لمرتين
متتاليتين استعرضت جماعة الحوثي الطائفية قدراتها العسكرية البشرية والآلية، المرة
الأولى في صنعاء والثانية في الحديدة، وفي كلتيهما جرى تدوير ذات القوة البشرية
وربما التسليحية ليبدو الأمر وكأنه انعكاسٌ حقيقيٌ
لقوة هذه الجماعة، ولما تمتلكه
من سلاح وما تطوره أيضاً من صواريخ وطائرات مسيرة.
ونعلم
جيداً أن هذا السلاح الذي وفرته إيران وشغَّلتهُ واستخدمته بكفاءة عالية وهاجمت بواسطته
وباسم
الحوثيين؛ مواقع حيوية في العمقين السعودي والإماراتي وكشفت هذين البلدين استراتيجياً
وكشفت أيضاً هشاشة الشراكة الاستراتيجية القائمة بينهما وبين الغرب، هو ذاته السلاح
الذي فرض الهدنة الحالية القابلة للتجديد والتعميق والتوسيع بحسب المفاهيم التي
يكرسها المجتمع الدولي لتبرير عجزه عن فرض سلام حقيقي ومستدام.
يمكن
القول إن محصلة المعركة التي دارت على الأرض
اليمنية كل هذه السنوات، قد ذهبت بنتائجها
الجيوسياسية المبكرة إلى إيران التي لم تكن حصتها لتصل إلى هذا القدر من النفوذ
على الأرض اليمنية، لولا الفرص المجانية التي مُنحت لها من اللاعبين القويين
الآخرين على هذه الساحة، وهما
السعودية والإمارات والكيانات المصطنعة المرتبطة بهما
من
مليشيات ومجالس وغيرها.
محصلة المعركة التي دارت على الأرض اليمنية كل هذه السنوات، قد ذهبت بنتائجها الجيوسياسية المبكرة إلى إيران التي لم تكن حصتها لتصل إلى هذا القدر من النفوذ على الأرض اليمنية، لولا الفرص المجانية التي مُنحت لها من اللاعبين القويين الآخرين على هذه الساحة، وهما السعودية والإمارات
قبل
يومين تحدثت الأبناء عن اشتباك بين البحريتين الأمريكية والإيرانية جنوب البحر
الأحمر، أدى إلى وقوع قاربين أمريكيين مسيّرين بيد البحرية الإيرانية قبل أن تضطر
إلى إطلاقهما تحت ضغط البحرية الأمريكية.
لم
يكن ذلك إلا مؤشراً على إصرار إيران على استثمار نفوذها الراهن في اليمن وإظهار
القدرة على حمايته عبر التواجد الروتيني لبحريتها قبالة شاطئ الحديدة وجنوب البحر
الأحمر، وإثبات حقيقية أن طهران بالفعل تمارس الامتيازات الناجمة عن إحرازها نصراً
لم يكن متوقعاً في كسب معركة النفوذ الجيوسياسي في الجغرافيا اليمنية.
لكن
في المقابل يمكن للسعودية أن تزهو بالنجاح العبثي الذي أحرزته بإسناد من الإمارات؛
في إلحاق الهزيمة بالدولة اليمنية التي أنتجتها ثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير 2011،
وهي الدولة التي مثلت ضمانة حقيقية للاستقرار المستدام في هذا البلد، وفتحت المجال
لشراكة استراتيجية ندية وعميقة مع المجتمع الإقليمي تتعزز بجملة المصالح المشتركة الراسخة
تاريخياً بين البلدان العربية.
لا أظن
أن السعودية التي انتهجت المكر والخديعة والغدر مع حلفائها، وطوعتهم وألحقت بهم
هذا القدر من الإذلال، تتجاهل حالة التمكين الظاهرية التي تعيشيها جماعة الحوثي
المدعومة من إيران، في ظل الارتدادات المعنوية السيئة لهذا التمكين على الرياض
وعلى مكانتها الإقليمية التي تبدو مهددة أكثر من أي وقت مضى، ومع ذلك يبدو أنها
وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تقترب معها إيران من إحراز نصر كبير في
ملفها النووي؛ مستعدة لأن تذهب نحو إنتاج تسوية تخصم من المكانة الاستراتيجية
للدولة اليمنية لحساب إيران والمنظومة الشيعية.
يبدو أنها وفي ظل التحولات الإقليمية والدولية التي تقترب معها إيران من إحراز نصر كبير في ملفها النووي؛ مستعدة لأن تذهب نحو إنتاج تسوية تخصم من المكانة الاستراتيجية للدولة اليمنية لحساب إيران والمنظومة الشيعية
وبأنانية
مفرطة وغشاوة سياسية لا ينكرها مراقب حصيف، تمضي السعودية ومعها الإمارات في إتمام
ترتيباتهما السيئة والخطيرة في جنوب اليمن، ومنها الدعم المقدم للحروب الصغيرة
التي لا تزال تدور في هذا الجزء من اليمن لفرض نفوذ المجلس الانتقالي، وهو المتعهد
المحلي لمشروع الانفصال، ليس بصفته قضية وطنية جنوبية بل أولوية جيوسياسية للمملكة
والإمارات، وذريعة لفرض انقسامات جديدة تتحول معها أهم المواقع الحيوية في جنوب
اليمن إلى لقمة سائغة للسعوديين والإماراتيين.
نحن
إذا بإزاء تسابق وقح للاستئثار بالنفوذ في الدولة اليمنية الهشة، حيث تحاول إيران
الوصول من خلاله إلى هدفها عبر تعظيم القوة العسكرية لحلفائها الحوثيين والسيطرة
على الجزء الشمالي من البلاد، مع الإبقاء على هدف السيطرة الكاملة على اليمن قائما،
فيما تعمل السعودية والإمارات على تقويض السلطة الشرعية التي سوغت انخراطهما في
حرب اليمن وتفكيك أدواتها وتحطيم رموزها وإنهاء نفوذها، وهو ما بدا واضحاً من خلال
فرض مجلس القيادة الرئاسي كرأس للسلطة الشرعية الجديدة، الذي تتماهى معه حدود
الدولة اليمنية مع الحدود الطموحة للمشاريع السياسية المهددة لهذه الدولة
والمتعارضة تماماً مع مصالحها، وتكتسب الأدوات غير الشرعية مشروعيتها، لتفسح
المجال لهاتين الدولتين لفرض نفوذهما الجيوسياسي بأقل الكلف المادية.
لم يعد
المشهد ضبابياً، ولم تعد السعودية حليفاً كما لم تكن كذلك من قبل، فيما تتكرس
الإمارات كبلد معاد لليمن لا يقل سوءا عن إيران. وعند هذه النقطة ينبغي أن نجرد
السعودية من آخر أسلحتها، وهي الادعاء بأنها تدعم الشرعية في أهم جبهات المواجهة
مع الحوثيين، وبالأخص في
مأرب وتعز، بعد أن أحكمت الحصار عليها من جميع الجهات عبر
تمكين المليشيات الموالية لها والتي لا تقل عنها عداوة تجاه المدافعين المخلصين عن
هذه الجبهات.
للسعودية مصلحةٌ كبيرة في عدم وقوع مأرب تحت سيطرة الحوثيين، لكنها لا تكف عن العبث وعن المؤامرة، ولم تتخل بعد عن هواجسها المريضة التي تفترض أن المدافعين عن مأرب هم "إخوان مسلمون" تتعين هزيمتهم، وتحييدهم وفرض قوى جديدة تدافع عن مأرب
إن
عجز الحوثيين عن تحقيق هدفهم في كل من مأرب و
تعز، يعود إلى صمود المدافعين عنها،
وإلا فإن الدعم السعودي لم يكن سوى وبالٍ على اليمنيين، فقد كرس الفساد وأحدث
خواراً لم يحم المقاتلين من تأثيره سوى صلابتهم وإيمانهم بقضيتهم، لذا بقي المدافعون
عن مأرب يتحملون العبء السيئ لتدخل طيران التحالف، حيث منعهم عملياً من الوصول إلى
مصادر السلاح، وقلل من قدرتهم على تحصين قوة الدفاع الذاتي عن النفس وعن الجبهات ومراكز
النفوذ الحيوية المتبقية للدولة اليمنية.
حتى
اللحظة، للسعودية مصلحةٌ كبيرة في عدم وقوع مأرب تحت سيطرة الحوثيين، لكنها لا تكف
عن العبث وعن المؤامرة، ولم تتخل بعد عن هواجسها المريضة التي تفترض أن المدافعين
عن مأرب هم "
إخوان مسلمون" تتعين
هزيمتهم، وتحييدهم وفرض قوى جديدة تدافع عن مأرب، وهي الذريعة نفسها التي أجبرت
الجيش الوطني على التخلي عن مواقعه في مشارف صنعاء عندما وجد نفسه بلا إمداد ولا
تموين ولا قدرة على التقدم أو تفادي ضربات فتاكة من طيران التحالف؛ قتلت منه أكثر بكثير
مما قتلت من أعدائه الحوثيين.
twitter.com/yaseentamimi68