قضايا وآراء

هل تعيق الـ40 مليار دولار تعافي الاقتصاد الدولي؟

حازم عياد
1300x600
1300x600

مجلس النواب الأمريكي أقر الثلاثاء 10 أيار/ مايو الحالي مساعدة ضخمة لأوكرانيا بقيمة 40 مليار دولار؛ متجاوزا القيمة التي تقدم بها الرئيس الأمريكي بايدن والمقدرة بـ33 مليار دولار.

الوجبة الكبيرة من المساعدات جاءت بعد تحذيرات أطلقها الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن الأموال المخصصة لمساعدة كييف على مواجهة الهجوم الروسي ستنضب في غضون أيام؛ ليأتي الرد السخي بإقرار الكونغرس مساعدات مستعجلة لضمان استمرار عمل ماكينة الحرب في أوكرانيا بـ40 مليار دولار.
 
الرهان على الحرب

الحرب في أوكرانيا بعد هذه الوجبة الدسمة من المساعدات أبعد ما تكون عن نهاية محتملة تنهي حالة التدهور السياسي والأمني والاقتصادي في القارة الأوروبية والعالم؛ فوجبة المساعدات الجديدة تغلق باب التفاوض لتبقي باب المواجهة مفتوحا على عدد كبير من الاحتمالات إلى نهاية العام 2022؛ احتمالات يقابلها يقين بارتفاع أسعار الغذاء والطاقة.

المساعدات الأمريكية المخصصة لدعم المجهود الحربي من الضخامة بحيث تكفي للتمويل ماكينة الحرب لعامين أو أكثر ولكنها لن توقف الارتفاع في أسعار الطاقة والغذاء أو الفائدة والتضخم؛ وإذ ما أضيف لها ما تقدمه الدول الأوروبية منفردة أو عبر حلف الناتو؛ فالحرب والأزمة الاقتصادية العالمية ستتواصل لأمد بعيد يصعب تحديده في المدى المنظور.

 

حالة التذبذب في الأسواق العالمية سرعان ما ستتحول إلى تذبذب سياسي ينعكس على استقرار النظام الدولي لينتقل أثره إلى النظم السياسية في أرجاء مختلفة من العالم؛ تذبذب سيجد طريقه سريعا إلى المناطق والأقاليم الهشة والرخوة سياسيا وأمنيا.

 



روسيا من جهتها ورغم الآلم والاستنزاف تبدي رغبة قوية في التصعيد والمواجهة؛ فالاستسلام والتراجع عن الأهداف المعلنة لا يعتبر خيارا مقبولا في موسكو؛ ما عبر عنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في خطاب يوم النصر على النازية؛ بالقول: إن بلاده قادرة على تدمير أوروبا وحلف الناتو في نصف ساعة؛ في إشارة إلى قدرات بلاده النووية والمعززة بقدرات هائلة على إنتاج وتصدير وحجب الطاقة والغذاء.

رهان الغرب على استنزاف روسيا وإطالة أمد الحرب تقابله روسيا بالتلويج المستمر بالخيار النووي ومخاطر الانزلاق إلى حرب أوروبية إقليمية ومواجهة نووية شاملة؛ وترفقه بتحركات سياسية في أرجاء مختلفة من العالم لإحياء تحالفات قديمة تعود إلى الحقبة السوفييتية وأخرى ترتبط بخارطة الطاقة العالمية والغذاء.

التصعيد المتبادل وحالة العطب الذي تعاني منه المفاوضات الروسية الأوكرانية تنبئ بأن الحرب ستطول وسيمتد أثرها ويتعمق في الساحة الدولية سياسيا واقتصاديا؛ فالتوقعات والرهانات بانتعاش اقتصادي وتعافٍ قريب من آثار الحرب وحالة الانسداد الاقتصادي والسياسي والأمني في النظام الدولي نهاية هذا العام تبخرت وتلاشت بالإعلان عن وجبة كبيرة من المساعدات الأمريكية لدعم الحرب في أوكرانيا.

التداعيات الاقتصادية والأمنية

العالم بانتظار جولة جديدة من المواجهة يصعب تحديد اتجاهاتها ومساراتها الدولية وتحالفاتها الاستراتيجية والمؤقته؛ فالقوى الدولية المنخرطة في الصراع الأوكراني تعاني من اختلالات اقتصادية بنيوية وهيكلية تظهر آثارها في معدلات النمو المنخفضة ومعدلات التضخم والفائدة المرتفعة؛ إشكالية انتقلت آثارها إلى الأسواق المالية من أمريكا وأوروبا إلى آسيا وغفريقيا دون أفق لحل قريب؛ فالحلول تحولت إلى جهد عالي التذبذب وعنيف الأثر على  الأمن الغذائي وأمن الطاقة.

حالة التذبذب في الأسواق العالمية سرعان ما ستتحول إلى تذبذب سياسي ينعكس على استقرار النظام الدولي لينتقل أثره إلى النظم السياسية في أرجاء مختلفة من العالم؛ تذبذب سيجد طريقه سريعا إلى المناطق والأقاليم الهشة والرخوة سياسيا وأمنيا.

موازين القوة المضطرب في أنحاء مختلفة من العالم غير أنها تتجلي في المنطقة العربية وغرب آسيا في (إيران وتركيا وباكستان والسعودية) وشرق إفريقيا من مصر وانتهاءا بالصومال؛ متأثرة بثنائية الطاقة والغذاء والاختلالات المالية والنقدية المرافقة لجهود أمريكا وروسيا لتتعامل مع أزمة التمويل والنقد الدولي المتخلقة من العقوبات الأمريكية ومن الأزمات المتراكمة للسياسات النقدية الأمريكية . 

متغيرات أكثر من أن تحصى وتأثير تفاعلاتها أكبر من أن يتم تجاهله عالميا وإقليميا.

ختاما.. الحقائق على الأرض وفي أروقة صنع القرار في موسكو وواشنطن تؤكد بأن المواجهة ستطول ومن الممكن أن تمتد إلى ساحات ومساحات جديدة بتأثير من معادلة الفعل ورد الفعل؛ متغير بات ثابتا وصاعدا يستدعي من الدول العربية الاستعداد لعام طويل من الصراع والتذبذب الاقتصادي والأمني والسياسي العنيف في أسواق الطاقة والغذاء؛ كلف ستفوق بكثير الـ40 مليار التي قدمتها أمريكا لأوكرانيا لإطالة الحرب أشهر ست أو سنة أخرى.

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)