هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تثير الخان الأحمر القرية الفلسطينية البدوية في محافظة القدس الكثير من الضجيج الإعلامي منذ سنوات، وتجد سلطات الاحتلال نفسها في وضع دولي متأزم بسبب هذه القرية الصغيرة جدا الواقعة على الطريق السريع شرقي مدينة القدس، وبالقرب من مستوطنتي "معاليه أدوميم" و"كفار أدوميم".
وتكتسب القرية أهميتها الاستراتيجية كونها تربط شمال الضفة الغربية بجنوبها، وهي من المناطق الفلسطينية الوحيدة والمتبقية في منطقة "E1" (مخطط استيطاني إسرائيلي يهدف إلى ربط القدس بعدد من المستوطنات الإسرائيلية) وتوجد عدة قرارات للاحتلال بإخلاء وطرد سكان القرية.
يأتي اسم القرية من اللون الأحمر المستخرج من حجر الجير المكسو بأكسيد الحديد المكون للتلال الحُمر في المناطق الواقعة على الطريق من القدس إلى أريحا، وعرفت سابقا باسم "مار أفتيميوس" نسبة إلى القديس الذي أسس هذا المكان.
وذكر في الإنجيل أن "السامري الصالح" مر بالقرب من منطقة الخان الأحمر.
مبنى السامري الصالح في منطقة الخان الأحمر
ووجدت في الخان الأحمر آثار دير فيه كنيسة، بناه القديس أوثيميوس عام 428 للميلاد ليكون مركزا للرهبان الذين يتعبدون في المغاور القريبة، وربما بني تكريما له.
وفي عام 614 للميلاد احتل الفرس فلسطين وقاموا بهدم الكنيسة، فلما جاء المسلمون سمحوا بترميم تلك الكنيسة التي بقيت عامرة في العهد الصليبي، ثم خربت بعد ذلك، وبني على آثارها خان يخدم التجار المارين بين القدس وأريحا. كان هذا الخان مسورا ومكونا من طابقين، وفيه بركة مياه، وسمي باسم الخان الأحمر لأنه مبني من حجارة حمراء اللون، وهو مملوكي الطراز.
بجوار الخان أقيمت قلعة صغيرة سميت بقلعة الخان، أو قلعة الدم لأن حجارتها كانت حُمرا كالدم. وفي بداية العهد العثماني قلت أهمية الخان الأحمر، إذ أقيم خان آخر بالقرب منه.
وبعد احتلال الضفة الغربية عام 1967، أقيمت على أراضي الخان الأحمر، مستوطنة إسرائيلية هي "معاليه أدوميم" وهي ثاني أكبر مستوطنة في الضفة الغربية.
ووفقا لإحصاء سكان فلسطين في فترة الانتداب البريطاني عام 1931، فقد بلغ عدد سكان الخان الأحمر نحو 27 نسمة.
ويبلغ عدد سكان هذه القرية التي تبلغ مساحتها 40 دونما، نحو 200 شخص يتوزعون على 45 عائلة يعيشون في الخيام والأكواخ، ويعود أصل العديد من العائلات التي تعيش في الخان الأحمر، إلى قبيلة بدو الجهالين، التي طُردت على يد الاحتلال من النقب عام 1952، واستقروا في الخان الأحمر في الضفة الغربية، تحت الحكم الأردني.
أقيمت في عام 2009 مدرسة في القرية بالتعاون مع منظمة مساعدات إيطالية من مواد الطين والإطارات لإيجاد حل لمشكلة منع البناء الإسمنتي أو الكرفانات في المنطقة من قبل الاحتلال، وذلك تلبية لاحتياجات القرية، ولصعوبة وصول الأطفال إلى المدارس البعيدة. وبعد الانتهاء من بنائها بالكامل وبدء العام الدراسي فيها تلقت المدرسة أولى قرارات الهدم في نفس العام، وتوالت قرارات الهدم منذ ذلك الحين.
مدخل مدرسة الخان الأحمر
وكان من المقرر هدم القرية عام 2010 بحجة البناء غير القانوني، وفي عام 2012 أعلن الاحتلال عن نيته نقل السكان إلى منطقة شمالي أريحا.
وحين تبرعت منظمة المستقبل الفلسطيني عام 2015 بألواح شمسية لتزويد القرية بالكهرباء فقد تمت مصادرتها.
وفي عام 2017 أخطرت السلطات العسكرية الإسرائيلية أهالي الخان الأحمر بأن خيارهم الوحيد هو الانتقال إلى منطقة عرب الجهالين، وهو موقع بالقرب من مكب نفايات أبو ديس قرب القدس.
وحين احتج الفلسطينيون على هدم قريتهم، قررت محكمة الاحتلال العليا تجميد قرار الهدم، ومنحت وزارة الحكم المحلي الفلسطينية المنطقة لقب قرية.
لكن ما لبثت المحكمة الإسرائيلية أن قررت في عام 2018 تنفيذ إخلاء القرية وهدمها خلال أسبوع من قرارها، وسط رفض فلسطيني عربي وإدانة دولية.
وصادقت العام الماضي ما يسمى المحكمة العليا الإسرائيلية، على تأجيل الإخلاء لستة أشهر أخرى، ما يكشف خشية الاحتلال من تصعيد الأوضاع القابلة للتفجر في الضفة الغربية وخروجها عن السيطرة، وتحسبا لحدوث أزمة سياسية مع المجتمع الدولي الذي طالب مرارا بعدم إخلائها.
من انتهاكات الاحتلال في قرية الخان الأحمر
ويقول نشطاء حقوق الإنسان إن نقل السكان قسريا يشكل انتهاكا للقانون الدولي الذي يسري على الأرض المحتلة. وتقول جماعات حقوقية إن إجلاء البدو سيخلق جيبا استيطانيا أكبر قرب القدس وسيزيد على الفلسطينيين صعوبة ربط الأراضي في الضفة الغربية لإقامة دولتهم.
وفي هذا الشأن، يرى مدير دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية، خليل التفكجي، أن هدف سلطات الاحتلال من تهجير سكان قرية الخان الأحمر هو تنفيذ مخطط (E1) الاستيطاني، الذي يقضي على الوحدة الجغرافية للضفة الغربية ويربط المستوطنات بالقدس ويوسع مستوطنة "معاليه أدوميم"، والالتفات إلى خطورة المشروع الإقليمي الأوسع لعام 2050.
وتسعى سلطات الاحتلال لبناء أكبر مطار في منطقة النبي موسى بين القدس وأريحا، وبناء فنادق ومناطق تجارية، بالإضافة إلى منطقة صناعية وغيرها من المشاريع التي تضمن للسياح التجول من الساحل إلى غور الأردن من دون وجود عرب في المنطقة.
ويوجد في المنطقة الممتدة من بلدة العيزرية شرقي القدس إلى غور الأردن 46 تجمعا بدويا، وجميع هذه التجمعات مهددة بالترحيل القسري، وينتشر هؤلاء في أربع مناطق أساسية، هي عناتا ووادي أبو هندي وخان الأحمر والجبل، ويقدر عددهم بنحو 7 آلاف نسمة، وترفض سلطات الاحتلال الاعتراف بوجودهم في هذه المناطق وتسعى لطردهم منها.
تواصل جرافات الاحتلال تمهيد الطرق لدخول آلياته
ويرى الناطق باسم أحد تجمعات البدو في الحان الأحمر، هو محمود خميس، أن "السكان لديهم خياران لا ثالث لهما. إما العودة إلى أراضيهم في النقب، التي تعتبرها إسرائيل أملاك غائبين بينما يملك أهالي الخان الأحمر الطابو الخاص بها، وهي مسجلة بأسماء أجدادهم، أو البقاء في الخان الأحمر والتفاوض على إنشاء قرية تتناسب مع المواصفات الإسرائيلية بدون المساس بحياة البداوة".
يذكر أن "الإدارة المدنية" التابعة لجيش الاحتلال الإسرائيلي عرضت في السابق، ستة مخططات لبناء مواقع متقاربة، ووفقا لهذه المخططات فإن نصف مليون دونم من الأراضي ستكون خالية، حيث سيتم تحويل هذه المناطق إلى مستوطنات ومناطق تدريب عسكري ومحميات طبيعية، وبالتالي فإنه سيصبح من المستحيل عودة البدو إلى تلك المناطق، فضلا عن فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها.
ولا تزال القضية تراوح مكانها.
المراجع
ـ د.محمد عقل، الخان الأحمر... تاريخ وأصول، موقع "عرب ٤٨"، 1/10/2021.
ـ د.نادية سعد الدين، قضية تهجير سكان قرية الخان الأحمر شرق القدس تعود للواجهة، صحيفة الغد الأردنية، 9/9/2021.
ـ "بي بي سي" العربي ، تعرف على قرية خان الأحمر البدوية التي تسعى إسرائيل لهدمها، 7/7/2018.
ـ الخان الأحمر: عرب الجهالين في الخان الأحمر، موقع فلسطين في الذاكرة / 13/5/2014.
ـ العربي الجديد، محمد محسن، قرية الخان الأحمر الفلسطينية ترفض مخططات الاحتلال لتهجير أهلها، 22/3/2021.