قضايا وآراء

تسريب لمستشاري السيسي

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
كما جرت العادة، في كل مرة يتم نشر أو إذاعة تسريبات صوتية تتعلق بالنظام العسكري في مصر وتمس السيسي كشخص أو أحد معاونيه، يتصدر الأمر عناوين الأخبار ويصبح هو التريند على مواقع التواصل الاجتماعي في مصر لأيام.

تسريب مستشاري السيسي الذي بثه الناشط واليوتيوبر المصري عبد الله الشريف منذ أيام هو الحلقة الأحدث من سلسلة تسريبات صوتية ومرئية تتعلق بفضائح مستمرة لهذا النظام منذ توليه السلطة عبر انقلاب عسكري على أول رئيس مدني منتخب في تموز (يوليو) 2013.

كصحفي عملت لفترة ليست بالقصيرة في البحث والإعداد وتقديم تسريب مكتب السيسي في عام 2015، قفزت في ذهني العديد من التساؤلات المنطقية من الناحية الصحفية فور سماعي هذا التسريب الجديد، أبرزها وأهمها كان سؤالا عن الأريحية الشديدة التي كان يتحدث بها بطل التسريب الأخير وهو اللواء فاروق لشخص مجهول يدعى ميرفت، لماذا يتحدث لواء يعمل مستشارا للرئاسة بهذا القدر من السذاجة التي تصل لحد الاعتراف بجرائم تلقي الرشوة والتورط في عمليات فساد تتعلق بهدر المال العام؟

الرجل كان وكأنه يتحدث في جلسة مغلقة وليس عبر مكالمة هاتفية لو فكر ولو لمرة واحدة أنها يمكن أن تسجل لما تفوه بكلمة واحدة مما سمعناه، الأمر الآخر يتعلق بالطرف الآخر السيدة ميرفت والتي بدا لي في بعض أسئلتها وكأنها تسأل أسئلة مفخخة لانتزاع اعترافات من اللواء فاروق، الأسئلة التي سألتها وبعض تعقيباتها على أرقام بعينها أو جمل قالها مستشار السيسي كلها تطرح تساؤلات عن طبيعة التسريب ومدى حقيقة المكالمة المنشورة.

ما ذكرته الآن ـ وهي مجرد تساؤلات مشروعة ـ لا تنفي أبدا تورط قطاع كبير من رجالات السيسي في قضايا فساد كبرى وسط غياب الشفافية عن المشهد السياسي المصري وتسييس عمل النيابة العامة والقضاء لمصلحة النظام ولخدمة أهدافه.
 
الأرقام التي ذكرها عبد الله الشريف في هذا التسريب والتي وصلت إلى 68 مليون جنيه مصري استطاع لواء واحد ومستشار واحد في هيئة واحدة في الدولة أن ينهبها دون رقابة هي أرقام خطيرة للغاية إذا ما قمنا بتحليلها وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فيما يخص ارتفاع نسب الفقر والفقر المدقع في مصر.

بحسبة بسيطة وفقا لأرقام الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، فإن متوسط دخل الفرد الذي يعتبر تحت خط الفقر في مصر هو 735 جنيه، ما يعني أن مستشار السيسي بأمواله 68 مليون يمكنه أن ينتشل ما يقارب 95 ألف مواطن مصري من المعيشة تحت خط الفقر. 

أيضا إذا ما قمنا بعملية حسابية وفقا للبيانات الرسمية فإن متوسط دخل الفرد الواحد الذي يعيش تحت خط الفقر المدقع في مصر هو 490 جنيها ما يعني أن مستشار السيسي بأمواله غير الشرعية يستطيع أن ينتشل ما يقارب 137 ألف مواطن مصري من العيش تحت خط الفقر المدقع.

"أنت عارف يعني صندوق أنا أشرف عليه".. هكذا تحدث السيسي عن صندوق تحيا مصر في آب (أغسطس) 2014 مدعيا أن هذا الصندوق سيقوم بحل مشاكل مصر تحت إشرافه، ولكن ما جاء على لسان مستشاره في هذا التسريب ينسف تلك الفكرة تماما، فالرجل يتحدث أنهم كضباط في الجيش يأخذون من صندوق تحيا مصر ولا يدفعون له شيئا وأن ميرفت تستطيع أن تحصل على فيلا في العاصمة الإدارية الجديدة بـ 750 ألف جنيه فقط بدلا من 6 ملايين ومن سيدفع الفارق هو صندوق تحيا مصر بالطبع.

في الأسابيع الماضية في بريطانيا، عاش بوريس جونسون وحكومته أزمة كبيرة على خلفية اتهامات بتنظيم حفلة داخل مقر الحكومة البريطانية إبان الإغلاق الكامل الذي عاشته البلاد أثناء الموجة الأولى من وباء كورونا، هناك استجوابات تتم في البرلمان وهناك مقالات وتقارير يتم نشرها يوميا في الصحف البريطانية والقضية باتت قضية رأي عام وسط تعالي أصوات تطالب باستقالة بوريس جونسون لأنه لم يحترم واجبات والتزامات منصبه كرئيس للحكومة.

تخيلت لوهلة أن تسريب مستشاري السيسي قد حدث في بريطانيا، لم يكن الأمر يحتاج إلا لساعات قليلة حتى يقوم الادعاء العام بفتح تحقيق فوري ومباشر، كانت ستوجه الدعوة مباشرة إلى عبد الفتاح السيسي ومستشاريه ورئيس الحكومة وقائد الهيئة الهندسية في القوات المسلحة المصرية للمثول أمام البرلمان في استجواب برلماني عاجل، الصحف البريطانية والقنوات التلفزيونية كانت لتكتب عن ضرورة محاكمة السيسي وعزله هو ومستشاريه، والأهم من كل ذلك هو الشفافية التامة التي ستتم بها كل تلك الأمور وسط معرفة الشعب بتفاصيل الأمر خطوة بخطوة.

ولكن في مصر وفي عهد السيسي لم تصدر أي ردة فعل لا من النظام أو النيابة العامة أو حتى من الأذرع الإعلامية وإنما اكتفى كل هؤلاء بإطلاق هاشتاج مدفوع من اللجان الإلكترونية بعنوان الإخوان بتسرب عايزين جلده ولا عزاء للفقراء في مصر.

التعليقات (1)
لماذا التشكيك؟
الأحد، 12-12-2021 10:29 ص
لا أفهم حقاً مغزى التشكيك الذي طرحه د. أسامة جاويش بشأن المكالمة. فالفساد في عهد السيسي يضرب أطنابه والفسدة هم العسكر، حتى من ينهبون من المدنيين هم من أبناء عسكر، مثل أبو هشيمة وأحمد عز اللذين هما من أبناء العسكر. هم من ينهبون ويكفي ما قاله المقاول محمد علي وفضحهم به ولم يستطيعوا إنكاره بل رد عليه السيسي قائلاً عن ادعاء بناء قصور له بمئات الملايين من الجنيهات: "نعم بنيت وحابني [سأبني]). وهؤلاء يظنون أن لا أحد يجرؤ على تسجيل مكالماتهم وهم في قمة هرم السلطة. الفساد في مصر كان حجمه منذ 6-7 سنوات حسب تقدير رئيس الجهاز المكلف بمكافحة الفساد هو 600 مليار جنيه مصري فما بالك بالوضع الآن؟ الوضع في منتهي الخطورة وهؤلاء اللصوص ينهبون ثروة مصر والمصريين بل وحتى ثروة قدماء المصريين متمثلة في الآثار. لا حل إلا بكسر الانقلاب.