هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "إنترسبت" الأمريكي، مقالا تناول تزايد أسعار النفط عالميا، معتبرا أن هناك "تواطؤا سعوديا روسيا وراءه"، وكذلك أدى إلى "تفاقم أزمة أوكرانيا".
وكتب كين كليبيستين، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أن أسعار النفط والغاز وصلت إلى مستويات عالية، إثر الأزمة، ولكنه قال إنه "لم يلتفت أحد إلى الأسباب الأخرى التي أدت إلى هذا الارتفاع الحاد، مثل شراكة موسكو والرياض".
ولفت إلى أنه "بسبب شجار بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس بايدن، اندفعت أسعار الغاز إلى أعلى، ولكن المشكلة بدأت في عهد أوباما".
وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21":
بينما كانت روسيا تأمر قواتها بالتوغل داخل أوكرانيا يوم الاثنين، ارتفعت أسعار الغاز إلى أعلى مستوياتها منذ سبع سنين. وبينما صبت وسائل الإعلام اهتمامها على النزاع في أوكرانيا، لم يلتفت أحد إلى سبب رئيسي آخر من وراء هذا الارتفاع الحاد في أسعار الغاز، ألا وهو شراكة موسكو مع السعودية، التي تعززت بشكل دراماتيكي خلال السنين الأخيرة.
منح هذا الأمر أكبر منتجين اثنين للنفط في العالم قدرة غير مسبوقة على التواطؤ فيما بينهما، على اتخاذ ما يناسبهما من قرارات تتعلق بتصدير النفط.
في هذه الأثناء، فترت علاقة السعودية بالولايات المتحدة كما ثبت في وقت مبكر من هذا الشهر، حينما ناشد الرئيس جو بايدن السعوديين زيادة إنتاج النفط –وهي الخطوة التي كان من شأنها ليس فقط المساعدة في تخفيف أعباء التضخم ولجم الارتفاع في أسعار الغاز، بل وكذلك تخفيض الأرباح الفاحشة التي تجنيها روسيا، بينما تقوم باعتدائها على أوكرانيا. إلا أن الملك السعودي لم يستجب".
ازدهرت العلاقة السعودية الروسية في عهد الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الذي كان أول لقاء رسمي له بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صيف عام 2005. وكان محمد بن سلمان قد سعى لعقد ذلك اللقاء، بعد أن رفض الرئيس باراك أوباما حينذاك استقباله، كما علمت ذي "إنترسبت" من مصدرين مطلعين على الموضوع، وكلاهما منح حق عدم الكشف عن هويتهما بالنظر إلى حساسية القضية التي يتكلمان فيها.
اقرأ أيضا: إنترسبت: الديمقراطيون يتهمون الرياض باستخدام النفط سلاحا
والآن، وإذ يرفض بايدن الالتقاء بمحمد بن سلمان بسبب دوره في جريمة القتل البشعة للصحفي جمال خاشقجي، قد يجد ولي العهد تارة أخرى صديقا له في موسكو التي تجني الأرباح الجمة بسبب رفض محمد بن سلمان زيادة إنتاج النفط.
ثمة مؤشرات على امتعاض محمد بن سلمان من رفض بايدن اللقاء به، وتتسرب مثل هذه المؤشرات من حين لآخر إلى العلن، كما حدث في العام الماضي عندما ألغى ولي العهد لقاء مع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن فقط قبل يوم واحد من الموعد المقرر له.
واختار بدلا من ذلك الالتقاء بأحد كبار المشرعين الروس الذي يخضع لعقوبات فرضتها الولايات المتحدة بسبب دوره في غزو روسيا عام 2014 لشبه جزيرة القرم. (ألغى محمد بن سلمان زيارة أوستن بحجة أنه كان "ينتظر مكالمة من الرئيس قبل الرد على الالتماسات التي تقدمت بها الإدارة"، وذلك بحسب ما صرح به مسؤولون نقل ذلك عنهم زميل مجلس العلاقات الخارجية مارتين إنديك في تصريح لمجلة فورين أفيرز.)
وفي رسالة إلكترونية تلقتها صحيفة ذي إنترسبت، قال بروس ريدل، زميل البحث الكبير في معهد بروكينغز والمحلل السابق لدى وكالة المخابرات الأمريكية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط: "يشترك بوتين ومحمد بن سلمان في الكثير، بما في ذلك قتل من ينتقدهما سواء داخل البلاد أو خارجها، والتدخل في دول الجوار بالقوة والسعي إلى رفع أسعار النفط إلى أعلى مستوى ممكن. وبغزوه أوكرانيا، سوف يقدم بوتين خدمة كبيرة لمحمد بن سلمان، وسيدفع بأسعار النفط إلى السقف".
عندما كان وليا لولي العهد في عام 2015، نقل محمد بن سلمان إلى المسؤولين الأمريكيين في الرياض رسالة، مفادها أن صبره نفد من عدم تمكنه تأمين لقاء مع أوباما، وذلك طبقا لما يقوله المصدران.
وذلك أن لقاء معلنا مع الرئيس الأمريكي كان سيشكل إنجازا مهما واختراقا في العلاقات العامة لمحمد بن سلمان، وهو الذي كان حينها ما يزال دون ابن عمه ولي العهد محمد بن نايف، الذي كان يتمتع بعلاقات دافئة مع إدارة أوباما.
حينما تبددت آماله في ضمان ذلك اللقاء، قرر محمد بن سلمان الاجتماع بالرئيس بوتين على هوامش منتدى بطرسبرغ الاقتصادي الدولي التاسع عشر، الذي انعقد في شهر حزيران/ يونيو من عام 2015.
وطبقا لأحد المصادر، وهو شخص لديه ارتباطات واسعة مع مسؤولي أجهزة المخابرات في الشرق الأوسط، تعمد محمد بن سلمان القيام بتلك الرحلة لكي يغيظ أوباما بسبب تجاهله له ورفضه الاجتماع به. (لم تستجب السفارة السعودية في واشنطن لطلب التعليق على ذلك.)
وطبقا لتقرير نشره الكرملين حول ذلك اللقاء، فقد قال حينها محمد بن سلمان: "نعتبر روسيا دولة مهمة في العالم الحديث، ولذلك سوف نعمل على تطوير العلاقات الثنائية في المجالات كافة".
وفي الشهر التالي، في تموز/ يوليو 2015، وبّخ مدير وكالة المخابرات الأمريكية آنذاك، جون برينان، محمد بن سلمان بسبب اتصالاته الأخيرة مع بوتين، وذلك بحسب ما ورد في حيثيات القضية القانونية التي رفعها سعد الجبري، المسؤول الكبير السابق في المخابرات السعودية. وتزعم القضية أن الأمر وصل بمحمد بن سلمان إلى أن يشجع بوتين على التدخل في الحرب الأهلية السورية. منذ التدخل الروسي في الصراع الدموي الذي تدور رحاه في البلاد، قتلت القوات الروسية الآلاف من المدنيين السوريين.
وفي أيلول/سبتمبر من عام 2016، وقعت السعودية اتفاقا مع روسيا للتعاون في أسواق النفط العالمية، ولمحت حينها إلى أنها قد تحد من إنتاج النفط في وقت ما في المستقبل. كان ذلك بمنزلة نصر اقتصادي كبير لروسيا، التي لم تتح لها الفرصة من قبل للانضمام إلى منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبيك)، ولكنها ستصبح من الآن فصاعدا عضوا في مجموعة "أوبيك+" –والزائد هنا يشير إلى روسيا– مما يمكن حكومة بوتين من تنسيق قرارات إنتاج النفط مع غيرها من الدول الأعضاء في المجموعة.
وبحلول عام 2018 غدا تحذير السعودية من أنها قد تحد من إنتاج النفط في المستقبل أمرا واقعا. أسخط ذلك حينها الرئيس دونالد ترامب، الذي كان يواجه انتخابات نصفية في أجواء من ارتفاع أسعار النفط، تماما كما هو الوضع بالنسبة لبايدن اليوم. ولكن على النقيض من بايدن، كانت علاقات ترامب بالسعوديين دافئة بشكل غير مألوف، حتى إنه انقلب على تقليد رئاسي أمريكي ما لبث قائما منذ وقت طويل، حين اختار الرياض لتكون أول مكان يتوجه إليه في زيارة رسمية، وأغدق المدائح على ولي العهد الشاب، وأعطى الإذن بالمضي قدما في أضخم مبيعات أسلحة للسعودية في تاريخ الولايات المتحدة، واستخدم حق النقض لقطع الطريق على سن تشريع كانت الغاية منه حظر مبيعات الأسلحة إليها، ودافع عن محمد بن سلمان ودرأ عنه الاتهامات – بما في ذلك تلك التي وجهها إليه مدير وكالة المخابرات الأمريكية – بالضلوع في جريمة قتل خاشقجي.
ثم استجاب محمد بن سلمان لطلب ترامب ورفع إنتاج النفط بشكل حاد مما نجم عنه انهيار أسعار النفط إلى ما دون ستين دولارا للبرميل. (أما اليوم، فقد وصل سعر برميل النفط إلى ما يقرب من مائة دولار). ثم في موسم انتخابات 2020، وفي خضم تراجع الطلب على النفط بسبب جائحة كورونا، طالب ترامب السعوديين بتخفيض الإنتاج لحماية قطاع الزيت الصخري في الولايات المتحدة، وهو القطاع الذي كان حينها يواجه صعوبات بالغة. وتارة أخرى استجاب محمد بن سلمان لما طُلب منه.
في المقابل، لم تستجب السعودية لمطالب بايدن المتكررة من أجل زيادة إنتاج النفط. وفي وقت مبكر من هذا الشهر، ناقش بايدن "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية" في مكالمة هاتفية مع الملك سلمان، عاهل السعودية ووالد محمد بن سلمان، وذلك بحسب ما ورد في تقرير عن المحادثة الهاتفية نشره البيت الأبيض. ولكن واحدة من التفاصيل الأساسية التي لم ترد في تقرير البيت الأبيض، تفيد بأن الملك سلمان "أكد دور الاتفاق التاريخي لمجموعة أوبك+.. وعلى أهمية الإبقاء على الاتفاق"، مشيرا إلى ما تم التوافق عليه مع روسيا من أجل تنسيق القرارات المتعلقة بإنتاج النفط.
وفي الأسبوع الماضي، أرسل البيت الأبيض منسقه لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغيرك، إلى الرياض من أجل "مناقشة المقاربة التعاونية لإدارة ضغوط السوق المحتملة التي قد تنجم عن الغزو الروسي لأوكرانيا"، وذلك بحسب تقرير حول الرحلة نشره مجلس الأمن القومي. لم تصدر حكومة السعودية تقريرا مماثلا حول زيارة ماكغيرك، وعن ذلك يقول الدكتور إلين والد، الزميل غير المقيم في المجلس الأطلنطي: "لربما لم تعتبر الحكومة السعودية تلك الزيارة مهمة على الإطلاق، وهو أمر بالغ الدلالة بحد ذاته".
وتقول تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي: "بينما تعامل إدارة بايدن السعودية كشريك، يبدو أن الرياض أكثر حرصا على إبقاء بوتين أسعد حالا من بايدن".
عادة ما يزعم الذين يعارضون اتخاذ إجراءات لمساءلة السعودية ومحاسبتها بأن مثل تلك الإجراءات، من شأنها أن تدفع بالمملكة نحو الارتماء في أحضان منافسي الولايات المتحدة. ولا أدل على ذلك من أنه عندما كان الكونغرس يناقش فرض عقوبات على السعودية، أصدر مساعد سابق لمحمد بن سلمان هو تركي الدخيل تحذيرا فجّا عبر قناة العربية المملوكة للسعودية. قال الدخيل في تحذيره؛ "إن قيام الغرب بفرض أي عقوبات على السعودية سوف يدفع المملكة إلى اللجوء إلى خيارات أخرى. روسيا والصين على استعداد لتوفير احتياجات الرياض العسكرية... ولسوف تتضمن تداعيات فرض تلك العقوبات إقامة قاعدة عسكرية روسية في تبوك، شمال غربي السعودية".
من الواضح أن السعودية باتت في الركن الروسي من الناحية الاقتصادية، ولكن أي محاولة من قبل الرياض للترحيب بوجود عسكري روسي سيكون بالغ التعقيد، وسيكبد السعودية تكاليف باهظة كما يقول الخبراء.
في رسالة إلكترونية تلقتها صحيفة ذي إنترسبت، يقول دوغلاس لندن، كبير ضباط العمليات المتقاعد في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ومؤلف كتاب "المجنِّد: التجسس وخسارة الفن الاستخباراتي الأمريكي": "في الواقع العملي سيكون تحول السعودية عن عقود من الاعتماد على الأسلحة والتكنولوجيا المصنعة في أمريكا، أمرا مكلفا جدا وصعبا للغاية ومضيعة للوقت".
وقال لندن، الذي خدم لفترات طويلة في الشرق الأوسط طوال عمله في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية على مدى أربعة وثلاثين عاما؛ إن مزج الأسلحة والتكنولوجيا الروسية والصينية مع المعدات الأمريكية سوف يسبب مشاكل تشغيلية كبيرة أيضا. وأضاف: "وما مغازلة المملكة لخصوم أمريكا، إلا من باب تصنع امتلاك درجة أكبر من الاستقلال في القضايا الأمنية وتوجيه رسالة بهذا الشأن".
لا تحظى السعودية بإمكانيات عسكرية متقدمة خاصة بها، بل تعتمد بكثافة على الولايات المتحدة ليس فقط فيما يتعلق بالمعدات العسكرية وإنما أيضا بالصيانة، بينما يتيح ذلك لواشنطن قدرة كبيرة على معاملة المملكة كدولة منبوذة، مثلما تعهد بذلك المرشح الرئاسي بايدن، إلا أن إدارته لم تفعل الكثير من أجل محاسبة السعودية على انتهاكاتها الكثيرة لحقوق الإنسان، بدءاً من قتل خاشقجي وانتهاء بقصف اليمن وقتل ما لا يحصى عدده من المدنيين فيها.
واليوم على سبيل المثال، أعلنت إدارة بايدن فرض عقوبات جديدة ضد ممولي جماعة الحوثي، وهو إجراء حذر المدافعون عن حقوق الإنسان من أنه سيفضي إلى مفاقمة الأزمة الإنسانية؛ لأنه سوف يعيق الاستيرادات المدنية. في تصريح لصحيفة ذي إنترسبت، قالت سارة ويتسون، المدير التنفيذي لمنظمة "الديمقراطية من أجل العالم العربي الآن": "يكفيك أن تعرف عن مدى التزام إدارة بايدن بحقوق الإنسان أنها عادت وفرضت عقوبات، كانت هي نفسها قبل بضعة شهور قد نددت بها باعتبارها غير إنسانية وغير فعالة".