هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "أتالايار" الإسبانية تقريرا تحدثت فيه عن النفوذ الجيوسياسي الصيني في دول بلاد الشام، وعلى رأسها لبنان.
وقالت الصحيفة في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن الصين وسعت نفوذها في الشرق الأوسط خلال السنوات الماضية بسبب مصالحها الاقتصادية في مجال الطاقة والمبادلات التجارية، وبفضل مشاريع البنية التحتية والعلاقات الدبلوماسية.
يرتبط ذلك أساسا بمبادرة "الحزام والطريق" التي أطلقها الرئيس شي جين بينغ، والتي تم الإعلان عنها في سنة 2013 استجابة لاحتياجات البنية التحتية والتبادل الاقتصادي مع الدول النامية.
وبحسب الصحيفة، فإن مصالح الصين الاقتصادية ونفوذها في المنطقة قد يكون مهددا بسبب عدم الاستقرار في عدد من الدول، ومنها لبنان. ويحتل لبنان مكانة محورية ضمن مبادرة الحزام والطريق، بسبب موقعه الاستراتيجي في منطقة المشرق العربي وإطلالته على البحر الأبيض المتوسط.
العلاقات اللبنانية الصينية بين 1949 و2000
تقول الصحيفة إن كتابات الباحث إسحاق شيشور تعدّ المصدر الرئيسي للمعلومات حول العلاقات الصينية مع لبنان في تلك الفترة.
في سنة 1949، لم يعترف لبنان بالحزب الشيوعي باعتباره السلطة المركزية في الصين بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية. وبعد مشاركة جنود صينيين في الحرب الكورية للدفاع عن كوريا الشمالية ضد القوات الأمريكية سنة 1951، وصفت لبنان الصين بأنها دولة معتدية.
في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، كان موقف لبنان تجاه جمهورية الصين الشعبية معاديا، ويميل نحو الغرب بقيادة الولايات المتحدة.
بعد مؤتمر باندونغ عام 1955، وقعت الصين عشر اتفاقيات تجارية، من بينها اتفاقية مع لبنان، لإحداث تغيير إيجابي في النظرة إلى بكين.
لكن بشكل عام، كان للبنان علاقات أقوى مع تايوان، وبقي الحضور الصيني في لبنان ضئيلا بسبب انعدام الثقة بين البلدين، خاصة أنه كان يُشتبه في تواطؤ بكين مع بعض الفصائل اللبنانية المناوئة للحكومة.
لاحقا، عارضت الصين الإجراءات التي اتخذها لبنان سنة 1969 ضد الفلسطينيين، ووجهت اتهامات للسلطات في لبنان بالتعاون مع الاحتلال الإسرائيلي لقمع الفلسطينيين.
في الأثناء، استمر التعاون بشأن الاتفاقيات التجارية، وعندما تفوقت الصين على تايوان تجاريا في أواخر الستينيات، تعمّقت العلاقات الاقتصادية.
لفترة طويلة، كانت الاتصالات الدبلوماسية بين لبنان والصين محدودة بسبب الحرب الأهلية والاغتيالات السياسية، وكانت العلاقة قائمة بالأساس على الاعتبارات الاقتصادية.
وأضافت الصحيفة أنه عندما أقيمت العلاقات الدبلوماسية، كانت بكين تنظر إلى لبنان على أنه سوق للسلع الصينية، بالإضافة إلى أهميته كمركز مالي في الشرق الأوسط. وسنة 1972، افتتحت الصين فرعا للبنك الوطني الصيني في بيروت؛ ونتيجة للزيارة الأولى لوزير الخارجية اللبناني خليل أبو حمد إلى الصين في العام نفسه، فقد وقّع البلدان اتفاقية تجارية جديدة.
وعند اندلاع الحرب الأهلية في لبنان سنة 1976، كان موقف الصين أن الأزمة يجب أن تحل داخليا وليس من قبل أطراف خارجية، وخلال تلك الفترة لم يُبذل سوى القليل من الجهد لتعميق العلاقات مع بيروت، بحسب الصحيفة.
ما بعد سنة 2000
بدأت الحكومة الصينية في توسيع العلاقات مع لبنان بداية من سنة 2000. وأثناء زيارة رئيس الوزراء رفيق الحريري إلى بكين للقاء رئيس مجلس الوزراء الصيني تشو رونغجي سنة 2002، أعرب البلدان عن عزمهما على تكثيف التعاون في المشاريع الاقتصادية المشتركة، وقد أدى ذلك إلى التعاون في العديد من القطاعات.
سنة 2005، وقعت الصين ولبنان اتفاقية تعاون تهدف إلى تحفيز الاستثمار في القطاع السياحي وتعزيز التواصل بين شركات السياحة من خلال تبادل الكفاءات المهنية.
تطورت العلاقة أيضا لتشمل التبادل الأكاديمي والثقافي، حيث تم تقديم دورات في لغة الماندرين في الجامعة الأمريكية ببيروت، وافتتاح معهد كونفوشيوس في جامعة القديس يوسف ببيروت.
في السنوات الأخيرة زاد حجم التعاون الاقتصادي، وفي 2013 أصبحت الصين الشريك التجاري الرئيسي للبنان. وساعدت بكين لبنان على إنشاء شبكة اتصالات وأنظمة تدفئة شمسية وقدمت مساعدات لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين.
وقد أعاقت الأزمة السورية جهود تعزيز التجارة بين البلدين، حيث تم إغلاق الطرق البرية أمام الصادرات اللبنانية، ولم تحقق الحلول البديلة لإنشاء ممرات آمنة نجاحا كبيرا.
اقرأ أيضا: يونيسيف: أزمة لبنان ترفع نسبة الجوع وتدهور الرعاية الصحية
ويعتبر الفولاذ السلعة الأكثر تصديرا من لبنان إلى الصين، بينما تصدر الصين إلى لبنان معدات كهربائية ومنسوجات ومواد بلاستيكية وآلات مختلفة. ويبلغ حجم الواردات اللبنانية من الصين 1.89 مليار دولار، وهو ما يمثل 9.1 بالمئة من إجمالي الواردات، بينما يصدر لبنان إلى الصين بقيمة 24.1 مليون دولار، وهو ما يمثل 0.62 بالمئة من صادراته. وفي ظل مبادرة الحزام والطريق، فإن من المتوقع أن يزيد حجم اختلال الميزان التجاري بين البلدين في السنوات القادمة، وفقا للصحيفة.
جهود الصين في أزمة 2006
أشارت الصحيفة إلى أن سياسة الصين في عدم التدخل بالشؤون الداخلية ساهم في تعزيز التنمية السلمية وحل النزاعات في لبنان، وكانت المساعدات الإنسانية من العوامل الرئيسية التي أدت إلى نجاح الجهود الصينية.
سنة 2006، تورطت الصين بشكل غير مباشر في الصراع الإسرائيلي اللبناني عندما تعرضت سفينة حربية إسرائيلية مضادة للطائرات لقصف بصاروخين صينيي الصنع أطلقهما حزب الله، ولم يكن هناك أي دليل على أن الصين هي التي باعت الصواريخ إلى حزب الله.
وانتقد ليو تشينمين نائب ممثل الصين لدى الأمم المتحدة في تلك الفترة تصرفات إسرائيل لأنها تنتهك سيادة لبنان، وقال إنه ينبغي عدم الإفراط في استخدام القوة ورفع الحصار. وعارضت الصين هجمات حزب الله على الحدود الإسرائيلية اللبنانية وشن ضربات صاروخية ضد المدن الإسرائيلية، وكانت تلك أول انتقادات صينية علنية للحزب.
ومن خلال الجهود الدبلوماسية في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تمكنت الصين من لعب دور مهم في حل النزاع.
لبنان.. شريك استراتيجي في مبادرة الحزام والطريق
وترى الصحيفة أن مستقبل علاقات الصين مع لبنان يبدو واعدا بفضل مبادرة الحزام والطريق. ووقّع المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية مذكرتي تفاهم سنة 2017 مع اتحاد الغرف العربية لتوسيع مبادرة الحزام والطريق لتشمل لبنان.
وفي 2018، تلقت بيروت حزمة مساعدات بلغ مجموعها أكثر من 100 مليون دولار كجزء من منتدى التعاون الصيني العربي.
ويطمح لبنان لأن يصبح لاعبا رئيسيا في هذا المشروع، من خلال استخدام الموانئ اللبنانية في بيروت وطرابلس كنقطة ربط إقليمية للتجارة في البحر الأبيض المتوسط، وقد قامت الصين باستثمارات كبيرة لتوسيع البنية التحتية في هذه الموانئ.
وأعلن وانغ كيجيان سفير الصين في لبنان أن بلاده مستعدة لمساعدة لبنان في تطوير مُدنه الجنوبية. والتقى الرئيس ميشال عون مع رئيس المجلس الصيني لتعزيز التجارة الدولية، جيانغ زنغوي، في بيروت لمناقشة سبل تحسين العلاقات الثنائية.
وإلى جانب تطوير البنية التحتية، فإن الصين تهدف إلى تعزيز الاستثمارات في الطاقات الجديدة والصناعات الرئيسية الأخرى.
وأشاد رئيس الوزراء السابق سعد الحريري بالصين كمثال للتحديث يجب الاقتداء به، قائلا إن التعاون مع بكين يمكن أن يجعل بيروت مركزا لوجستيا واقتصاديا وتجاريا لمبادرة الحزام والطريق الصينية في المنطقة.