هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تثير مساعي مجلس النواب الليبي، لتغيير الحكومة التي يرأسها عبد الحميد دبيبة مخاوف من أن تفضي هذه التحركات، حال نجاحها، إلى استفحال الأزمة الراهنة، وتعميق الانقسام، وعودة شبح الحرب، بين المكونات العسكرية التابعة لأطراف الصراع.
ويتحرك مجلس النواب برئاسة عقيلة صالح، للإطاحة برئاسة حكومة الوحدة، والانفراد بتعيين حكومة جديدة، دون التوافق مع المجلس الأعلى للدولة، مقدما في الجلسة الأخيرة التي عقدت الثلاثاء 13 شرطا للترشح لرئاسة الحكومة، بعضها يستهدف منع الدبيبة من الترشح.
ويرى محللون ونواب تحدثت لهم "عربي21" أن تغيير الحكومة أو رئيسها في الوقت الحالي، لا جدوى منه، بل إنه سيزيد رقعة الانقسام في البلاد، وسيفتح أبوابا لأزمات وسيناريوهات جديدة، أحدها عودة الحكومة الموازية في الشرق، والرجوع مجددا إلى مربع الأزمة الأول، ما يعني ضرب حالة الاستقرار النسبي الذي حققته الحكومة الحالية منذ توليها في آذار/ مارس الماضي، في حين يرى أخرون أن تغيير الحكومة خطوة مهمة، بسبب فشلها في إدارة ملفات عدة.
من جهته، توقع الكاتب والمحلل السياسي عبد الله حديد، أن تفضي مساعي مجلس النواب لتغيير الحكومة إلى فشل، مستبعدا في الوقت ذاته أن تسير الأمور نحو مواجهة عسكرية جديدة بين معسكري الشرق والغرب.
وبينما قدم حديد سيناريوهين لما يمكن أن ينتج عن مساعي مجلس النواب، قال المحلل السياسي في حديث لـ"عربي21"؛ إنه حال نجح مجلس النواب "في التغلب على الصعوبات التي تواجهه لإزاحة الحكومة، فإن أقصى ما يمكن أن يحصل هو انقسامات سياسية، مستبعدا عودة الحرب؛ لأن من مصلحة القوى الدولية التي لها مقاتلون في ليبيا أن تحافظ على الوضع القائم حاليا".
اقرأ أيضا: ما قانونية تغيير البرلمان الليبي حكومة الدبيبة الآن؟
وأضاف أن "الحرب الأخيرة على طرابلس توقفت بتدخل دولي، والأوضاع في ليبيا منذ سنوات مرتهنة ومرتبطة بالمجتمع الدولي أكثر منه ارتباطا بالتوافقات الوطنية".
ومتحدثا عن السيناريو الأول قال حديد: "إذا أقدم مجلس النواب على تشكيل حكومة جديدة، ونجح في ذلك، سيكون هناك انقسام سياسي إضافي وقد نرجع إلى السيناريو الأول، بمعنى وجود حكومة معترف بها دوليا، كحكومة الوفاق الوطني التي كان يرأسها فايز السراج، وحكومة عبد الله الثاني الموازية في الشرق التي تخضع لمجلس النواب". وتابع: "في هذه الحال، قد نرى تصادما سياسيا حادا، واصطفافات محلية وقبلية بين أطراف الأزمة".
أما السيناريو الثاني، فيرى حديد أن "مجلس النواب قد يفشل في إنضاج هذه الحكومة، خصوصا أنه جرب بالفعل إقالتها، حين أقدم على سحب الثقة منها في أيلول/ سبتمبر الماضي، لكنه واجه رفضا دوليا من مجموعة الدول الخمسية، والأمم المتحدة التي قالت على لسان المستشارة الأممية، ستيفاني ويليامز؛ إن حكومة الدبيبة مدتها 18 شهرا وأنها سوف تستمر إلى تموز/ يونيو القادم".
بدوره، قال النائب محمد الرعيض؛ إن تغيير الحكومة سيفتح الباب أمام تأزيم أكثر للمشهد في ليبيا، مشددا على أن "أي تنافس جديد على منصب رئيس الوزراء خلال هذه الفترة، سيكون مصدر قلق ومشاكل إضافية في البلاد".
وشدد النائب في معرض حديثه لـ"عربي21" عن المبادرة التي أطلقها 62 نائبا لدعم استمرار الحكومة، على أن هناك استقرارا نسبيا في البلاد، ولا يجب التضحية به بإقالة الحكومة، مضيفا: "المصارف مفتوحة، والمطارات تعمل، والنفط يجري تصديره بشكل طبيعي، والسفارات أيضا تعيد فتح أبوابها تباعا في ليبيا"، متسائلا: لماذا تغيير الحكومة إذن؟ وهل التغيير من أجل التغيير، أم من أجل تعميق الانقسام وفتح الباب أمام الفتنة؟
واستطرد: "لا توجد حكومة بدون أخطاء، والأوضاع في البلاد صعبة بالتأكيد، "لكن استمرار الحكومة أقل كلفة؛ لأن تشكيل حكومة جديدة سيهدر الكثير من الوقت، ولن تصل بنا إلى انتخابات، لذلك نريد من حكومة الدبيبة الاستمرار خلال الأشهر القادمة حتى نصل إلى الاستحقاق الانتخابي".
اقرأ أيضا: تحذيرات أممية من "هشاشة" ليبيا وسط مساع لفترة انتقالية جديدة
من جهته، أكد عضو مجلس الدولة الليبي، محمد معزب، أن "الدبيبة جاء عن طريق ملتقى الحوار السياسي الذي يتكون من ممثلين عن مجلسي النواب والدولة، وبناء على خارطة طريق تم التوافق عليها بين المجلسين، وبالطبع هناك أعضاء من خارج المجلسين شاركوا في التصويت، وتنتهي مدة هذه السلطة الانتقالية بانتخاب سلطة جديدة أو بعد 18 شهرا من تاريخ انتخابها".
وأوضح في تصريحات لـ"عربي21" أنه "حتى التعلل بإعطائها الثقة، يكون فقط للوزراء وليس لرئيس الحكومة كون الرئيس جزءا من قائمة من أربعة مواقع، لذا فإن الدبيبة لم يكن منتخبا من مجلس النواب أو مجلس الدولة، والحديث عن تغيير الحكومة لا يساهم ولا يساعد في الوصول إلى انتخابات، ولا إلى استفتاء على مشروع الدستور".
وأشار إلى أن "ما طرحه عقيلة صالح هو خلط أوراق يؤدي إلى استمرار الفوضى وزعزعة الاستقرار الذي عاشته ليبيا خلال الشهور العشرة الماضية".
في المقابل، يرى المحلل السياسي، علي أبو زيد أن "تغيير الحكومة أصبح خطوة مهمة بسبب الانحراف الذي حصل في خارطة الطريق، الذي كانت الحكومة مسؤولة عن جزء كبير منه، من خلال فشلها في الملف الأمني وعجزها عن تأمين الانتخابات، وعدم مقدرتها على العمل في مناطق ليبيا كافة، إضافة إلى ترشح رئيس الحكومة في الانتخابات في خرق واضح لتعهده بعدم الترشح، مما أفقدها حياديتها المطلوبة في الإشراف على العملية الانتخابية".
وشدد أبو زيد في حديث لـ"عربي21" على أن "حالة التوتر التي صاحبت مرحلة الترشح في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أكدت ضرورة خلق نوع من الاستقرار لا تستطيع هذه الحكومة تحقيقه من خلال نهجها المعتمد على الخطاب الشعبوي والإنفاق غير المدروس، مما أوجد حالة من الفساد غير مسبوقة".
ولفت إلى أن "تغيير الحكومة تصاحبه عدة تخوفات، من أبرزها حدوث انقسام برفض حكومة الدبيبة التسليم للحكومة الجديدة، خاصة أن المجتمع الدولي لا يركز على مسألة تغيير الحكومة".
لكنه يرى أن "استمرار حالة التوافق بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ووجود خارطة طريق تحدد مواعيد الانتخابات، من خلال قاعدة دستورية واضحة قد يقلل من خطورة هذه التخوفات"، مستبعدا في الوقت نفسه سيناريو المواجهة العسكرية لوجود قناعة لدى مختلف الأطراف بعدم جدواه، وإن كان احتمال استمرار حالة الانسداد السياسي يبقى واردا".