تقارير

محاولات إسرائيلية بائسة لاغتيال الهوية الفلسطينية

مثقفون فلسطينيون غيبهم الاحتلال بهدف طمس هوية فلسطين فخلدهم في التاريخ
مثقفون فلسطينيون غيبهم الاحتلال بهدف طمس هوية فلسطين فخلدهم في التاريخ

كان الشغل الشاغل لدولة الكيان الإسرائيلي وحكوماتها المتعاقبة منذ إنشائها في 15 أيار/ مايو 1948؛ طمس الهوية الوطنية وتغييبها، لفرض الرواية الصهيونية حول احتلال فلسطين وتعميمها؛ فكانت عملية ملاحقة الأدباء والفنانين والإعلاميين الفلسطينيين واغتيالهم سياسة إسرائيلية ممنهجة؛ بغرض إسكات الفكر والقلم والأدب الفلسطيني؛ والتي تعتبر بمجملها رافداً مهماً للهوية الوطنية الفلسطينية الراسخة والمتطورة؛ ونستحضر في هذا السياق بعض الرموز الذين استطاعت إسرائيل اغتيالهم؛ لكن أعمالهم ماثلة وباتت جزءا من هوية الشعب الفلسطيني الذي لم ولن يهزم؛ وهم الأديب غسان كنفاني والكاتب والإعلامي ماجد أبو شرار؛ وفنان الكاريكاتور ناجي العلي.
 
غسان كنفاني 

خمسون عاماً مضت على استشهاد الأديب الفلسطيني غسان كنفاني؛ وأصبحت أعماله ركناً جوهرياً لهوية الشعب الفلسطيني الذي لم ولن يهزم؛ وهو الشعب الولّاد للطاقات البشرية بمنتوجاتها المستمرة الدالة على صمود الهوية الوطنية وصيرورتها؛ رغم محاولات المحتل لطمسها وتغييبها. 

غسان كنفاني روائي وقاص وصحفي فلسطيني، ويعتبر أحد رموز الكتاب والصحفيين الفلسطينيين والعرب في القرن العشرين المنصرم. ولد في عكا، شمال فلسطين، في التاسع من نيسان عام 1936م، وعاش في يافا حتى أيار 1948 حين أجبر على اللجوء مع عائلته في بادئ الأمر إلى لبنان ثم إلى سوريا. 

عاش وعمل في دمشق ثم في الكويت وبعد ذلك في بيروت منذ 1960، وفي تموز 1972، استشهد في بيروت مع ابنة أخته لميس في انفجار سيارة مفخخة على أيدي الموساد الإسرائيلي. 

 



أصدر غسان كنفاني حتى تاريخ وفاته المبكّر ثمانية عشر كتاباً، وكتب مئات المقالات والدراسات في الثقافة والسياسة وكفاح الشعب الفلسطيني. في أعقاب اغتياله تمّت إعادة نشر جميع مؤلفاته بالعربية، في طبعات عديدة. وجمعت رواياته وقصصه القصيرة ومسرحياته ومقالاته ونشرت في أربعة مجلدات. وتُرجمت معظم أعمال غسان الأدبية إلى سبع عشرة لغة ونُشرت في أكثر من 20 بلداً، وتمّ إخراج بعضها في أعمال مسرحية وبرامج إذاعية في بلدان عربية وأجنبية عدة. اثنتان من رواياته تحولتا إلى فيلمين سينمائيين. 

وما زالت أعماله الأدبية التي كتبها بين عامي 1956 و1972 تحظى اليوم بأهمية فائقة. من أهم أصدقاء الأديب غسان كنفاني وبيت أسراره، الكاتب الفلسطيني المعروف أستاذي بلال الحسن (أبوفراس) المقيم حاليا في فرنسا أمد الله في عمره وسدد خطاه ورعاه، وكذلك دكتور الاقتصاد الفلسطيني المعروف فضل النقيب المقيم حالياً في كندا رعاه الله وسدد خطاه.

ماجد أبوشرار

مُناضل وقيادي فلسطيني وُلد في دورا بالقرب من الخليل عام 1936 واغتيل في التاسع من تشرين الأول/أكتوبر 1981 في روما بعد تفجيرِ غرفته في أحد فنادق المدينة على يدِ عملاء الموساد. 

وُلد ماجد في دورا قضاء الخليل عام 1936 وترعرعَ هناك ثم انتقل ليدرسَ المراحل الابتدائية والإعدادية في غزة حيث انضم والده لجيش الجهاد المقدس في الأربعينيات، ثم التحقَ فيما بعد بجامعة الاسكندرية ونال منها شهادةً في الحقوق عام 1958.

بدأَ ماجد أبوشرار مسيرته المهنيّة كمعلمٍ في مدرسة قضاء الكرك ثم أصبح مديرًا لها. التحقَ بحركة "فتح" عام 1962 إلى جانب عددٍ من القادة الذين كانوا في السعودية وعلى رأسهم عبد الفتاح حمود وسعيد المزين وغيرهم. بحلول عام 1968؛ تفرَّغ ماجد للعمل في جهاز الإعلام التابع للحركة مع كمال عدوان كما تولى رئاسة تحرير صحيفة فتح اليومية، ودعم تأسيس مدرسة الكوادر الثورية في قوات العاصفة عام 1969. شَغل موقع مسؤول الإعلام المركزي، ورئيس دائرة الإعلام المركزي ثم الإعلام الموحد للحركة. أصبحَ بعد عملية الفردان عضوًا في المجلس الوطني الفلسطيني.

 

                         ماجد أبوشرار.. إعلامي فلسطيني

وفي الفترة ما بين 1973 و1978 تولى ماجد مهام مفوض سياسي عام لحركة "فتح" وكان من بينِ الكوادر الثورية؛ حيث رسم خط سير الأهداف لحركة "فتح" وجهز الفدائيين الذين خاضوا معارك في عددٍ من المدن. اختِير أمينًا لسرِّ المجلس الثوري في المؤتمر الثالث لحركة فتح كما تم انتخابه في المؤتمر الرابع عام 1980 ليكون عضوًا في اللجنة المركزية، كذلك كان عضوًا في الاتحاد العام للكتاب والصحفيين الفلسطينيين منذ عام 1972. 

بالإضافةِ إلى نشاطه السياسي؛ كانَ ماجدُ قاصًا وأديبًا حيث صدرت له مجموعة قصصية باسم "الخُبْز المُرّ" كما كان يكتبُ زاوية ساخرة بعنوان "جدًا" بصحيفة فتح. واعتبر ماجد أبوشرار أحد أبرز قياديي تيار اليسار الديمقراطي الذي ضم ناجي علوش، ومنير شفيق، حنا ميخائيل، ومرعي عبد الرحمن (أبو فارس)، وأبو نائل (عبد الفتاح القلقيلي)، نمر صالح، وأبو حاتم (محمد أبو ميزر) وأبو خالد الصين، وقدري (سميح أبو كويك) وأبو خالد العملة والياس شوفاني وغيرهم. نَتج عن هذا التيار تنظيمات وتشكيلات منها الكتيبة الطلابية.

وقفَ إلى جانبِ البرنامج المرحلي بشرط عدم الصلح أو الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل، واتخذ موقفًا نقديًا من السياسة العامَّة للحركة. وقد أجرى مراجعة نقدية لموقفه السابق بخصوص البرنامج المرحلي، قبيل المؤتمر الرابع لحركة "فتح" عام 1980 في سياق محاولته رص صفوف هذا التيار وقيادته في تلك المعركة. وقد نجح ماجد في تلك المعركة، حيث انتخب عضوا في اللجنة المركزية لحركة "فتح"، كما وصل عدد من رموز التيار إلى عضوية المجلس الثوري للحركة. وخلال فعاليات مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني والذي حضره روجيه غارودي وفانيسا رديغريف والمطران هيلاريون كابوتشي في روما في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 1981؛ استشهد ماجد أبوشرار إثر انفجارٍ في غرفته في فندق فلورا بسبب قنابل زرعها عملاء الموساد. 

دُفن ماجد في مقابر الشهداء في بيروت. رثاه الشاعر محمود درويش في ديوان "في حضرة الغياب"، كما افتُتحت مؤسسة ماجد أبو شرار الإعلامية تخليدًا لاسمه وهي منظمة تعمل من أجلِ تمكين الشباب في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان. وفي عام 2012، أنجز الفنان التشكيلي الفلسطيني يوسف كتلو لوحة جدارية بطول عشرة أمتار وعرض ثلاثة أمتار استوحى فيها شخصية ماجد أبو شرار ورموزا وطنية، ووُضعت عند مدخل ملعب دورا الدولي.

ناجي العلي 

ولد ناجي سليم حسين العلي في قرية الشجرة قضاء طبريا عام 1937 واستشهد في لندن في 29 آب / أغسطس 1987. رسام كاريكاتير فلسطيني، تميز بالنقد اللاذع الذي يعمّق عبر اجتذابه للانتباه الوعي الرائد من خلال رسومه الكاريكاتورية، ويعتبر من أهم الفنانين الفلسطينيين الذين عملوا على ريادة التغيّر السياسي باستخدام الفن كأحد أساليب التكثيف. له أربعون ألف رسم كاريكاتوري، اغتاله شخص مجهول في لندن عام 1987م.

بعد نكبة عام 1948؛ هاجر الشهيد ناجي العلي مع عائلته إلى جنوب لبنان وعاش في مخيم عين الحلوة، ثم هَاجر من هناك وهو في العاشرة، ومن ذلك الحين لم يعرف الاستقرار أبدا، فبعد أن مكث مع أسرته في مخيم عين الحلوة بجنوب لبنان اعتقلته القوات الإسرائيلية وهو صبي لنشاطاته المعادية للاحتلال، فقضى أغلب وقته داخل الزنزانة يرسم على جدرانها. وكذلك قام الجيش اللبناني باعتقاله أكثر من مرة وكان هناك أيضاً يرسم على جدران السجن. سافر إلى طرابلس ونال منها شهادة ميكانيكا السيارات. تزوج من وداد صالح نصر من بلدة صفورية الفلسطينية وأنجب منها أربعة أولاد هم خالد وأسامة وليال وجودي. أعاد ابنه خالد إنتاج رسوماته في عدة كتب جمعها من مصادر كثيرة، وتم ترجمة العديد منها إلى الإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى.

 

                                     ناجي العلي

كان الصحفي والأديب الفلسطيني غسان كنفاني قد شاهد ثلاثة أعمال من رسوم ناجي في زيارة له في مخيم عين الحلوة فنشر له أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة "الحرية" العدد 88 في 25 أيلول /سبتمبر 1961م؛ وفي سنة 1963م سافر إلى الكويت ليعمل محررا ورساما ومخرجا صحفيا فعمل في الطليعة الكويتية، السياسة الكويتية، السفير اللبنانية، القبس الكويتية، والقبس الدولية. وكانت حنظلة شخصية ابتدعها ناجي العلي تمثل صبياً في العاشرة من عمره، ظهر رسم حنظلة في الكويت عام 1969م في جريدة السياسة الكويتية، أدار ظهره في سنوات ما بعد 1973م وعقد يديه خلف ظهره، وأصبح حنظلة بمثابة توقيع ناجي العلي على رسوماته. 

لقي هذا الرسم وصاحبه حب الجماهير العربية كلها وبخاصة الفلسطينية، لأن حنظلة هو رمز للفلسطيني المعذب والقوي رغم كل الصعاب التي تواجهه فهو شاهد صادق على الأحداث ولا يخشى أحداً. ولد حنظلة في 5 حزيران 1967م، ويقول ناجي العلي إن حنظلة هو بمثابة الأيقونة التي تمثل الانهزام والضعف في الأنظمة العربية؛ وقد دفن ناجي العلي في مقبرة بروكود في لندن وقبره يحمل الرقم 230191. وأصبح حنظلة رمزاً للصمود والاعتراض على ما يحدث وبقي بعد ناجي العلي ليذكّر الناس بناجي العلي. ومن أهم مقولات الشهيد ناجي العلي "اللي بدو يكتب لفلسطين، واللي بدو يرسم لفلسطين، بدو يعرف حالو: ميت"؛ و"هكذا أفهم الصراع: أن نصلب قاماتنا كالرماح ولا نتعب"، "الطريق إلى فلسطين ليست بالبعيدة ولا بالقريبة، إنها بمسافة الثورة"، "متهم بالانحياز، وهي تهمة لا أنفيها، أنا منحاز لمن هم "تحت"،"أن نكون أو لا نكون، التحدي قائم والمسؤولية تاريخية".

وعن حنظلة قال ناجي العلي: "ولد حنظلة في العاشرة في عمره وسيظل دائما في العاشرة من عمره، ففي تلك السن غادر فلسطين وحين يعود حنظلة إلى فلسطين سيكون بعد في العاشرة ثم يبدأ في الكبر، فقوانين الطبيعة لا تنطبق عليه لأنه استثناء، كما هو فقدان الوطن استثناء"، وأما عن سبب تكتيف يديه فقال ناجي العلي: "كتفته بعد حرب أكتوبر 1973م لأن المنطقة كانت تشهد عملية تطويع وتطبيع شاملة، وهنا كان تكتيف الطفل دلالة على رفضه المشاركة في حلول التسوية الأمريكية في المنطقة، فهو ثائر وليس مطبعا". كانت رسوم الشهيد ناجي أقوى وأمضى سلاح منحاز لشعبه المكلوم؛ ولو أن ريشة وقلم ناجي حاضر في ظل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، لاتسع نطاق الحقيقة وحتمية انتصار الشعب الفلسطيني ونيله حقوقه كاملة.

*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا 


التعليقات (0)