كتاب عربي 21

دوافع الاعتداء الدستوري على مجلس القضاء الأعلى في اليمن

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

لسوء الحظ أن الجزء المهترئ من اليمن، حيث تتركز معظم المساحة الجغرافية والثروات المعدنية المعطلة، تتصدر المشهد السياسي فيه سلطة شرعية هشة للغاية، صُممت بعناية من جانب المتدخلين الإقليميين: السعودية والإمارات، وهي اليوم تمضي في سياسة تغيير تعادل في تأثيرها الأثر الذي تحدثه معركةٌ كبيرةٌ مجددة بالسلاح، لكنها للأسف موجهة ضد ما تبقى للدولة اليمنية من وجود وإمكانيات.

لا أريد أن أكون متشائماً، لكن ما هو المبرر لأن يتجرأ مجلس القيادة الرئاسي على تنفيذ اعتداء دستوري صارخ على مجلس القضاء الأعلى وسلب صلاحياته وهيبته وكرامته؛ كسلطة موازية وضمانة قوية لحماية مقدرات الدولة وحراستها دستورياً وقانونياً، وأن يقوم بتلك التغييرات التي أنتجت مجلساً جديداً، أسوأ ما فيه أنه استوعب قضاة بخلفيات سياسية موتورة، واستهدف بشكل مباشر ما كان لدى المجلس السابق من ميزة الأقدمية الممزوجة بالنضوج والخبرة والممارسات القضائية المشهودة.

لقد تصدر ما يسمى نادي القضاة الجنوبي، وهو كيان تشكل من رحم المؤامرة الانفصالية المدعومة إقليمياً من شريحة صغيرة من القضاة حديثي العهد، مهمة استهداف مجلس القضاء الأعلى ورئيس المحكمة العليا تحديداً، القاضي المخضرم وعميق الخبرة حمود الهتار، وقبل ذلك النائب العام، لتأتي تلك التغييرات الخطيرة وكأنها استجابة لمطالب من القضاة أنفسهم.

ما هو المبرر لأن يتجرأ مجلس القيادة الرئاسي على تنفيذ اعتداء دستوري صارخ على مجلس القضاء الأعلى وسلب صلاحياته وهيبته وكرامته؛ رلاىة كسلطة موازية وضمانة قوية لحماية مقدرات الدولة وحراستها دستورياً وقانونياً، وأن يقوم بتلك التغييرات التي أنتجت مجلساً جديداً، أسوأ ما فيه أنه استوعب قضاة بخلفيات سياسية موتورة

لقد كان ما يسمى بنادي القضاة الجنوبي طرفاً في مهمة تعطيل القضاء في العاصمة المؤقتة عدن على وجه الخصوص، وكانت تلك مهمة استخبارية مدعومة من أبو ظبي والتحالف، وهدفها الأساس منع إقامة العدل والبت في المئات من جرائم القتل السياسي الإرهابية التي استهدفت شخصيات على صلة وثيقة بالدولة اليمنية وبالمشروع الوطني، وتورط فيها مرتزقة أجانب من الكيان الصهيوني والولايات المتحدة وفرنسا.

واليوم يراد من وراء إنتاج مجلس قضاء أعلى جديد، تحصين المرحلة القادمة من مهمة التحالف في اليمن وهي مهمة تدميرية على كل حال، أيضاً طي صفحة تجاوزاته الأمنية والحقوقية على الساحة اليمنية المستباحة طيلة السنوات الماضية، والتي تصدرت عناوين الإعلام الدولي واهتمام منظمات حقوق الإنسان المحلية والدولية.

كلنا نعلم أن مجلس القيادة الرئاسي يعاني من عقدة المشروعية، فقد ولد نتيجة عملية سياسية قيصرية منفصلة تماماً عن إرادة النخبة السياسية في الدولة والأحزاب اليمنية ذات التمثيل البرلماني، ناهيك عن أنها منفصلة عن إرادة الشعب اليمني، وقد كان الرئيس هادي المثير للإحباط، هو همزة الوصل الوحيدة بين الدولة وهذا الشعب كونه منتخباً بصورة مباشرة، قبل أن يفرط بصلاحيات الرئيس ويرهن موقع الرئاسة ويعرض كرامته الرئاسية للإهانة، وكان بوسعه ألا يفعل ذلك أصلاً.
مجلس القيادة الرئاسي يعاني من عقدة المشروعية، فقد ولد نتيجة عملية سياسية قيصرية منفصلة تماماً عن إرادة النخبة السياسية في الدولة والأحزاب اليمنية ذات التمثيل البرلماني، ناهيك عن أنها منفصلة عن إرادة الشعب اليمني

لقد جاء المجلس الرئاسي محمولاً على أجنحة انقلابٍ مشوه، فهو لم يفعل أكثر من أنه كرس ضعف سلطة ضعيفة في بلد تتقاسم السيطرة الواقعية عليه قوى أخرى؛ لم يستطع هذا الانقلاب أن يخصم ولو جزءا يسيراً من نفوذها على الأرض. بل على العكس، لقد استوعب ممثلين وقادة لهذه القوى في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي؛ الذي يمارس نشاطه المتواضع في قصر معاشيق تحت رحمة مليشيات مسلحة لا تتردد في التعبير عن نزقها الانفصالي كلما رأت سلوكاً يذكرها بالدولة اليمنية وبالوحدة، ويُصدر عن إرادة مختطفة في الأساس قرارات لا تخدم الدولة اليمنية مطلقاً.

كما أن المجلس الرئاسي جاء برسالة سياسية أساسية وهي إقامة السلام مع انقلاب الحوثيين في صنعاء، تسبقه إلى ذلك هدنة فرضتها الولايات المتحدة وأبرمتها الرياض مع الحوثيين. وها نحن نرى أنه بفضل هذه الهدنة التي تتمدد وتتعمق وتتسع، تساهم كذلك وبشكل رئيس في تمدد واتساع وتعميق سلطة الانقلابيين الحوثيين في صنعاء.
وُضع رجل دولة بحجم الدكتور رشاد العليمي في وضع صعب للغاية، لكن بوسعه أن يدافع ولو عن كرامته الشخصية وتاريخه وسجل خدمته في صفوف الدولة اليمنية، وفي المواقع المتقدمة من هذه الصفوف

لا نرى أساساً قويا يقف عليه مجلس القيادة الرئاسي حتى يمضي في قرارات؛ أسوأ ما فيها أنها تنحت القواعد التي تقف عليها سلطته التي بات من الصعب وصفها بالشرعية، وتسرع من سقوط هذه الشرعية الهشة في براثن المؤامرة الإقليمية التي جندت الكثير من الأدوات الخشنة في الداخل اليمني، ولعبت على وتر الفقر والحاجة لتدفع بشخصيات إلى الواجهة لتتصرف وفق ما تمليه عليها الإرادة الإقليمية؛ المتصلة بحزمة واسعة من الطموحات في السيطرة على المزايا الجيوسياسية لليمن، جزراً ومضائق وموانئ وثروات معدنية.

لقد وُضع رجل دولة بحجم الدكتور رشاد العليمي في وضع صعب للغاية، لكن بوسعه أن يدافع ولو عن كرامته الشخصية وتاريخه وسجل خدمته في صفوف الدولة اليمنية، وفي المواقع المتقدمة من هذه الصفوف.

ليس هناك أسوأ من الرئيس هادي لكي نُهيل على دوره وذكرياته ومساوئه التراب، لكن يمكن لليمنيين في لحظة يأس وحزن يتسبب بهما الأداء الحالي للرئيس رشاد ورفاقه المتشاكسين في مجلس القيادة الرئاسي؛ أن يترحموا على الرئيس هادي!! نعم يمكن أن يحدث ذلك، وحينها لن تكون أمام الرئيس الحالي من فرصة لتصحيح الوضع أو حتى لإنقاذ سمعته وانتشال كرامته من الوحل المتوقع، والذي يتشكل جراء السياسات الخبيثة التي يمليها التحالف على المجلس الرئاسي.

 

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)