هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسببت الحرب الروسية- الأوكرانية في هروب جماعي للمستثمرين الأجانب في أدوات الدين المصرية، وتبخر ملايين الدولارات من "الأموال الساخنة".
وقال مصرفيان مطلعان إن مصر شهدت خروج مئات الملايين من الدولارات من أسواق النقد الأجنبي منذ الغزو الروسي لأوكرانيا الأسبوع الماضي مع إقبال المستثمرين على الفرار من الأسواق الناشئة إلى استثمارات أكثر أمانا، وفقا لرويترز.
وحتى قبل نشوب الأزمة فقد عمدت مصر إلى الحفاظ على الإقبال على أذون الخزانة لسد عجز في حساب المعاملات الجارية والميزانية ودرء الضغوط التي تدفع عملتها للهبوط قبل قرار مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) المحتمل برفع الفائدة ابتداء من الشهر الجاري.
وقال المصرفيان اللذان طلبا عدم الإشارة إليهما بالاسم إن موجة بيع متوسطة لأوراق الدين المصرية بدأت يوم الخميس واكتسبت زخما عندما بدأ التعامل في الأسواق الأوروبية يوم الاثنين.
وقال أحدهما إن بضع مئات من ملايين الدولارات خرجت من السوق الثانوية يوم الاثنين وإن العائد على الأوراق المقومة بالجنيه المصري قفز بنسب تتراوح بين 30 و40 في المئة في المتوسط.
وقدر المصرفي الثاني أن المستثمرين الأجانب سحبوا ثلاثة مليارات دولار من مصر منذ يوم الخميس وذلك بناء على تقدير العوائد الأعلى وزيادة النشاط في سوق العملة ما بين البنوك والمعلومات المستقاة من بنوك أخرى.
وقال الاثنان إنه بعد هذه الموجة الأولية فقد هدأت السوق نسبيا يومي الثلاثاء والأربعاء.
ولم يرد البنك المركزي المصري على الفور على طلب للتعليق على خروج الدولارات من البلاد.
"مخاطر محتملة"
كان محمد الإتربي، رئيس مجلس إدارة اتحاد البنوك، ورئيس بنك مصر، قال، قبل إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية بأسبوع، إن المؤسسات الأجنبية ضخوا أكثر من 1.5 مليار دولار في شهر كانون الثاني/يناير الماضي فقط في أذون الخزانة، بما يدل على ثقتهم الكبيرة في الجنيه والاقتصاد المصري.
ويأتي ذلك بعد خروج استثمارات أجنبية في أذون الخزانة بنحو 3.6 مليار دولار خلال الربع الأخير من 2021، وذلك بعد تسجيلها أعلى مستوى لها منذ بدء جائحة فيروس كورونا بنهاية أيلول/سبتمبر الماضي عند 24 مليار دولار.
وقال محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت بشركة الأهلي للاستثمارات المالية، وفقا لموقع "مصراوي"، إنه يوجد بالفعل تخارج طفيف لاستثمارات الأجانب في الأوراق المالية من الأسواق الناشئة تزامنا مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية دون انتظارهم لقرار الفيدرالي الأمريكي.
وأضاف أنه رغم عدم تخطي دائرة الحرب بين روسيا وأوكرانيا سوى الدولتين فقط، فلا يزال هناك مخاوف من وجود مخاطر محتملة على باقي الأسواق الناشئة، وينبع ذلك من نظرة المستثمرين الأجانب للدول الناشئة كوعاء واحد وخاصة أن هذه الأزمة تعدت إلى حدوث حرب بين دولتين من هذه الاقتصادات الناشئة، وليست مجرد أزمة اقتصادية عابرة في إحدى الدولة.
وأشار نجلة إلى أن المستثمرين الأجانب كانوا ينتظرون اللحظة المناسبة لبدء التخارج من أدوات الدين بالأسواق الناشئة مع قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة، ولكن الحرب الروسية الأوكرانية تعجل من خروجهم بسبب ارتفاع المخاطر في الدول الناشئة.
وأكد أنه رغم اعتبار مصر من الأسواق الناشئة فإنها ستكون أٌقل تضررا من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية نتيجة معدلات النمو المحققة، وقدرة البنك المركزي في إدارة الملف الاقتصادي باحترافية شديدة وهو ما سيجنبها أزمات عديدة.
وأشار نجلة إلى أن انتهاء مصر من تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي ثم القرارات الجيدة لمواجهة تداعيات فيروس كورونا ساهم في تجيبها أزمات عديدة بسبب الأوضاع الملتهبة على مستوى العالم.
ويشعر مستثمرون كثيرون بالقلق من أن تكون الأسواق الناشئة أكثر عرضة للتأثر بأي صدمات ناجمة عن اضطراب التجارة مع روسيا بما في ذلك الزيادة الناجمة في أسعار بعض السلع الأولية.
ومما يفاقم مشاكل مصر الاقتصادية بالفعل خطر تسبب الأزمة الأوكرانية في رفع أسعار القمح المستورد.
وكانت روسيا وأوكرانيا تمثلان مصدر حوالي 80 في المئة من واردات مصر من القمح في 2021. وقد ألغت الهيئة العامة للسلع التموينية، التي تتولى شراء القمح للدولة، يوم الاثنين مناقصة دولية ثانية لشراء القمح بعد أن رفعت الأزمة الأسعار.
أذون بعشرين مليار دولار
منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020 أبقى البنك المركزي أسعار الفائدة لأجل ليلة دون تغيير واستقرت العملة المصرية فعليا على حوالي 15.70 جنيه مقابل الدولار مما ساعد في الحفاظ على صورتها القوية التي عززها استمرار نمو الاقتصاد خلال جائحة كوفيد-19.
ووفقا لبيانات البنك المركزي كان المستثمرون الأجانب يملكون أذون خزانة لآجال تصل إلى عام قيمتها 321.8 مليار جنيه (20.55 مليار دولار) حتى نهاية كانون الأول/ديسمبر بالإضافة إلى مبلغ لم يتم الكشف عنه بآجال أطول.
وقالت إيفون مانجو الاقتصادية في رينيسانس كابيتال للصحفيين في مؤتمر عبر الإنترنت "هذه التدفقات من مستثمري المحافظ كانت تدخل سوق العملة المحلية وهذا موّل العجز في ميزان المعاملات الجارية".
وتظهر بيانات رسمية أن عجز المعاملات الجارية ارتفع إلى أربعة مليارات دولار في الشهور الثلاثة من تموز/يوليو إلى أيلول/سبتمبر من 2.8 مليار دولار قبل عام بسبب كلفة الواردات المتزايدة.
وأضافت مانغو في تعليقات أدلت بها قبل الغزو الروسي لأوكرانيا "لذا فإن إمكانكم أن تتخيلوا أن أحد المخاطر أو مصادر القلق هو ما يحدث عندما تتباطأ هذه التدفقات فعليا".
ضغوط على الجنيه
يقول مصرفيون ومحللون إن انخفاضا حادا في صافي الأصول الأجنبية في النظام المصرفي المصري يظهر مدى تزايد الضغط على سعر الصرف.
وتوضح بيانات البنك المركزي أن صافي الأصول الأجنبية انخفض إلى 11.8 مليار جنيه في كانون الثاني/يناير من 186.3 مليار في نهاية أيلول/سبتمبر ليسجل أدنى مستوى له منذ نيسان/أبريل 2017.
ويقول المصرفيون إن من العلامات الأخرى على الضغوط زيادة حادة في مزادات البنك المركزي للودائع قصيرة الأجل للبنوك المحلية من خلال عمليات السوق المفتوحة. وتظهر بيانات البنك المركزي أن حجمها ارتفع 360 مليار جنيه مصري (23 مليار دولار) منذ أوائل تشرين الأول/ أكتوبر إلى 985.35 مليار جنيه منذ أول آذار/مارس.
ويقول كثير من المصرفيين إن هذه العمليات تهدف في جانب منها إلى امتصاص السيولة في السوق للحد من التضخم لكنها تعمل أيضا على تثبيط همم البنوك المحلية عن دفع المستثمرين الأجانب وما يجلبونه من نقد أجنبي للخروج من سوق أذون الخزانة.
ويضيف المصرفيون أن أي زيادة في أسعار الفائدة الأمريكية سيتم على الأرجح امتصاصها في أسواق أذون الخزانة المحلية وعمليات السوق المفتوحة.
ومن المحتمل أن تعمل كلفة أسعار الفائدة الأعلى التي تواجهها الحكومة على زيادة الضغط على العملة كما أنها تجازف أيضا بالضغط على العجز في الميزانية التي تنفق الحكومة أكثر من 36 في المئة منها بالفعل على خدمة الدين الحكومي.
وتنبأت مانغو، الاقتصادية في رينيسانس كابيتال، بأن العملة المحلية ستنخفض إلى 16.2 جنيه مقابل الدولار بنهاية حزيران/يونيو.
وقالت عن البنك المركزي: "أعتقد أنه يحاول التحرك صوب تخفيض قيمة العملة باعتدال بدلا من الحفاظ عليها في ما يشبه سعر الربط الثابت كما شهدنا".
وأضافت: "لا أعتقد أنهم سيواصلون محاولة إلقاء كل شيء على الجنيه المصري سعيا لتثبيته".
السياحة تواجه مشكلة جديدة
في كانون الأول/ ديسمبر قال طارق عامر محافظ البنك المركزي إن السلطات النقدية شعرت خلال الجائحة بأن خفض سعر الصرف لن يعيد السياح إلى البلاد أو يدعم الصادرات الأمر الذي دفعها للتدخل باحتياطيات كبيرة.
ورغم أن تعاملات المراجحة في الأوراق المالية كانت محمية فقد عملت الحكومة على زيادة ديونها في إطار سعيها لتغطية فقدان دخل السياحة منذ تفجر الجائحة قبل عامين.
غير أن الأزمة الأوكرانية تهدد الآن بتوجيه لطمة أخرى لأعداد السائحين.
وقال إلهامي الزيات رئيس شركة إمكو للسياحة إن الروس يمثلون نحو عشرة في المئة من السائحين الوافدين إلى مصر في حين يمثل السياح الأوكرانيون حوالي ثلاثة في المئة رغم عدم وجود إحصاءات رسمية تذكر.