كتاب عربي 21

كرسي وعصا ولثام.. يحيا هازم الأنظمة والإعلام

أسامة جاويش
"هذا الكرسي كان شاهدا على صمود السنوار وشجاعته رغم إصابته"- إكس
"هذا الكرسي كان شاهدا على صمود السنوار وشجاعته رغم إصابته"- إكس
نشر الصحفي الإسرائيلي دوجلاس موراي صورة له عبر حسابه الرسمي على موقع إكس (تويتر سابقا) وهو يجلس على نفس الكرسي الذي جلس عليه زعيم حركة حماس يحيى السنوار في لحظاته الأخيرة، داخل مبنى في منطقة تل السلطان في رفح الفلسطينية.

موراي الذي نظفوا له كرسي السنوار، وأعادوه إلى ما كان عليه، بدا قزما ضئيل الحجم يتصنع الشجاعة والجسارة والقوة، فكتب بعض عبارات حاول أن يقلل بها من السنوار ولكن السحر انقلب على الساحر.

تعليقات المتابعين وجلهم من الأجانب، سخروا من الصحفي الإسرائيلي ووضعوه في حجمه الطبيعي، وصفوا السنوار بالبطل الذي قاوم حتى اللحظة الأخيرة، وبأن هذا الكرسي كان شاهدا على صمود السنوار وشجاعته رغم إصابته وقوته رغم مواجهته للطائرة الدرون الإسرائيلية حتى حاول إسقاطها بعصا خشبية، في رسالة جعلت منه أسطورة حيا كان أو ميتا.

كرسي السنوار تحول إلى أيقونة فلسطينية، الأطفال في شوارع غزة يجلسون نفس جلسته، يقلدون حركاته، يستلهمون روحه المناضلة، ويوجهون رسالة للعالم أجمع وفي القلب منه الكيان الصهيوني أنهم باقون على عهد السنوار
كرسي السنوار تحول إلى أيقونة فلسطينية، الأطفال في شوارع غزة يجلسون نفس جلسته، يقلدون حركاته، يستلهمون روحه المناضلة، ويوجهون رسالة للعالم أجمع وفي القلب منه الكيان الصهيوني أنهم باقون على عهد السنوار.

كرسي السنوار، بجلسة صاحبه الشامخة رغم إصابته، بنظرته الواثقة رغم جراحه، بشجاعته الملهمة في مواجهة الخطر، كلها مشاهد قزّمت ملوكا ورؤساء وأمراء يجلسون على كراسي أخرى مطلية بالذهب، يحكمون من فوقها شعوبا مقهورة، ينبطحون وهم جلوس عليها من أجل رضا الكيان وداعميه.

ضيق عليهم السنوار كراسيهم، وجعلهم بداخلها صغارا، كلما رآهم مواطن من المحيط إلى الخليج سخر منهم وتذكر السنوار وهذا الكرسي الهزيل الذي يكسوه التراب وتغطيه دماء الرجل، ولكن هيهات أن ترقى كراسي الحكم في بلداننا العربية إلى مكانة كرسي السنوار.

"ألقيت عليه عصا السنوار"

عبارة جديدة ستعتمد في معاجم اللغة العربية، ستدرسها المدارس، ويعلمها المعلمون لطلابهم، ستظهر في صدر كل قصيدة، ستتحول إلى لغة دارجة في كل بلد عربي، يستدل بها الناس على تمام السعي، ودوام البذل، واستفراغ الجهد في أي مسألة وكل مسألة.

عصا السنوار ستدخل في قوانين الفيزياء والكيمياء، فهي معامل قوة، وذراع رافعة، وعنصر تحول في كل معادلة، ستدخل في أسس تربية الأبناء، فإن أرادت أم أن تربي ابنها على مفاهيم الاجتهاد والسعي والبذل والأخذ بالأسباب والمثابرة والمواظبة فلن تحتاج أن تحكي قصصا من هنا أو هناك، يكفيها أن تسأل ابنها سؤالا واحدا: هل ألقيت عصا السنوار في هذه المسألة؟

خلال طوفان الأقصى وعلى مدار عام كامل، حاول إعلام مصري- سعودي- إماراتي أن يدجن الشعوب في حظيرة لا إنسانية، جردها من كل تعاطف مع فلسطين، أقنعهوها بألا دور لها في نصرة غزة وأهلها، أخبروها بأنه ما باليد حيلة وأنه ليس بالإمكان أفضل مما كان، فجاءت عصا السنوار لتضربهم فوق رؤوسهم وتعلمهم درس حياتهم أن الانبطاح والتبرير والسلبية لا تحرر أرضا ولا تنقذ وطنا ولا تصنع بطلا.

في لحظاته الأخيرة، لعب لثام السنوار دورا كبيرا في إخفاء هويته عن جنود الاحتلال، كان إلهاما من الله للرجل وفطنة وحكمة كبيرة منه أيضا أن يخفي وجهه بعد إصابته، فظل في اشتباكه معهم حتى لفظ أنفاسه الأخيرة مقبلا غير مدبر وهو ما كان له أثر كبير في إخراج صورته كأسطورة مقاوم واجه المحتل حتى اللحظة الأخيرة.
ما فعلته قناة إم بي سي السعودية من عرض ذلك التقرير الفاضح لها ولقيادة المملكة ما هو إلا كشف للثام وإعلام تلك الأنظمة العربية المنبطحة؛ التي أرادت التطبيع مع الاحتلال ولو على جثة اثنين وأربعين ألفا من شهداء فلسطين

لثام السنوار الذي أخفى به وجهه، فضح لثاما آخر غطى به حكام العالم العربي وإعلامهم سوءاتهم وانبطاحهم وتآمرهم على فلسطين وأهلها تحت شعار حماية الأمن القومي، وتجريم الفصائل الفلسطينية ووصمها بالإرهاب في تبن صارخ للرواية الإسرائيلية الصهوينية وتبرير الإبادة الجماعية في حق أهل غزة على مدار عام كامل.

ما فعلته قناة إم بي سي السعودية من عرض ذلك التقرير الفاضح لها ولقيادة المملكة ما هو إلا كشف للثام وإعلام تلك الأنظمة العربية المنبطحة؛ التي أرادت التطبيع مع الاحتلال ولو على جثة اثنين وأربعين ألفا من شهداء فلسطين.

كرسي وعصا ولثام.. يحيا هازم الأنظمة والإعلام الذي تحول مشهد مقتله لأسطورة تتغنى بها الألسنة عربية وأعجمية، فهناك من شبهه بجيفارا وهناك من قارن بينه وبين نيلسون مانديلا، وهناك من ربط بينه وبين قادة النضال في المغرب والجزائر ضد الاستعمار.

ولكن يبقى التشابه الأكبر والأقرب بين يحيى السنوار وأسد الصحراء عمر المختار الذي أبى إلا أن يختم حياته بكلمات من ذهب وكأنها تحكي حكاية مقتل السنوار، حين قال: "نحن لن نستسلم، ننتصر أو نموت، سيكون عليكم أن تحاربوا الجيل القادم والأجيال التي تليه، أما أنا فإن حياتي ستكون أطول من حياة شانقي".

x.com/osgaweesh
التعليقات (0)