قضايا وآراء

إحصائيات عراقيّة صادمة!

جاسم الشمري
1300x600
1300x600
اتّفق علماء الرياضيّات من العرب والهنود وغيرهم، منذ القدم، على استخدام أشكال الأرقام المحدودة (من 0 إلى 9)، ثمّ اتّفقوا لاحقا على أن الأعداد "غير المحدودة" هي قيم الأشياء المحيطة بنا، وهكذا صرنا نعرف ما تعدله تلك الأعداد.

وهذا يعني أنّ العدد واحد يختلف عن العشرة، والعشرة تختلف عن المئة، والمئة عن الألف، والألف عن المئة ألف، والمئة ألف عن المليون، وهكذا حال المليون مع المليار، وهلمّ جرّا.

ومع هذا التباين في القِيَم العدديّة لاحظنا أنّ البشريّة مرّت بمراحل قاسية ضاعت فيها قيمة الأعداد، ولم يَعد هنالك أيّ فرق بين الواحد والألف، وبين المئة والعشرة آلاف، والمليون والمليار، وذلك بسبب انقلاب الموازين واختلاط الحابل بالنابل!

فوضى القيم العددية وقعت في العراق أيضاً بعد العام 2003، حيث أصبحنا نَمرّ مرور الكرام الذين لا يعنيهم الأمر، حينما نتكلّم - مثلا - عن مليون مواطن قتيل، وخمسة ملايين مهجّر في الداخل والخارج، ومليون أرملة، وخمسة ملايين يتيم، أيّ خمسة في المئة من أيتام العالم، وغيرها من الإحصائيات المرعبة التي تؤكّد أنّ ما يجري هي مؤامرات مدروسة ومخططات منظّمة لسحق كلّ ما يتعلّق بكيان الإنسان والوطن، ومع ذلك لاحظنا أنّ هذه الإحصائيات لا تهزّ ضمائر غالبيّة الناس!
الصمت شبه العامّ، والرضا بالواقع المرير لدى نسبة ليست قليلة من العراقيّين، تسبّب بهضم حقوق بقيّة المواطنين المسحوقين لأسباب كثيرة أهمّها غياب العدالة الاجتماعيّة!

هذا الصمت شبه العامّ، والرضا بالواقع المرير لدى نسبة ليست قليلة من العراقيّين، تسبّب بهضم حقوق بقيّة المواطنين المسحوقين لأسباب كثيرة أهمّها غياب العدالة الاجتماعيّة!

ومن هذه المنطلقات التي لم يَعد للإحصائيات فيها أيّ أثر فعليّ أو فعّال على عموم مجريات الأحوال السياسيّة والعامّة، ذكرت المفوّضيّة المستقلّة لحقوق الإنسان العراقيّة (الاثنين 13 كانون الأول/ ديسمبر 2021) في تقريرها للعام 2021 إحصائيات صادمة في مجالات لا يمكن تغافلها وتجاهلها، ومن بينها الأمن والحرّيّة والطفولة.

وكشفت المفوّضيّة عن مقتل 596 شخصا نتيجة العنف، ومقتل 175 وإصابة 150 في احتراق مستشفيين ببغداد والناصرية!

وفي مجال السجون المرعبة، قُدّمت 900 شكوى بلا تحقيق حول تعذيب وسوء معاملة في السجون، ووجود ثمانية آلاف مفقود!

وفي الجانب التربويّ، كشف التقرير وجود ألف مدرسة طينيّة، والحاجة لثمانية آلاف مدرسة، وأنّ نسبة التسرّب وترك الدراسة بلغت 73 في المئة من إجمالي المراحل الدراسيّة!
كيف تنهض البلاد ولديها هذه الأعداد المرعبة من الأيتام المحرومين والأطفال العاملين، وهذا التضييع شبه المتعمّد للتعليم؟

وبخصوص انتهاكات عالم الطفولة المليء بالرعب والخوف، بيّنت المفوّضيّة وجود أكثر من مليون طفل أقحموا في قطاعات العمل المختلفة لعدم وجود معيل لأسرهم، وكذلك أكثر من 45 ألف طفل لا يحملون أيّ أوراق ثبوتيّة رسميّة كونهم من عوائل "داعشيّة"! ومؤكّد أنّ جميع هؤلاء هجروا مقاعد الدراسة!

فكيف تنهض البلاد ولديها هذه الأعداد المرعبة من الأيتام المحرومين والأطفال العاملين، وهذا التضييع شبه المتعمّد للتعليم؟

والأمر لم يتوقّف عند هذه المهلكات الآنية والمستقبليّة، فقد صدم وزير الداخليّة عثمان الغانمي الجميع بتصريحه نهاية الشهر الماضي بأنّ 50 في المئة من شباب العراق يتعاطون المخدّرات!

فكيف يمكننا تفسير هذه الإحصائية المدهشة بعد أن كان العراق خاليا من هذه الآفات القاتلة؟

أمّا بخصوص الفساد الماليّ، فسنكتفي بتصريح رئيس الجمهوريّة برهم صالح منتصف العام الحالي، والذي قال إنّ العراق خسر ألف مليار (تريليون) دولار منذ 2003 بسبب الفساد، منها 150 مليار دولار هُرّبت إلى الخارج!

الفساد الماليّ والإداريّ جعلنا أمام وظائف وهميّة، ومشاريع خياليّة وعقود سرابيّة على الورق بمليارات الدولارات التي ذهبت لجيوب السياسيّين الفاسدين!
هذه الاستراتيجيّة الحكوميّة وحدها لا تكفي ما لم تُقترن بهيئة نزاهة جادّة وحقيقية وقادرة على ملاحقة جميع السرّاق والفاسدين، ولا يُسمح لأيّ طرف رسميّ أو عسكريّ بالتدخّل في عملها، وإلا فلن نتخلّص من هذه الأمراض الفتّاكة التي دمّرت الدولة والإنسان والاقتصاد!

هذه الإحصائيات تأتي بعد أكثر من 18 عاما من التغيير في العراق! فأين الخطّط الحكوميّة؟ ومَنْ الذي نهب هذه الثروات؟ ومَنْ المسؤول عن هذا الخراب الذي أهلك نصف المجتمع؟

ولعلاج هذه الكارثة الوطنيّة أطلقت حكومة بغداد، في منتصف آب/ أغسطس الماضي، استراتيجيّة لمكافحة الفساد على ثلاث سنوات، كون العراق يقبع منذ أكثر من عقد ونصف في ذيل قائمة الدول الأكثر فسادا ضمن مؤشّر مدركات الفساد، الذي يرصد 180 اقتصادا في العالم!

وهذه الاستراتيجيّة الحكوميّة وحدها لا تكفي ما لم تُقترن بهيئة نزاهة جادّة وحقيقية وقادرة على ملاحقة جميع السرّاق والفاسدين، ولا يُسمح لأيّ طرف رسميّ أو عسكريّ بالتدخّل في عملها، وإلا فلن نتخلّص من هذه الأمراض الفتّاكة التي دمّرت الدولة والإنسان والاقتصاد!

أمل العراق الوحيد قائم على محاكمة المجرمين، ومحاسبة أباطرة الفساد والخراب لإنقاذ الوطن والمواطن، وبخلاف ذلك سنبقى ندور في ذات حلقة الخراب والفساد المظلمة!

twitter.com/dr_jasemj67
التعليقات (1)
ياسر صلاح
السبت، 18-12-2021 07:58 م
دكتور جاسم ابدعت ابداعا ما سبقك أحد من الكتاب لطرح فكرة كهذه بهذا المحتوى والفرق بين العدد والرقم .. دائما تمتع القارئ من كذا جانب وتلفت الإنتباه لمواضيع ومشاكل سياسية واجتماعية وعالمية وعربية وتاريخية واقتصادية ووطنية بتحليل منطقي وواقعي !! كل القدير والاحترام لك