أجرت الحكومة
العراقية مراجعة شاملة لبنود "اتفاقية الجزائر" الموقعة بين العراق
وإيران عام 1975، والتي كانت أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع حرب الثماني سنوات بين
البلدين في الثمانينيات، حيث اعتبرتها بغداد منذ ذلك الحين ملغاة.
وأفاد بيان
حكومي، الخميس الماضي، بأن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي أقام ورشة عمل تحت عنوان
"اتفاقية الجزائر عام 1975 بين الإلغاء والتنفيذ"، بحضور مسؤولين من
وزارات الداخلية والدفاع والنقل والموارد المائية والموانئ العراقية، فضلا عن عدد
من الأساتذة الجامعيين المختصين بالقانون والدراسات الاستراتيجية.
الورشة التي
تعد الأولى من نوعها، تضمنت مراجعة قانونية وسياسية شاملة لاتفاقية الجزائر عام
1975 وفقا لمصالح الأمن القومي العراقي، حيث جرى استعراض الموقف القانوني من
الاتفاقية، والتطرق إلى المشكلات المتعلقة بالأنهار المشتركة بين العراق وإيران،
فضلا عن مناقشة أوضاع ترسيم الحدود البرية والبحرية والمخافر الحدودية البرية.
تكبيل للعراق
وبخصوص مدى
إحياء "اتفاقية الجزائر" التي تتمسك بها
إيران وتجعلها شرطا لبحث أزمة
المياه بالعراق، قال العضو السابق في لجنة العلاقات الخارجية البرلمانية العراقية،
ظافر العاني، في حديث لـ"عربي21" إنه "لا يزال هناك انقسام سياسي
حول: هل نعيد إحياء اتفاقية الجزائر أم نعمل على إلغائها وإبرام اتفاقية جديدة
مكانها؟".
ورأى العاني
أن "موازين القوى بين العراق وإيران اليوم ليست لصالح العراق، بالتالي
فإن مناقشة مواضيع استراتيجية دون أن يكون العراق واقفا على قدميه ولديه قدر واضح من
السيادة واستقلالية في القرار، فإن اتفاقيات مثل هذا النوع تكون في الغالب للطرف
الأقوى".
وأشار
البرلماني السابق إلى أنه "قبل الدخول في المفاوضات فيجب أن تكون لدينا رؤية
واضحة حول طبيعة العلاقة بين البلدين، الأمر الآخر فإن تكبيل العراق باتفاقية استراتيجية مثل هذه على وعد إيراني مثل فتح الأنهر، لا يبعث على الاطمئنان".
وأوضح العاني
أن "البعض من الأنهر النابعة من الأراضي الإيرانية وتصب في العراق، غيرت
طهران مجاريها، لذلك فإنه من الصعب الاطمئنان إلى الوعود وأنت تدخل حيزا استراتيجيا
مع دولة".
وشدد السياسي
العراقي على أنه "من غير المناسب ربط شيء بشيء آخر، خصوصا أن أمر الأنهر ليس
بيد العراق، وإنما بيد إيران وتستطيع فعل أي شيء في أي لحظة كما تفعل اليوم".
وبرأي العاني،
فإنه "من غير ترصين الوضع السياسي في العراق، فإن الحديث عن أوراق ضغط على
إيران أراه أمرا بعيدا وغير واقعي، فما نحتاجه اليوم هو ترصين البناء السياسي العراقي،
وتحقيق قدر واضح من الاستقرار، واستقلالية القرار العراقي، وتأكيد دعامات السيادة
الوطنية".
وخلص
البرلماني السابق إلى أنه "عندما يستطيع العراق أن يكون ندا لدول الجوار
فإنه عندها يمكن أن يدخل في اتفاقيات طويلة الأمد، أما غير ذلك فإنه سيكون تفريط في
المصالح الوطنية، خصوصا عندما ندخل في اتفاقيات والعراق في مثل وضعه الحالي".
ضغوط إيرانية
من جهته، قال
مناف الموسوي رئيس مركز "بغداد" للدراسات الاستراتيجية في حديث
لـ"عربي21" إن "اتفاقية الجزائر لم تعد صالحة للعمل بها، لأنها انتهت
مع إعلان الحرب العراقية الإيرانية عام 1980، وأن هناك ضغطا اليوم للعودة إلى
الاتفاقية مجددا".
وأوضح الموسوي
أنه "من الممكن مراجعة بنودها لأنها ليست كلها سيئة والتعديل عليها، لكن
الأفضل أنه لو يجري إبرام اتفاقية جديدة حتى وإن كانت على نفس البنود السابقة بما يخدم
مصلحة الدولة العراقية، فإن الموضوع لا يزال حتى الآن محلا للنقاش والتداول".
وأضاف رئيس
مركز "بغداد" أن "الأمر لا يقتصر على الجانب العراقي، وإنما إيران
لا بد أن يكون لها رأي في شكل ونوعية هذه الاتفاقية، وهل توافق على عقد اتفاقية
جديدة أم إنه يبقى التعامل مع الاتفاقية السابقة التي توقفت منذ الثمانينيات، ولم
تفعّل حتى خلال فترة التسعينيات.. وبالتالي فإن هناك الكثير من الأسئلة تحتاج إلى إجابات
حقيقية".
وأكد الموسوي
ضرورة "معرفة الأوضاع في العراق: هل هي مهيأة لعقد مثل هذه الاتفاقية أم لا..
خصوصا أن الحكومة العراقية الحالية انتهت صلاحياتها وهي لتصريف الأعمال وغير قادرة
على إبرام الاتفاقيات، لكن من الممكن أن تقدم مقترحا للاتفاقية الجديدة إلى
الحكومة المقبلة، وهي التي تحدد كيف ستتعامل مع مثل هذه القضية".
وأشار رئيس
مركز "بغداد" للدراسات إلى أنه "يفترض أن تمر مثل هذه الاتفاقية
على البرلمان العراقي وليس هذا من صلاحيات الحكومة فقط، حتى تحصل على شرعيته من خلال تصويت القوى السياسية عليها، ما يعطيها كذلك شرعية دائمة".
"اتفاقية
ملغاة"
وفي عام 2007
اعتبر رئيس العراق جلال طالباني اتفاقية الجزائر عام 1975 بين العراق وإيران
"ملغاة" من طرف المعارضة العراقية السابقة والحاكمة حاليا. ووصف
طالباني الاتفاقية بأنها اتفاق بين الرئيس الراحل صدام حسين وشاه إيران رضا
بهلوي.
وفي المقابل،
تتمسك إيران من جهتها بهذه الاتفاقية وتعتبرها بمثابة حجر الأساس في إقامة علاقات
الصداقة وتعزيز العلاقات بين البلدين، وترفض التفاوض مع الجانب العراقي لحل مشكلة
أزمة المياه، مشترطة على بغداد اعترافها المسبق باتفاقية الجزائر الملغاة مقابل
موافقتها على الجلوس على طاولة المفاوضات، وفق تصريح سابق نقلته صحيفة
"المدى" العراقية عن ظافر عبد الله حسين نقيب الجيولوجيين العراقيين.
وقبل ذلك، قال
وزير الموارد المائية مهدي رشيد الحمداني، إن قطع إيران لنهرين أثر على نوعية
المياه في شط العرب، مشددا على ضرورة التحرك الدبلوماسي لاستحصال حقوق العراق
المائية.
وأعلنت وزارة
الموارد المائية في وقت سابق من عام 2021 عن أن إيران "قطعت المياه بشكل تام
عن العراق"، مؤكدة أن "الإطلاقات المائية من إيران بلغت صفرا".
الأنهار
والروافد المائية الكبيرة والصغيرة القادمة من إيران وتقدر بنحو 42 نهرا، تلبي
قرابة ثلث حاجة العراق، مثل نهر الزاب الأسفل، الذي يُغذي بحيرة دوكان التي تتدفق
بدورها لتغذي نهر دجلة، ونهر ديالى وغيرهما من الأنهار والروافد الأخرى.
يشار إلى أن
مجلس الوزراء العراقي، كان قد خول وزارة الخارجية في 12 كانون الأول/ ديسمبر 2014،
بالتفاوض مع إيران بشأن الحدود بدلا من اتفاقية الجزائر الموقعة عام 1975.
ونقل موقع
"السومرية نيوز" المحلي عن رافد جبوري المتحدث باسم رئيس الوزراء
العراقي في حينها، قوله إن "مجلس الوزراء خول وزارة الخارجية بالاستمرار في
التفاوض مع إيران لإيجاد حل شامل في ما يتعلق بالحدود بين البلدين، ومنها الأنهار
المشتركة وانحراف شط العرب باتجاه العراق". وأضاف أن "التوجيه تم بأن يكون
الحل نهائيا وبديلا لاتفاقية الجزائر".