هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار تراجع دور رئيس مجلس القيادة الرئاسي
رشاد العليمي، وبروز عضو المجلس عيدروس الزبيدي، كفاعل أول في إدارة المشهد
السياسي والعسكري في اليمن، أسئلة عدة، عن سياق الدور الثانوي للعليمي، وهل يمكن
وصف بروز الزبيدي على حساب رئيس وأعضاء المجلس الآخرين بأنه تكتيك واحتواء من قبل
العليمي والدول الداعمة لمجلس القيادة؟ أم إن هذا هو الدور المرسوم للرجلين؟
وأظهرت نشاطات وقرارات المجلس الرئاسي في الآونة الأخيرة، جليا، هذه
المعضلة، بحسب مراقبين، إذ كانت في مصلحة المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي
بانفصال جنوب اليمن عن شماله، وتمكين مليشياته المدعومة من الإمارات من السيطرة
على محافظة شبوة النفطية، شرق البلاد، بإسناد جوي إماراتي، وسط غياب أي موقف أو
خطاب تنديدي بما تعرضت له القوات الحكومية هناك.
وتعرض العليمي لانتقادات واسعة في الوسط
السياسي والعسكري في اليمن، إزاء قراراته ومواقفه المتماهية مع المجلس الانتقالي،
الذي يرأسه عيدروس الزبيدي، عضو المجلس الرئاسي، والذي وصل إلى حد تكليف الأخير
بإدارة لجنة عليا لموارد الدولة المالية، وسط تهميش أعضاء المجلس الآخرين.
وخلقت قرارات العليمي أزمة سياسية، دفعت بحزب
الإصلاح، أكبر قوة سياسية مساندة للمجلس الرئاسي، إلى التلويح بتجميد مشاركته في
سلطاته، بعد تجاوز المجلس المهام الأساسية التي شكل لأجلها في 7 نيسان/ أبريل الماضي.
ومع بلوغ الأحداث ذروتها في محافظة شبوة،
واستمرار المليشيات المدعومة من أبوظبي وباسناد جوي من الطيران المسير الإماراتي،
وفق المصادر المحلية، في مهاجمة قوات الجيش والأمن الخاصة، ونهب مقار شركة الغاز
اليمنية، وصولا إلى السيطرة على قطاعات نفطية في المحافظة، فقد ظل العليمي غائبا عن
هذه الأحداث، بل غادر الاثنين الماضي، عدن، إلى أبوظبي في زيارة وصفتها وكالة
الأنباء الرسمية "سبأ" بأنها "زيارة عمل غير رسمية" قبل تعديل
هذا الخبر أكثر من مرة.
"خطة ممنهجة"
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي
اليمني، ياسين التميمي، أن الظهور المبالغ فيه لعضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس
الزبيدي، في أنشطة تخص الجمهورية اليمنية، وتحت علم الانفصال والمشروع الانفصالي،
يأتي ضمن خطة ممنهجة رسمها التحالف وفرضها بالقوة على أطراف العمل السياسي في
معسكر الشرعية منذ فرض المجلس الانتقالي شريكا في الحكومة.
وقال التميمي في حديث لـ"عربي21"، إن
الأمر ازداد خطورة بوصول الزبيدي إلى عضوية مجلس القيادة الرئاسي بعد انقلاب السابع
من نيسان/ إبريل، في إشارة منه إلى إعلان نقل السلطة من الرئيس عبدربه منصور هادي
إلى المجلس الرئاسي في إبريل الماضي.
وأشار إلى أن "هناك معطيات واقعية على
الأرض تضع الزبيدي في مكانة مهيمنة على ما عداها من أعضاء المجلس بما في ذلك رئيس
المجلس نفسه، وأهمها أنه يتحكم عسكريا وأمنيا بقصر معاشيق مقر الرئاسة، ويتحكم
بالعاصمة السياسية عدن.
وأضاف الكاتب اليمني أنه "على الرغم من وجود
أعضاء آخرين يملكون قوى عسكرية مكافئة فإنهم ووفقاً للدور المرسوم لهم اكتفوا
بممارسة نفوذهم ضمن القضاء الجيوسياسي الذي رسمه التحالف لكل منهم".
وقال إن الزبيدي يصر على تثبيت مكانته
مرحليا كنائب أول في لائحة تنظيم عمل المجلس المتعثرة بسبب هذا الإصرار من جانب
الزبيدي ذاته.
وأكد المحلل السياسي اليمني أن هذا يحتم علينا
فهم أن سلوك عيدروس الزبيدي يتكرس كممارسة مشروعة بفضل التغطية التي يوفرها له
التحالف، والتي لا تكتفي بتعزيز المكانة الرئاسية للرجل بل القيام نيابة عن قواته بخوض معارك جوية ضد القوات الحكومية وتسليم المزيد من مناطق النفوذ لعيدروس ومجلسه
الانتقالي الجنوبي.
ومضى قائلا: "وهذا يأتي، ضمن مسار قد
ينتهي باستحواذه بشكل تلقائي على منصب الرئاسة، وهو أمر قد يسمح إما بتنفيذ مشروع
الانفصال وفق عقيدة الزبيدي ومجلسه الانتقالي أو تفكيك الدولة اليمنية وفق مناطق
السيطرة الحالية لقوى الأمر الواقع".
وحسب التميمي فإن سنوات من الممارسات السيئة
للتحالف لا تسمح بتوقع أن ما يحظى به عيدروس الزبيدي هو بهدف احتوائه، والدفع به
للانخراط في مشروع استعادة الدولة اليمنية، موضحا أن خطاب التحالف السياسي
والإعلامي يشير إلى عكس ذلك تماماً.
"تصادم رؤى"
من جانبه، قال رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبدالسلام
محمد، إن العليمي رئيس مجلس رئاسة الدولة جاء إلى هذا الموقع في وضع حرج جدا.
وأضاف محمد في حديث لـ"عربي21"، أن
هذا الوضع الاقتصادي والسياسي والعسكري، فرض كثيرا من الأولويات على المجلس الرئاسي
على شقين: "الأولويات الاقتصادية" و"الأولويات الأمنية العسكرية".
وفي ما يخص، الأولويات الأمنية والعسكرية، وفقا
لرئيس مركز أبعاد للدراسات، فقد تمت المباشرة بها من خلال لجنة أمنية
وعسكرية كان قد تم تشكيلها.
أما الأولويات الاقتصادية، فهي مرتبطة بالاتفاق
مع السعودية والإمارات من أجل الوديعة التي وعدتا به خلال إعلان تشكيل المجلس،
إضافة إلى ارتباطها ببعض الإجراءات الاقتصادية.
وقال عبدالسلام محمد إن "كل الأحداث
الأخيرة حدثت قبل تحقيق هذا الإنجاز".
وعند الحديث عن أن الزبيدي أصبح أكثر تأثيرا من أي
شخصية أخرى في المجلس الرئاسي، فإن هذا يشير إلى أن حليفة الزبيدي،
الإمارات، تقدم له ما يريده ضمن أولوياته وليس أولويات المجلس ورئيسه العليمي.
وتابع بأن أولويات الزبيدي مناطقية تتجه نحو
الانفصال، وبالتالي فقد ظهرت في كثير من الأحداث منها التمدد في شبوة ومحاولة فرض واقع
الانفصال على المحافظات الجنوبية وإرباك الحكومة ومجلس الرئاسة بأعضائه الآخرين.
وأوضح رئيس مركز أبعاد اليمني أن عدم قدرة
العليمي على إحكام قبضته على المجلس الرئاسي والدولة يأتي في إطار أن حليفه في التحالف (تقوده السعودية) لم
يقدموا له ما يريد من أولويات سواء كانت اقتصادية أم أمنية أم عسكرية.
وقال: "فلو كان نجح في الأولوية الأمنية
والعسكرية، وترتيب عملية إدماج القوات التابعة للمجلس الانتقالي، فمعنى ذلك، أن
تفكيره سينصب على استعادة العاصمة صنعاء من الحوثيين".
وبحسب المتحدث ذاته، فإن هذه الرؤية تتصادم مع
رؤية التحالف (السعودية) للمرحلة المقبلة من حيث التفاهمات مع الحوثي، ومن ناحية
أخرى، تتصادم مع رؤية الإمارات للمحافظات الجنوبية.
وفي مشهد آخر على عمق الأزمة التي تعصف بالمجلس
الرئاسي، وجه الزبيدي عضو المجلس ورئيس المجلس الانتقالي الانفصالي، في وقت سابق
من يوم الاثنين، المليشيات التابعة له، بشن عملية عسكرية أسماها "سهام
الشرق" للسيطرة على محافظة أبين المحاذية لمدينة عدن، والتي تخضع لقوات الجيش
الحكومية باستثناء مدينة زنجبار وأجزاء من
مديرية خنفر، اللتين تسيطر عليهما مليشيات الانتقالي.
وتجاهل الزبيدي رئيس المجلس الرئاسي، رشاد
العليمي، الذي يزور الرياض حاليا بعد مغادرته أبوظبي، بقراره إطلاق العملية
العسكرية وتحت شعار "مكافحة الإرهاب"، وكذا التوافقات داخل المجلس الذي
يضم 7 أعضاء أخرين، في ما يخص أي قرارات صادرة عنه.
وعقب توجيهات الزبيدي، وجه رئيس المجلس
الرئاسي، العليمي، وزارتي الدفاع والداخلية وقادة المنطقة العسكرية الرابعة ومحور
أبين العسكري بإيقاف أي عمليات عسكرية في محافظة أبين.
وفي أثناء ذلك يسود التوتر الأوضاع في محيط مدينة زنجبار عاصمة المحافظة،
بعد إعلان قوات الجيش عن إعادة الانتشار والتمركز على امتداد خطوط التماس مع المليشيات
التابعة للانتقالي والمدعومة من أبوظبي هناك.