هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يتابع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي القرار تلو القرار لمنح ضباط الجيش امتيازات غير مسبوقة في تاريخ البلاد ولا في تاريخ الجيوش العربية والعالمية، ما اعتبره مراقبون حالة من شراء الولاءات بعد حالة الغضب الشعبي بفعل الأزمات الاقتصادية وتراجع شعبية السيسي.
آخر تلك القرارات ما نشرته "الجريدة الرسمية" 6 تموز/ يوليو الجاري، بشأن قرار للسيسي، يقضي بتحديد الدرجات العلمية التي تمنح لخريجي كليات الأكاديمية العسكرية المصرية ومنحهم درجات الليسانس والبكالوريوس التي تمنحها الجامعات المصرية.
"ماهية القرار"
المادة الأولى من القرار تنص على منح وزير الدفاع خريجي الكليات العسكرية درجة الليسانس أو البكالوريوس التي تمنحها سائر الجامعات المصرية لرفع تأهيل خريجي كليات الأكاديمية العسكرية المصرية الأربع علميا وعمليا للخدمة في القوات المسلحة.
ويمنح القرار الغامض في تفاصيله والخطوات التي تتبعه، خريجي "الكلية الحربية" شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية والاقتصاد والإحصاء، كما يمنح خريجي "الكلية البحرية" شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية.
أيضا يمنح قرار السيسي خريجي "الكلية الجوية" درجة البكالوريوس في التجارة وإدارة الأعمال تخصص إدارة الطيران والمطارات، ودرجة البكالوريوس في الحاسبات والمعلومات تخصص نظم معلومات الطيران.
وأخيرا يمنح القرار خريجي "كلية الدفاع الجوي" البكالوريوس في هندسة الاتصالات والإلكترونيات والحاسب والنظم، والميكاترونكس والروبوتات.
وتنص المادة الثانية على أنه "يحدد وزير الدفاع إحدى اللوائح الداخلية السارية والمعمول بها بإحدى الكليات التي تمنح ذات الدرجات السابق ذكرها بالمادة السابقة للعمل بمقتضاها في نظام الدراسة والامتحانات للحصول عليها".
"كما يتم تحديد المواد والمناهج وآلية تدريسها ونظام الامتحانات ومعاييرها بذات النظام الذي تتبعه تلك الكلية"، فيما يسري القرار على الطلاب الملتحقين الجدد بكليات الأكاديمية العسكرية المصرية، اعتبارا من العام الدراسي 2022 -2023.
"امتيازات غير مسبوقة"
القرار يأتي بعد أيام من تسريبات وصلت "عربي21" حول منح السيسي ضباط الجيش والمحالين على المعاش من العسكريين وعائلاتهم حصانة وامتيازات غير مسبوقة ومخالفة للدستور والقانون.
ومنها: "لا يحق لأي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني التعارض (التعرّض له بأي شكل من المضايقات) مع السادة الضباط والأفراد، ولا يخول لأي جهة حتى بالأجهزة الرقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني مُخالفة ذلك...".
وأيضا: "لا يحق لأي مؤسسة رقابية أو شرطة مدنية أو أي قضاء مدني تفتيش ممتلكات السادة الضباط والأفراد، ولا يخول لأي جهة التصديق لهم بفعل السالف ذكره، وفي مخالفة ذلك يحق لصاحب الصفة العسكرية أن يقاضي المخالف في هذه المؤسسة أو الشرطة المدنية أو القضاء المدني، والقبض عليه عن طريق الشرطة العسكرية".
"تخريب متعمد"
القرار الجديد بمنح خريجي الكليات العسكرية درجات علمية لم يدرسوها كاملة أو يتخصصوا بعلومها أثار غضبا مصريا، واعتبره كثيرون غير عادل ويمنح امتيازات تضر بالواقع المصري، وفيه تخريب متعمد للتعليم الجامعي، وإلغاء للمعايير المعتمدة وتدمير للمؤسسية وتهميش للجامعات المدنية.
كما رأى فيه البعض بداية لمنافسة كبيرة من الجيش للمدنيين في جميع القطاعات، وخطوة لحرمان المدنيين من الكثير من الفرص والوظائف وندب الضباط للوظائف المدنية خاصة وأن الجيش يسيطر على قطاعات واسعة من اقتصاد الدولة.
"تدمير ممنهج"
وفي تقديره لخطورة قرار السيسي بمنح العسكريين درجات الليسانس والبكالوريوس، قال رئيس المكتب السياسي للمجلس الثوري المصري الدكتور عمرو عادل، إن "القرار امتداد طبيعي لما يحدث بمصر من تدمير متتال وممنهج لكل شيء، وليس فقط في مجال التعليم".
في حديثه لـ"عربي21"، أضاف: "ولو نظرنا بشكل عملي لما يحدث بعيدا عن الشهادات العلمية سنجد ضباط الجيش بلا أي خبرات علمية أو تعليم جامعي يديرون به السياسة والاقتصاد والمؤسسات البحثية والعلمية بالبلاد، ونتذكر منذ سنوات افتتاح الأكاديمية الطبية العسكرية والتي لا يعلم أحد من تخرج؟ وماذا يتعلمون؟".
السياسي المصري، وضابط الجيش المصري السابق، في تفسيره للقرار قال: "ربما يرتبط ذلك بالإحساس بالنقص من قلة الخبرات العلمية وعدم الحصول على الشهادات الجامعية عند معظم الكليات العسكرية سوى بكالوريوس العلوم العسكرية".
و"للعلم العلوم العسكرية علوم راقية؛ ولكن ليست هي ما يتعلمه طلبة الكليات العسكرية بمصر، فهناك شهادات متواترة وموثقة عن المستوى العلمي المتدني لخريجي الكليات العسكرية الأربع المذكورة في مجال العلوم العسكرية"، بحسب عادل.
وأوضح أنه "إذا كان طلبة الكليات العسكرية لا يتقنون أصلا ما هو لازم لهم ليصبحوا ضباطا محترفين نظرا لضعفهم العلمي عند قبولهم بهذه الكليات؛ فكيف نضيف عليهم عبئا آخر يحتاج أقرانهم لسنوات وعمل مضن لتحصيل العلوم المذكورة؟".
وأجاب على تساؤله قائلا: "مستحيل قطعا، وستصبح الشهادات الممنوحة لهم مثل شهادة العلوم العسكرية، وسيخرجون علينا في حفلات التخرج بنسبة نجاح 100 بالمئة، وسط تصفيق حاد وصياح هستيري، كعادتهم".
وعن الحل بمواجهة ذلك القرار، يرى عادل، أنه "لن يكون الآن؛ فلا أحد يجرؤ من النقابات المعنية للوقوف أمام القرار وإلا فمصيره معروف إما بالسجن أو وضع ضابط على رأس النقابة، ولكن بالتأكيد عند انتهاء عصر الجيش في مصر ستُلغى كل هذه القرارات".
"تعميق للأزمة"
وفي رؤيته، قال الباحث المصري في الشؤون الأمنية، أحمد مولانا: "مشكلة القرار أنه غير واضح المعالم"، متسائلا: "طلبة الكلية الحربية مثلا لهم علوم يدرسونها، فكيف سيحصلون على بكالوريوس علوم سياسية بدون دراسة كافة مناهج العلوم السياسية".
مولانا، تابع تساؤلاته في حديثه لـ"عربي21"، قائلا: "وفي نفس الوقت صعب أنه يجمع بين المنهجين منهج علوم سياسية الذي يحتاج إلى 4 سنوات كيف ينهيه مع منهج الكلية الحربية الذي يجري في 3 سنوات".
وأكد أنه "بالتالي فإن مشكلة القرار أنه يمكن أن يعطي العسكريين الدرجات الأكاديمية بدون دراسة جادة أو حقيقية لصعوبة الجمع بين الأمرين"، معتقدا أنه "من غير المفهوم أن يحصل خريج الكلية الحربية والكلية البحرية على بكالوريوس العلوم السياسية بمجرد تخرجه ومن المفترض أن الأمر فيه تخصص".
ويرى الباحث المصري، أن "الأمر قد لا يكون تسييسا للقوات المسلحة بقدر ما هو عسكرة لدارسي هذه التخصصات، وتكريس لفكرة أن رجل الجيش هو رجل السياسة يدرس كليهما ويتحكم في المجالين، وهو ما يعمق الأزمة التي تحياها مصر حاليا".
"ثلاثة تفسيرات"
من جانبه، قال مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية الدكتور ممدوح المنير: "هذه القرارات التي ليس لها مثيل في تاريخ مصر أو الدول الحديثة على حد علمي ليس لها إلا 3 تفسيرات، وأعتقد أن السبب وراء هذه الامتيازات خليط من هذه الثلاثة".
التفسير الأول وفق حديث المنير لـ"عربي21"، أن "السيسي لم يعد قادرا على منح الامتيازات المالية الكافية للاحتفاظ بولاء ضباط الجيش له، فبدأ في هذه النوعية الشاذة من الامتيازات التي تخالف أساسيات العقل والمنطق، فضلا عن القانون والدستور".
وأضاف: "الدولة المصرية تعاني من انهيار بكافة المجالات، والفساد وصل أقصاه واستنزاف موارد الدولة وجيوب المواطنين وصل نهايته؛ فلجأ إلى هذه النوعية لتعويض العجز المالي الذي يشتري به الولاءات داخل المؤسسة العسكرية".
وفي تفسيره الثاني لقرار السيسي ذكر المنير، أن "السيسي يدرك أن الأوضاع الداخلية على شفا الانفجار بسبب الضغط الاقتصادي الحاصل والمتوقع زيادته بالفترة القادمة، لعوامل كثيرة داخلية وخارجية".
"ولا يوجد ظهير يعتمد عليه في حالة تفجر الأوضاع سوى الجيش؛ لذلك يحاول وضعهم في إطار من الامتيازات المبالغ فيها، بحيث يستقتلون من أجل الحفاظ عليها وهو ما يعني عمليا الحفاظ على السيسي في سدة الحكم".
وثالثا، يرى المنير، أن "السيسي في إطار استكمال عسكرة الدولة يحاول إزالة أي عوائق قد تعيق تحقيق ذلك عبر إعطاء ضباط الجيش واجهة مدنية تمكنهم من الوصول إلى مساحات كان من المستحيل عقلا الوصول إليها".
وتابع: "ربما نجد ضابطا للجيش يُعين كأستاذ بكلية الآداب أو غير ذلك، وهذا الاحتمال هو نفس الخيط الجامع من منح الامتيازات لاستمرار شراء الولاء والسيطرة".
وختم بالتأكيد على أن "هذه الخطوة ستزيد الاحتقان المجتمعي، وتزيد حالة الغليان، بعكس ما يريده السيسي، ولكنه الطغيان حين يتحرك مغمض العينين"، مشددا على أنه "حين تصل النظم الديمقراطية لمرحلة العبث هذه، فهذا يعني تاريخيا قرب زوالها".
القيادي بحزب "العمل الجديد" عادل الشريف، وفي تعليقه لـ"عربي21"، على القرار، لفت إلى أن "نظام السيسي قتل أفذاذ مصر وأطهارها، فكيف سنعارضه وهو يمنح درجات علمية مزورة لأفراد جيشه؟".
وأكد أنها "عصابة، وكل ما تفعله سرقة وإفساد وتدمير؛ ونحن وكل الأحرار لم نعترف بشرعيتهم وتحت أقدامنا كل جرائمهم، وسيدفع كل من استفاد من هذه السرقات الأثمان مضاعفة".