقتحم الأقصى مع أطروحات
"منظمات المعبد" من خلال ثلاثة مستويات أساسية، هي:
1- المشاركة في اقتحام المسجد الأقصى، وخاصة تلك التي
تُنظم في المناسبات اليهوديّة، إضافةً إلى التحريض ضد العنصر البشري الإسلامي، والمطالبة
المتكررة بإنهاء دور دائرة الأوقاف الإسلامية.
2- تبني أطروحات المنظمات المتطرفة ومطالبها برفع حجم الاقتحامات،
وتحقيق المزيد من التحكم بالمسجد الأقصى وأبوابه، وتقديم الدعم السياسي لهذه
المنظمات عبر التصريحات العلنية، والمشاركة في المؤتمرات التي تُعقد في
"الكنيست"، إلى جانب التواصل المستمر مع "منظمات المعبد"
ورموزها من الحاخامات وعتاة المتطرفين.
3- تبني استراتيجية تقسيم المسجد الأقصى، وأن "المعبد"
حق خالص لليهود، وأن اقتحام الأقصى حقٌ لكل المستوطنين لا يمكن التغافل عنه.
إذن، فالاقتحامات السياسية للأقصى، واحدة من الأوجه التي تستجيب من خلالها الطبقة
السياسية الإسرائيلية مع أطروحات "منظمات المعبد"، إلى جانب أن الاعتداء
على الأقصى والتصريح ضد مكوناته أصبح أداةً لتسجيل الحضور في الحياة السياسيّة
الإسرائيليّة.
أبرز الوجوه السياسية التي اقتحمت الأقصى في 2022
نتيجة التغيرات
السياسية الكبيرة التي شهدتها دولة
الاحتلال في السنوات الماضية، واللجوء إلى الانتخابات
مع كل انسداد سياسي، تغيرت الوجوه السياسيّة التي تحرض على الأقصى بشكلٍ كبير.
وفي
"الكنيست" الحالي يُعدّ زعيم "حزب القوة اليهودية" المتطرف
إيتمار بن غفير، أبرز الوجوه السياسيّة الإسرائيليّة الحالية التي تُحرّض على
المقدسيين وتشارك في اقتحام الأقصى، ففي 5
كانون الأول/ ديسمبر 2021 اقتحم بن غفير المسجد إلى جانب عشرات المستوطنين. وفي
31 آذار/ مارس 2022 شارك في اقتحام الأقصى، بحماية مشددة من قوات الاحتلال. وقال
بن غفير في مقطع مصور من داخل المسجد الأقصى نشره على حساباته في وسائل التواصل
الاجتماعي: "زيارتي فيها رسالة بسيطة واحدة، وهي أنني لا أخضع ولا أتراجع".
وبالتزامن مع
ذكرى "احتلال
القدس" في 29 أيار/ مايو 2022، شارك بن غفير في اقتحام
المسجد الأقصى، برفقة الحاخام المتطرف يهودا غليك. وبالتزامن مع ذكرى "خراب
المعبد" في 7 آب/ أغسطس 2022 شارك بن غفير في اقتحام المسجد الأقصى إلى جانب
مئات المستوطنين، بحماية قوات الاحتلال. وقال بن غفير في تغريدة على تويتر
"وصلتُ هذا الصباح، التاسع من آب إلى أَقدس مكان للشعب اليهودي، مع ابني
الصغير، للسير والتذكير بأن السيادة لنا".
شخصيات سياسية
سابقة اقتحمت الأقصى في الأشهر الماضية
وإلى جانب بن
غفير، برز في مدة الرصد عددٌ من الشخصيات الرسمية التي شغلت مناصب سابقة لدى
مستويات الاحتلال السياسية، إلى جانب وجودها في واحدةٍ من الأحزاب الإسرائيلية،
وقد شاركوا في اقتحام المسجد الأقصى، من بينهم عضو "الكنيست" السابق
موشيه فيغلن (ليكود).
ففي 23 كانون الأول/
ديسمبر 2021 شارك فيغلن في اقتحام الأقصى، وقاد المقتحمين في جولات استفزازية في
أرجاء المسجد. وفي 19 أيار/ مايو 2022 قاد فيغلن واحدة من مجموعات المستوطنين التي
اقتحمت المسجد الأقصى. وفي 19 نيسان/ أبريل 2022 شارك مسؤول مستوطنات "غوش
عتصيون" شلومو نيئمان، في اقتحام الأقصى برفقة عشرات المستوطنين.
لماذا تراجعت الاقتحامات السياسية في السنوات الماضية؟
وعلى الرغم من أدوار العديد من الشخصيات السياسية الإسرائيلية في التحريض
المستمر على المسجد الأقصى ومكوناته البشرية، فإن أعداد الاقتحامات الرسمية شهدت تراجعاً
في الأعوام الماضية، وهو تراجع شمل عدد الشخصيات المقتحمة كما شمل عدد الاقتحامات.
وفي النقاط الآتية مقارنة بأعداد الاقتحامات في السنوات الماضية:
- في عام 2019 شهد الأقصى 17 اقتحاماً سياسياً، من بينهم
وزير الزراعة وعضو الكنيست حينها أوري أريئيل، وأعضاء "الكنيست" يهودا
غليك، وشولي معلم، وآفي ديختر.
- في عام 2020 اقتحم عضوان في "الكنيست" المسجد الأقصى،
هما أميت هليفي وشولي معلم.
- في عام 2021 شهد الأقصى سبعة اقتحامات سياسية، شارك فيها أربعة
أعضاء من "الكنسيت" الإسرائيلي، كان من بينها أربعة اقتحامات لإيتمار بن
غفير.
- في الأشهر الماضية من عام 2022 شهد الأقصى ثلاثة اقتحامات
سياسية، جميعها قام بها المتطرف إيتمار بن غفير.
وتُشير المعطيات
السابقة إلى أن الاقتحامات السياسية لا تأخذ طابعاً واحداً في السنوات الماضية، بل
تتغير بحسب الظروف. ففي عام 2020، وعلى إثر فرض التدابير الوقائية لمواجهة وباء
كورونا، تراجعت الاقتحامات السياسية بشكلٍ مضطرد، بينما شهد العام الذي سبقه (2019)
أكبر عدد اقتحامات سياسية للأقصى في السنوات التي نسلط عليها الضوء.
ومن الملاحظ أن
تراجع الاقتحامات السياسية وعدم مشاركة المزيد من الوجوه السياسية فيها، يتزامن مع
تصعيد "منظمات المعبد" جهودها للاعتداء على الأقصى، ورفع أعداد
المشاركين في الاقتحامات، وتدنيس المسجد في المناسبات الإسلامية.
ويمكن إعادة حالة
التراجع في الاقتحامات السياسية، وعدم مشاركة شخصيات جديدة في اقتحام الأقصى، إلى
جملة من الأسباب، أبرزها:
- الإغلاقات
المتكررة التي شهدتها الأراضي المحتلة مع نهاية عام 2019 وطوال عام 2020، في سياق
الحد من تفشي وباء كورونا، وانشغال السياسيين الإسرائيليين بوباء
"كورونا"، خاصة مع موجات الوباء المتتالية التي ضربت الأراضي المحتلة.
-
استمرار حالة السيولة في البيئة السياسية الإسرائيلية، وهذا ما دفع الاحتلال إلى
انتخابات "كنيست" مبكرة ستجري في 1 تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، وهي خامس
انتخابات في غضون ثلاث سنوات.
-
اندلاع معركة "سيف القدس" والمواجهة الفلسطينية الشاملة في عام 2021،
التي أربكت الاحتلال، ودفعته إلى منع الاقتحامات بشكل كامل لنحو أسبوعين، وقللت من
مشاركة الشخصيات السياسية فيها إجمالاً.
-
غياب بعض الشخصيات المتطرفة من المتطرفين عن "الكنيست" بعد خسارتهم في
آخر انتخابات برلمانية، على الرغم من استمرارهم في اقتحام المسجد الأقصى، كالحاخام
المتطرف يهودا غليك والمتطرفة شولي معلم.
- استباق سلطات الاحتلال لاقتحامات الأقصى في
شهر رمضان من عام 2022 بإجراءات تحاول "تهدئة" الأوضاع، فقد أصدر وزير
الأمن الداخلي في حكومة الاحتلال عومير بار ليف توجيهاتٍ إلى قوات الاحتلال في
القدس المحتلة، تضمنت تقييد مشاركة أعضاء "الكنيست" في اقتحامات الأقصى،
ضمن إجراءات الاحتلال للحدّ من "التوتر"، وتنفيذ العمليات الفردية.
-
على الرغم من قدرة الاحتلال على اقتحام المسجد الأقصى في الأعياد اليهودية، وحشد
أذرعه أعداداً ضخمة، إلا أن الرباط في المسجد، واستخدام أدوات الإرباك المختلفة،
حولت اقتحام المسجد الأقصى إلى ساحة حرب، وهذا ما جعل مشاركة السياسيين
الإسرائيليين فيها أداةً للتصعيد، وقد أظهرت المعطيات أن المستوى الأمني
الإسرائيلي عمل على عرقلة هذه المشاركات، والتقليل منها في كثيرٍ من الأحيان.
ومهما كانت أسباب
التراجع، إلا أن وجود اقتحام الشخصيات السياسية خطرٌ لا بد من التنبه له، إذ يُقدم
مؤشراً بالغ الأهمية والخطورة، عن موقع اقتحام الأقصى في بيئة إسرائيلية تتصاعد
فيها الدعوات لاستهداف المسجد الأقصى. وتحقق "منظمات المعبد" مزيداً من
الاختراقات في نشر أفكارها بين فئات مجتمعية إسرائيلية لم تكن تحفل سابقاً بقضية
"المعبد" أو اقتحام المسجد. وهي تطورات لا يمكن أن نعزلها عن المتغيرات
الكبرى التي تشهدها المنطقة، وعن الاستفادة المتبادلة بين المستوى السياسي
والمنظمات المتطرفة من هذه الاقتحامات، فالأولى تجد فيها منبراً للتجييش ضد
الفلسطينيين، وتسجيل الحضور السياسي، أما الثانية فتعمل على اكتساب المزيد من الضمانات
والدعم عبر تغلغلها في مستويات الاحتلال كافة.