أهو فيلم خيال علمي أم فيلم اجتماعي؟ فيلم كوميديا سوداء أم فيلم كوارث وكوابيس؟
إنه فيلم سياسي تطبيعي مقنّع بالخسوف ومتدثر بعباءة الليل، فأين السياسة والدين، وأين عادٌ وشدادٌ وقحطان؟
الدين وافر في الفيلم، غير أنَّ الأصحاب السبعة لا يصطحبون كلباً ثامنهم، وإن حاول صانع الفيلم أن يخفي منشورات سريّة في حقيبة مريم تدعو لجرف
المجتمعات العربية، ومنشورات في حقيبة صوفي الابنة أيضا.
ومعلوم للخاصة والكافة أنّ الفيلم مأخوذ بحذافيره عن فيلم وريثة الحضارة الرومانية الوثنية، سوى فروق بسيطة تحسب للفيلم الإيطالي وتُحمد له، لم يبلغها الفيلم العربي، مثل أنّ أحد السبعة الأصحاب الطليان الذين ازّاورت عنهم الشمس والقمر معاً، أقسم على صاحبه بحق يسوع المسيح أن يكفَّ عن أمر، أما الأصحاب السبعة العرب فعلمانيون مثاليون، لا تعرف أديانهم، ولم يحلف أحد منهم بحق دين محمد مثلاً.. الدين لله والقمار للجميع.
وقد مثل أدوار الشخصيات لبنانيون تجنباً لصدمة لا تتحملها الشعوب العربية، بعد الجسور التي حجزت البشر وحجبت السماء في القاهرة، فكل التجارب السياسية والاجتماعية العربية كانت تختبر في مختبر بيروت قبل تأميمها في العواصم العربية.
وإنّ صناع الفيلم الإيطالي كانوا أدهى من صنّاعه العرب، وتلطّفوا في كشف عوراتهم، فاستشعروا ثقل اللطمة في لعبة هتك الأسرار، فغلّفوا الفيلم بغلالة الحلم، وهو لم يجد الصانع العربي الباسل حاجة إليه.
لم نعد نرى جرأة سوى في تحرير جسد المرأة وتعريتها، وكأنّ جسدها أرض محتلة. الأمر على هذا النحو: ممنوع الاقتراب من السيد الرئيس ونظام الحكم، أما جسد المرأة فمباح للغزو، وهو أحسن شاغل عن السياسة. الرئيس العربي يختبئ وراء تنانير النساء، وكلما اشتد الجوع وكثرت المظالم خرجت ممثلة
مصرية وكشفت عن ساقيها، وإن أحرجت زعمت أن البطانة سقطت سهوا.
نحن نعيش على هذه المعادلة: جسد المرأة مقابل الأمن والسلام.
لم يجد الصانع العربي حرجاً من الإقرار بواقعية الفيلم، وسارع فنانون للدفاع عن زميلتهم الشجاعة منى زكي، فالسينما صورة الواقع كما يزعمون، والنخبة التي شاهدناها موجودة، وإن قلّتْ عددا، والسينما العربية أمينة تنقل الواقع العربي للمشاهد المسكين، ولم يبق من الواقع مستوراً سوى السوأة، ونرود القمر من غير مركبة فضائية وخوارزميات.
وقد وعدت القارئ بالإشارة إلى الظواهر الدينية في الفيلم، فأينها؟ وقد خلت حيطان بيت المضيف من عبارات دينية، ومن آيات قرآنية، وعقمت من عبارات إنجيلية، فالمقدس في الفيلم هو الطبيعة، خسوف القمر هو علّة وقوع هذه المقامرة بالأمن القومي.
قديسُ الفيلم وشامان القبيلة الصغيرة هو المضيف الرحيم، صاحب المنزل الذي ينتابه الفزع، ليس من نوم ابنته مع صديقها كي تواسيه في موت أبيه، وإنما من غارة زوجته على حقيبة ابنته التي ستبلغ الثامنة عشرة من عمرها بعد شهر، وستبلغ سن الحصانة. تعتذر الأم لزوجها وتخبره بأنها كانت تبحث عن قبس لسيجارتها، فعثرت على واقيات منع حمل!
الابنة تخاصم أمها وتصل أباها. يسمون هذه الصلة في علوم النفس وأمراضاها بعقدة الكترا.
لنتذكر هذين الأبوين "المثاليين"، واللذين تتجلى مثاليتهما وأخلاقهما الرفيعة في تقديس أسرار ابنتهما، وأنهما لم ينجبا سوى ابنة واحدة، لأن الآباء المعاصرين الأتقياء يريدون أن يعيش ولدهم الوحيد في ترف محروزاً من غيرة أخيه أو حسد أخته، وأنّ القمار الذي سينهمكان فيه هو قمار بالمجتمع العربي كله، وأن القديس المضيف حليم كريم، يغفر لزوجته خيانته مع صاحبه الذي أهداها قرطين من وراء ظهره.
العرب في جاهليتهم كانوا أغير الناس على أعراضهم، ذلك في النسخة العربية السمحاء، أما في النسخة الإيطالية، فالمضيف صاحب مروءة ونخوة، فهو ينذر صاحبه الذي خانه بألا يريه وجهه ثانية في نهاية الفيلم. العربي لا يفعل! لقد تفوق أبطال الفيلم على الطليان!
هناك خصلة أخرى لطبيب التجميل الجراح وهي أنه يتردد على طبيب نفسي، الطبيب النفسي ينزل منزلة الأب الروحي في الديانة الحديثة، لا بد من شيخ طريقة يقود الإنسان الأعمى.
هناك أسطورة شائعة في الغرب، استلهمتها السينما أفلاماً عن بشر يتحولون إلى ذئاب عند اكتمال الهلال بدرا، وقد تحوّل الأصحاب الأعزاء بخسوف القمر إلى ذئاب اعترافات وفضائح، فهتكوا الأستار، وقد يتحول الأمر بعد شيوع الفيلم إلى تحدٍ مثل تحدي سيارة "كيكي"، في قابل الأيام.
يقع فيلم الأصحاب السبعة في خريطة التصنيف النوعي حسب "أصل الأنواع" بين حيوانين هما؛ دجاجة فيلم ريش، وذئب
أفلام المستذئب، فهو فيلم غرائز حيوانية، ليس له من حظ الإنسان وعقله في شيء، فالأصحاب المجتمعون لا يتنادمون بالمعارضات الشعرية، ولا يجمعون التبرعات مثل أبي فلة الحمداني لموظفي الأمم المتحدة المساكين، ولا يجتمعون على تلسكوب لفحص منازل القمر ومواقيت الأهلة.
أما سبب حب الإنسان لهتك الأستار، والاقتراب من الشجرة المحرّمة، فأصيل في ثقافة الاعتراف الكنسية. ذُكر الملل سبباً، لكن سببه هو معرفة أسرار الإنسان حتى تسهل السيطرة عليه والتحكم به. وقد دافعت نخبة عربية عن الفيلم، منهم روائي مصري، قال للناس: إننا لم نرَ من جسد الممثلة شيئاً، وإنها بريئة، ثم إنها تؤدي دورها في شخصية مريم. يجب أن نفرق بين الممثلة ودورها، ما لكم كيف تحكمون.
لم يعتب أحد على ممثلي لبنان، كأنهم معذورون، وقد جاهرت الممثلة المصرية بحبها لمريم التي خلعت ورقة التين قبل الخروج من البيت حسب طلب صديقها "أكس"، ولا بد أنه كان سيطلب منها أحد أمرين؛ إما أن تريه الشمس في الحقيبة، وإما أن تريه الشمس عند الغروب.
نجد الدّين أيضاً في تديّن الأستاذ الجامعي المثلي، هو بطل حاضر في معظم أفلام نتفلكيس، إنه أكثر السبعة تنسّكاً وتبتّلاً وزهدا وفداءً، فهو يؤدي رياضته كلما أذّن جرس هاتفه، بسبب وزنه الزائد، وحرصه على صحته وعافيته.
قال مدافعون عن الفيلم وبذاءته: إنّ الواقع بذيء أيضاً، وإنّ السينما تصوّر الواقع. وقال آخرون: إنّ السينما فوق الواقع، تسبقه وتمهّد له الطريق، فليت صانع الفيلم الجريء تجاسر وصوّر لنا ما يجري في السجون العربية، أو في قصور الملوك، ومن حقنا على الاثنين أن نعرف كيف يدير حكامنا حيواتنا ويصنعون مستقبلنا، ويعذبون آباءنا وأبناءنا الذين لا تؤثر فيها أخسفة القمر وأكساف الشمس.
لن ينال الفيلم جوائز مثل فيلم ريش، لأنه فيلم منسوخ، وغاية الفيلم هي تطبيع العربي مع الحياة الرومانية. لم يذكر الفيلم شيئاً عن السياسة على الإطلاق. مطربة مصرية نصحت مواطنيها بعدم شرب مياه النيل إلا بعد تعقيمها، فكادت أن تتهم بالخيانة العظمى، واضطرت أن تكفر عن ذنبها بحلاقة شعرها مثل العساكر.
لن نجد على مائدة الأصحاب السبعة وتحتها سوى غريزتين، وقد قرأت عنواناً في صحيفة عربية أبدت سرورها بالفيلم، وتعجبت أن يغضب العرب من أجل ورقة تين، كأنه يجهل أن ورقة التين أخرجت أبينا آدم من الجنة.. ورقة التين أمن قومي وأمن إنساني.
تقاسم الإعلام المصري الأدوار، هجا بعضهم صاحبة ورقة التين، وبعضهم مدحها، ونصّبها أحدهم بطلة، وأدى لها التحية العسكرية. ولم يؤدِّ أحد حتى الآن التحية العسكرية لبطل الفيلم الأول والجندي المجهول والمظلوم الذي ضحى بهاتفه لصديقه ساعة من زمان.
ليس في الفيلم من شمائل عربية سوى الملوخية بالأرانب، إذا صح وصفها بالشمائل. فيلم ممسوخ عن فيلم إيطالي وأشدُّ منه، حتى يقال انظروا نحن أوروبيون، نلبس لباسهم ونشرب شرابهم، ونحيا حياتهم، من غير أن يكون لنا عُشر حقوقهم السياسية وخُمس حقوقهم القانونية.
twitter.com/OmarImaromar