قضايا وآراء

روسيا- أوكرانيا: أسواق العالم وبورصاته تحت الرصاص

محمد موسى
1300x600
1300x600
لا تمضي دقيقة واحدة إلا والناس على مدى المعمورة ينتظرون الأخبار العاجلة من الفضاء الواسع للأزمة المستفحلة بين روسيا وأوكرانيا في الشكل؛ وبين اللاعبين الكبار في المضمون (الولايات المتحدة الأمريكية والناتو) في مواجهة روسيا الجديدة ذات النزعة البوتينية (نسبة للرئيس فلاديمير بوتين).

أصبح الأوروبيون ومن خلفهم الأمريكان يدركون أن الدب الروسي يسعى في الشروع في سياسة جديدة عنوانها القضم الدبلوماسي تحت وطأة الثروات الأحفورية، وتحديدا الغاز؛ إنها دبلوماسية الابتزاز والتي على ما يبدو ما زالت تنجح حتى الساعة في بلورة صورة جديدة لموسكو القيصرية الهيبة السوفييتية الفاعلية العسكرية، ولكنها اليوم بوتينية النزعة الطاقوية الأحفورية.

إن الطاقة عصب الحياة في أوروبا، ومع علمنا بأن هناك بدائل للغاز الروسي ولكن هل الواقع الحالي يستطيع تحجيم دور روسيا الآخذ في التمدد في ملفات الغاز الشائكة منذ أيام استعادة القرم بالمعنى السياسي الروسي، وصولا إلى دور الشريك الفعلي والأساسي في "أوبك بلس"، وحكما أحد المقررين بملفات غاز المتوسط القادم من اليونان إلى تركيا فسوريا ولبنان.

ينظم الرئيس الروسي علاقته بالأزمة الأوكرانية على قاعدة "الملتحف بالأمريكان ينام وهو عريان"، وعليه يمضي بالخطوات التصعيدية واحدة تلو الأخرى. ولكن من الواضح أن الأشد خطورة على العالم كله انعكاسات الأزمة في قادم الأيام على أسعار المواد الأولية في العالم وعلى موارد الطاقة والإمدادات لمختلف السلع في دنيا غدت قرية كونية.

وفي هذا الإطار، حذر بنك "جي بي مورغان" من أن أي تعطيل لتدفقات النفط الروسي سيؤدي إلى زيادة سعر النفط "بسهولة" إلى 120 دولارا للبرميل وتاليا كل المشتقات النفطية والنقل والإمدادات في العالم. والأكثر إيلاما هو مجموعة عوامل مساعدة قد تدفع برميل النفط إلى أعلى من ذلك، حيث ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية يرتبط أيضا بزيادة الطلب من جانب الاقتصادات العالمية تزامنا مع الرفع التدريجي للقيود بشأن مواجهة كورونا، وعودة النشاط الاقتصادي العالمي للدوران من جديد، مضافة إليها سياسة إصرار منظمة أوبك وحلفائها على عدم زيادة الإنتاج في هذه المرحلة وقصور الاستثمارات بفعل استعادة كل القطاعات عافيتها، وبالتالي الإبطاء في تمويل المشاريع النفطية سيؤدي بدوره إلى ارتفاع الأسعار إلى مستويات غير محمودة للدول المستوردة للنفط.

أما أسواق الغاز فببساطة يكفي أن نذكر بما قالته مفوضة الطاقة بالاتحاد الأوروبي كادري سيمسون من أن الاتحاد يدرس إمكانية إلزام الدول الأعضاء بملء خزاناتها من الغاز الطبيعي إلى مستويات معينة، لتحقيق أمن الطاقة وسط المخاوف الراهنة وتبلغ مخزونات الغاز الأوروبية حاليا 32 في المائة من الطاقة الاستيعابية مقارنة مع حوالي 40 في المائة بالعام المنصرم.

وعليه ستطير أسعار الغاز إلى حدود قصوى ويكفي أن نسترشد بما قاله نائب رئيس مجلس الأمن الروسي، ديمتري ميدفيديف، ردا على إعلان ألمانيا الثلاثاء أنها ستوقف التصديق على خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، محذرا من ارتفاع حاد في أسعار الغاز الطبيعي لأوروبا.

وغرد ميدفيديف، في حسابه عبر تويتر: "أصدر المستشار الألماني أولاف شولتز أمراً بوقف عملية التصديق على خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2. حسناً. مرحباً بكم في العالم الجديد الشجاع حيث سيدفع الأوروبيون قريباً ألفي يورو مقابل ألف متر مكعب من الغاز الطبيعي". وعلى ما يبدو سيصدق ميدفيديف!!

أما أسعار المواد الأولية والمعدات فستقفز بطريقة دراماتيكية إلى نسب قد تفوق 10 في المائة في أوائل أيام الحملة البوتينية على أوكرانيا، وربما تصعد الأسعار أكثر مع استمرار الأزمة بلا حلول. وللتأكيد، ففي القفزة الأولى ارتفعت أسعار الذهب بأكثر من 2 في المائة إلى أعلى مستوى منذ أكثر من عام، إذ أقبل المستثمرون على الملاذات الآمنة عند بدء دخول القوات الروسية لأوكرانيا في أعقاب أوامر من الرئيس فلاديمير بوتين بتنفيذ ما وصفها بأنها عملية عسكرية خاصة.

إن الأسواق العالمية برمتها تحت سيطرة أزيز الرصاص والبارود ورائحته المنبعثة من الأزمة الأوكرانية، والتي ستضيف إلى أزمات الاقتصاد العالمي مزيدا من التعقيدات بالمعنى الاقتصادي، حيث لا زال العالم لم يبتلع مآسي كوفيد- 19 وما تركته من ندوب على اقتصاديات الدول، وصولا إلى التضخم الذي يضرب الاقتصاد العالمي بلا هوادة ليأتي دور الحرب الروسية الأوكرانية في لعبة صراع الكبار، حيث المخاطر على المواد الأولية والبترول والغاز وسائر الأسواق المرتبطة من سندات ومعادن. وعليه السؤال الكبير اليوم: هل العالم بحاجة لصراعات جديدة لخلق التوازنات الجديدة في السياسة والأمن والاقتصاد؟! هل يمتلك الاقتصاد العالمي القدرة على مواجهة حروب متمددة وعقوبات ستأتي على دول كبرى وكيانات بحجم غاز بروم على سبيل المثال؟!

على ما يبدو الأسلم للجميع الجلوس على طاولة التنازلات المتبادلة قبل أن تقع طامة كبرى قد تكون أكبر مما يتصور اللاعبون في الأزمة نفسها.
التعليقات (0)