هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
فتح تراجع قوات الجيش اليمني في جبهة مدينة حرض الواقعة قرب الحدود مع السعودية، شمال غربي البلاد، بعدما فرض طوقا على المدينة وحصار مسلحي جماعة الحوثي فيها والتمدد شرقا، الباب واسعا أمام أسئلة عدة، حول أسباب هذا الإخفاق الميداني الذي مكن الحوثيين من استعادة ما خسروه، وإفشال السيطرة على المدينة الاستراتيجية.
ومطلع شباط/ فبراير الماضي، كانت قوات الجيش في المنطقة العسكرية الخامسة، قد أعلنت عن تطويق مدينة حرض التي تتبع محافظة حجة، شمال غرب اليمن، واستعادة السيطرة على معسكر "المحصام"، بالإضافة إلى التوغل نحو قلب المدينة التي تحصن فيها المئات من المقاتلين الحوثيين.
"أسباب الإخفاق"
وفي هذا السياق، كشف مصدر مطلع قريب من قيادات المنطقة العسكرية الخامسة، عن تفاصيل مهمة، كانت سببا في إخفاق القوات هناك في الحفاظ على المكاسب الميدانية التي حققوها في بداية العملية التي هدفت للسيطرة على مدينة حرض الاستراتيجية.
وقال المصدر لـ"عربي21" شريطة عدم الإفصاح عن اسمه، إنه بعد السيطرة على معسكر المحصام وجبال الهيجة، "شرق وجنوب شرق مدينة حرض"، إضافة إلى حصار قوات الحوثي داخلها، توسع مسرح العمليات بشكل أظهر عجز القوات الحكومية عن تغطية كل المساحات بشكل يضمن عدم الاختراق من قبل الحوثيين الذين بدأوا بشن هجمات مضادة من المناطق الأخرى.
وأضاف المصدر المطلع، أن مسرح العمليات أصبح بحاجة إلى التغطية من المحور الخلفي لجبهة حرض، أي من جهة المسلحين الحوثيين المحاصرين داخل المدينة، إضافة إلى التصدي للهجمات الحوثية القادمة من المحور الأمامي، التي خاضت فيها القوات الحكومية معارك ضارية على مدى أكثر من أسبوع تقريبا.
اقرأ أيضا: ما أهمية "حرض" المشتعلة بالمعارك بين الجيش اليمني والحوثي؟
وأشار إلى أن "تقدير القيادة لردة فعل الحوثيين على عملية الجيش في حرض، لم تكن متوقعة بالشكل الذي حدث، حيث استغل الحوثيون الحصار وحشدوا آلاف المقاتلين من مديريات محافظة حجة، لفك الحصار عن مقاتليه الذين يقبعون تحت حصار قوات سعودية وسودانية وأمريكية وإسرائيلية، وهكذا تم دغدغة عواطف الناس بهكذا عناوين".
وحسب المصدر فإن الحوثيين تمكنوا من تحشيد عسكري مهول، وصل إلى سحب مقاتلين تابعين للجماعة من جبهات مأرب وشبوة، شرق البلاد.
وذكر أن الحوثيين اعتمدوا على أسلوب الاستنزاف للقوات الحكومية، إذ نفذوا هجومات متكررة ومتواصلة لمدة ثلاثة أيام بشكل متواصل وبمئات من المقاتلين في كل هجمة، وعلى امتداد محاور القتال للمنطقة العسكرية الخامسة.
وإزاء ذلك، تعرضت قوات الجيش إلى الإنهاك، بفعل استمرار الهجمات الحوثية على امتداد جبهات القتال هناك، وفي ظل النقص البشري الكبير الذي تعاني منه المنطقة الخامسة، كما يقول المصدر.
وتابع: "فعلى مدى ثلاث سنوات، لم يتم إضافة أي جندي لقوامها، رغم حالة النقص الشديد في القوى البشرية".
وأوضح المصدر ذاته أن قوات الجيش قاومت كثيرا، أمام الزحوفات الحوثية المتواصلة وعلى مدى أيام، لكنها انسحبت بعد ذلك، بعد انهيار قدرتها على الصمود، رغم الخسائر البشرية الكبيرة التي لحقت بالحوثيين.
وقال: "فخلال ثلاثة أيام فقط من احتدام المعارك، خسر الحوثيون ما يزيد عن 600 مقاتل، وهو رقم تم التأكد منه من مصادر داخل الحوثيين".
ولفت إلى أنه كان مفاجئا، غياب الطيران الحربي للتحالف، خلال معارك الأيام الثلاثة الحاسمة بشكل شبه كلي، بين قوات الجيش ومسلحي جماعة الحوثي.
ونظرا للأهمية التي تكتسيها مدينة حرض، فإن العمليات الهجومية للحوثيين قادتها قيادات رفيعة كـ "أبو علي الحاكم" و"يوسف المداني"، و"محمد علي الحوثي"، الذين استنفروا وحشدوا المقاتلين من مختلف المناطق التي تسيطر عليها الجماعة، وفق ما ذكره المصدر.
اقرأ أيضا: الحوثيون يكسرون حصار الجيش اليمني لهم بمدينة حرض
ومن الأخطاء التي وقعت فيها قيادات الجيش بحسب المصدر المقرب من قيادة الجيش، "عدم ترك ممر لخروج المسلحين الحوثيين من داخل المدينة بعد فرض الحصار عليها، أو للهروب منها".
وأكمل قائلا: "فيما كان قرار اجتياح مدينة حرض بعد حصارها، قرارا غير موفق، نظرا للتحصينات الحوثية فيها، وحقول الألغام والعبوات المزروعة في مداخلها، إضافة إلى عناصر القناصة المنتشرين فيها، وهو ما أنهك القوات الحكومية التي أنهكت وهي تحاول اجتياح المدينة".
وقال: "ولو اكتفت القوات الحكومية بحصار مدينة حرض، ثم التوجه إلى تحرير الجبال حتى أطراف مديرية مستبأ المجاورة لها، ربما لتغيرت موازين المعركة لصالحها إلى تحرير مديريات أخرى".
وبين المصدر اليمني المطلع أن المعارك لا تزال مستمرة حتى اليوم، حيث يواصل الحوثيون هجماتهم على مواقع الجيش، في محاولة للسيطرة على مزيد من المناطق التي خسروها في السنوات الماضية.
وأردف: لقد تحولت المعارك التي كانت تدور في جبهات مدينة مأرب إلى مسرح عمليات المنطقة العسكرية الخامسة، ولولا تماسك قواتها، رغم شراسة القتال، لحقق الحوثيون مكاسب ميدانية كبيرة.
وحول حجم الخسائر في صفوف القوات الحكومية خلال المعارك مع الحوثيين، أكد أن 80 عسكريا قتلوا وأصيب 200 آخرون.
"نجاة قائد الجيش"
وأفاد المصدر بأن قائد المنطقة العسكرية الخامسة، لواء ركن، يحيى صلاح، نجا مرتين من الموت، وهو يشارك في المعارك من مسافة صفر ضد مسلحي الحوثي.
وأضاف أن 4 عسكريين من أفراد حراسة قائد الجيش في المنطقة، قتلوا بينهم قائد الحراسة، بالإضافة إلى 5 جرحى.
"استجابة لحظية"
من جانبه، يرى الخبير الاستراتيجي في الشؤون العسكرية والأمنية، علي الذهب أن عملية الجيش في حرض لم تكن معدة بالشكل الجيد وهي كانت استجابة لحظية.
وقال الذهب في حديث خاص لـ"عربي21": إن المعارك اندلعت هناك، فجأة عقب إعلان قوات العمالقة (المدعومة من الإمارات) توقف عملياتها جنوبي محافظة مأرب.
وبحسب الخبير اليمني فإنه يبدو أن إثارة مثل هذه المعارك في جبهة حرض، محاولة للتخفيف على ما قد تواجهه مدينة مأرب من ضغط حوثي بعد توقف عمليات العمالقة وإعادة تموضعها في شبوة بعدما أنهت تحرير مديريات الأخيرة.
في وقت كان الحوثيون يدفعون بالقوى والوسائل للمعركة إلى محافظة مأرب بدلا من الهجوم على قوات العمالقة، حسبما ذكره الخبير الذهب.
وأوضح أنه على ما يبدو أنه لم تكن هناك خطة استراتيجية محكمة ومسبقة تحدد الأهداف وتقدر النتائج وتحشد لها الإمكانيات، ولكنها كانت استجابة مضادة ولحظية.
وأشار الخبير اليمني الاستراتيجي إلى أن مدينة حرض، تشكل تهديدا خطيرا على السعودية، لأنها منطلق لصواريخ وطائرات غير مأهولة على المناطق المجاورة لها في الجنوب السعودي.
كما أرجع الذهب إخفاق قوات الجيش في السيطرة على مدينة حرض إلى أن الحوثيين تحصنوا في هذه المدينة، ولديهم شبكة من الخنادق ويصعب الاقتراب منها، في وقت يدركون أنها تمثل تهديدا للحدود السعودية ومنها تنطلق عمليات كثيرة.
فيما يعتقد المتحدث ذاته، أن استماتة الحوثيين على المدينة، يعود إلى أن معظم التشكيلات المسلحة والأفواج والجهاز الإداري والأمني التابعة للجماعة ينتمون إلى محافظتي صعدة وحجة المتجاورتين، في أقصى الشمال اليمني.
وقال إن معركة حرض، كانت محاولة لتحريك المياه الراكدة في مسرح عمليات جمدت فيها لأكثر من عامين إلى ثلاثة أعوام.
وتكتسي مدينة حرض التي تتبع إداريا محافظة حجة، شمال غرب اليمن، أهمية جيوسياسية وإقتصادية وعسكرية، حيث يربط بينها ومنطقة عسير السعودية منفذ بري، حولها إلى منطقة ذات نشاط تجاري واسع، بالإضافة إلى ارتباطها الجغرافي بمديريات من محافظات أخرى في البلاد.