هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشر موقع "مودرن ديبلوماسي" الأمريكي تقريرا سلط فيه الضوء على مخاوف الهند المتزايدة حول الصعود الاقتصادي والعسكري للصين، وما إذا كانت مؤهلة لأن تصبح جزءا من تحالفات الولايات المتحدة.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن سياسة الهند الخارجية التي تميل بشكل متزايد نحو الولايات المتحدة تزيد من مخاوف روسيا بشأن شراكتها الرباعية مع الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا من جهة، وحصة واشنطن الموسعة في مشتريات الأسلحة الهندية من جهة أخرى.
وذكر الموقع أن الهند لا تستطيع في الوقت الراهن أن تكون قوة موازنة للصين في آسيا نظرًا للفجوة الاقتصادية والاستراتيجية العسكرية بين القوتين. وفي هذه الحالة، تحتاج نيودلهي إلى نفوذ خارجي قوي لتعويض ضعفها النسبي في علاقاتها الثنائية مع بكين.
كان بوسع روسيا أن تلعب هذا الدور، خاصة أنها تستمر في إعطاء الأولوية للشراكة المتميزة مع الهند، ولكن تشير الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية إلى ظهور ديناميكيات مختلفة داخل مثلث "موسكو- بكين - نيودلهي". فعلى مستوى العلاقات الثنائية، تستأثر الصين باهتمام كبير في أجندة السياسة الخارجية لروسيا سواء من حيث حجم التبادل التجاري أو التدريبات العسكرية المشتركة أو عدد القمم. ومع أن موسكو تميل إلى التزام الحياد في النزاعات القائمة بين الهند والصين، إلا أن ذلك يخدم ضمنيًا مصالح الصين.
يرى العديد من الخبراء في روسيا وخارجها أن النظام الدولي يعود تدريجيًا إلى الثنائية القطبية التي تمثلها حاليًا الولايات المتحدة والصين، وهو ما سيدفع الهند إلى البحث عن تقارب أوثق مع واشنطن، في حين ستضطر روسيا إلى الوقوف في صف بكين.
يعتقد بعض الخبراء أن موسكو ونيودلهي لا تشتركان في الرؤية المستقبلية نفسها للسياسة العالمية، ولعل ذلك ما تؤكده طبيعة العلاقات الثنائية التي اقتصرت على الشراكات الاستراتيجية على مدى عقود.
اقرأ أيضا: كيف سلبت بريطانيا الهند طوال قرنين من الاستعمار؟
وذكر الموقع أنه لا يمكن إنكار التحولات العميقة التي شهدتها سياسة الهند الخارجية على مدى العقدين الماضيين، إلا أنه من الواضح أن لتقارب نيودلهي مع واشنطن حدوده. وفي الواقع، ستحدد خمسة عوامل رئيسية ما إذا كان التحالف السياسي والعسكري الكامل بين الولايات المتحدة والهند ممكنا في السنوات القادمة.
هل ستكون الهند شريكًا صغيرًا للولايات المتحدة؟
لم تشارك الولايات المتحدة مطلقا في إنشاء أو إدارة التحالفات السياسية والعسكرية، إلا أنها لعبت منذ أعقاب الحرب العالمية الثانية دورا قياديًا في أي تحالف ثنائي أو متعدد الأطراف. وكان جميع شركاء الولايات المتحدة ملزمين بأن ينسجوا على منوال سياستها الخارجية. في حالة الهند، من الصعب أن تقبل العديد من النخب الاضطلاع بدور الشريك الصغير نظرا لأن لديهم طموحاتهم الخاصة ويريدون أن تتمتع الهند بسيادتها واستقلاليتها.
وأشار الموقع إلى أنه من الصعب على الولايات المتحدة أن تغيّر عاداتها القديمة وتقبل بأن تكون على قدم المساواة مع أي شريك لها، وينطبق ذلك على الهند. وهذا يعني أن التحالف الرباعي العسكري الذي انضمت إليه الهند مؤخرا من غير المرجح أن يرتقي إلى مستوى تحالف كامل شبيه باتفاقية "أوكوس".
وبين الموقع أن موسكو وبكين تفتقران إلى الخبرة التاريخية اللازمة لتشكيل تحالفات سياسية وعسكرية، وهو ما يشكل عقبة كبيرة أمام أي تحالف رسمي بين روسيا والصين. ولكن التناقضات الحالية التي تشوب العلاقات الروسية والصينية ليست واضحة بقدر تلك التي بين الهند والولايات المتحدة. كما أن التعاون الحالي بين روسيا والصين يتميز بعمق واستقرار استراتيجي أكبر من الهند والولايات المتحدة.
فجوة القيم بين نيودلهي وواشنطن
رغم اختلاف نيودلهي وواشنطن حول العديد من القضايا الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان، إلا أن رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي يشاطر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نفس وجهة النظر حول طبيعة السياسة العالمية.
مع أن الهند تحمل لقب "أكبر ديموقراطية في العالم"، تنتقد إدارة بايدن بشدة السياسات التي تساهم في ترسيخ القومية الهندية وتشجع الممارسات التي تنتهك حقوق الجالية المسلمة في الهند، لم تدعم قرار الهند بتغيير الوضع القانوني لكشمير.
وأكد الموقع أنه لكل من الولايات المتحدة والهند مقاربات مختلفة تجاه أجندة المناخ، فواشنطن تدعو إلى الالتزام بتحقيق حياد الكربون بحلول عام 2050، بينما تدعو نيودلهي الدول المتقدمة للحد من انبعاثاتها بشكل جذري لصالح الاقتصادات النامية. ونظرا لأن الهند ستستمر في زيادة انبعاثات الكربون، فإن التوترات بين الهند والولايات المتحدة بشأن هذه القضية تبدو حتمية.
فضلا عن ذلك، تزعزعت ثقة المجتمع الهندي بالولايات المتحدة بعد قرارها المفاجئ بسحب قواتها من أفغانستان دون أي مشاورات مع شركائها في المنطقة على غرار الهند، وتنفيذ سفنها الحربية مناورات عسكرية على مقربة شديدة من الساحل الهندي دون أي تنسيق أولي مع الهند.
لن تكون الهند مستعدة لخسارة شركائها التقليديين
إن الهند غير مستعدة للتضحية بشراكاتها الاستراتيجية مع روسيا وإيران، التي تعتبرها الولايات المتحدة منافسة جيوسياسية. ولطالما كانت موسكو ذات أهمية رئيسية بالنسبة للهند في المجالين العسكري والتقني، بينما تمثل طهران موردا رئيسيا للطاقة. ومن الواضح أن الهند لن تدعم نهج الولايات المتحدة تجاه طهران أو موسكو، وستحاول الالتفاف حول العقوبات الأمريكية كلما أمكن ذلك حمايةً لمصالحها.
اقرأ أيضا: صراع محموم بين الهند والصين على النفوذ في أفغانستان
يرى بعض الخبراء أن أهمية روسيا باعتبارها أحد الشركاء الرئيسيين للهند تتضاءل. ولكن حتى لو افترضنا أن هذا هو الحال، يجب ألا ننسى الزخم الكبير للشراكة الناجحة بين موسكو ونيودلهي التي استمرت لسبعة عقود. وهذا مهم بشكل خاص للتعاون العسكري التقني، حيث تظل روسيا الشريك الرئيسي للهند.
من المهم بالنسبة لروسيا والهند على حد سواء ألا تفقدا شركاءهما التقليديين في آسيا في الوقت الذي يعززان فيه تعاونهما مع الصين. وهناك العديد من الأسباب التي تدعونا إلى الاعتقاد بأن إيجاد أرضية مشتركة مع بكين سيكون أسهل بالنسبة لموسكو من التوصل إلى مفاهمة مع واشنطن. وفي الحقيقة، بكين أكثر تحفظا من واشنطن في فرض عقوبات أحادية الجانب وعقوبات الصين لا تتجاوز حدود أراضيها بشكل صريح، على عكس العقوبات الأمريكية.
ما مدى موثوقية الضمانات الأمنية الأمريكية؟
في الآونة الأخيرة، وخاصة في أعقاب انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، تزايدت الشكوك في آسيا، ناهيك عن الهند، حول مدى موثوقية الضمانات الأمنية التي تقدمها واشنطن لحلفائها وشركائها. وهناك سبب يدعو للاعتقاد بأن الولايات المتحدة لن تكون على استعداد لمساعدة حلفائها في خضم أزمة كبيرة، لا سيما إذا كان ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة وتكاليف محتملة.
وحتى لو تطورت العلاقات بين الولايات المتحدة والهند إلى مستوى تحالف، فمن غير المرجح أن تكون واشنطن على استعداد لتقديم الدعم العسكري المباشر لنيودلهي في حال حدوث تصعيد آخر للصراع الحدودي بين الهند والصين. والسيناريو الأقل ترجيحًا هو أن تدعم الولايات المتحدة الهند بشكل حاسم في حالة دخولها في مواجهة عسكرية مع باكستان.
وإذا نجحت بكين بطريقة ما في حل مشكلة "التوحيد مع تايوان" التي طال أمدها بشروط مقبولة، فإن الصين ستتمتع بقدرات إضافية للضغط على الهند، على غرار المواجهة بين الصين والهند في الشرق و"المسرح الباكستاني" في الغرب.
وأورد الموقع أن ميزان القوى في المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في شرق آسيا يتطور بمرور الوقت، وهو لا يخدم مصلحة واشنطن. وهذا يعني أن "الحل النهائي" لقضية تايوان سيقوض مصداقية الضمانات الأمنية الأمريكية في المحيطين الهندي والهادئ بشكل أكبر. لذلك، إذا كانت الهند تسعى إلى إقامة تحالف مع واشنطن في هذه المرحلة، فإنها ستضطر إلى التخلي عن جزء من سيادتها دون الحصول على أي تعويض مناسب في المقابل.
من الواضح أن الهند لن تتخلى عن تعزيز علاقاتها مع شركائها العديدين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بدءا من اليابان وكوريا الجنوبية شمالا وصولا إلى أستراليا ونيوزيلندا جنوبا، وسيكون هذا هو الحال بغض النظر عن التطورات والنتيجة النهائية للمواجهة الأمريكية الصينية.
على عكس نيودلهي، لا تحتاج موسكو إلى ضمانات أمنية خارجية لأنها قادرة تماما على الحفاظ على التكافؤ الاستراتيجي مع الولايات المتحدة أو أي خصم محتمل آخر بمفردها. لهذا السبب، لم تكن قضية موثوقية الضمانات الأمنية الصينية مطروحة في أجندة العلاقات الروسية الصينية، ما يعني أن الموقف الذي تتمتع به موسكو في علاقاتها مع بكين أفضل من موقف نيودلهي في علاقاتها مع واشنطن.
شراكة الولايات المتحدة مع الصين لا تقل أهمية عن الهند
تقدم المواجهة الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين فرصا إضافية للشركات الهندية. وبغض النظر عن مدى أهمية العلاقات التجارية والاقتصادية بين الهند والولايات المتحدة لنيودلهي، فإنه من غير المرجح أن تهدأ التوترات. وهناك العديد من المشاكل التي تنبع من حقيقة أن الهند هي في الأساس اقتصاد مغلق نوعا ما.
وقد لاحظ المحللون الهنود أن الاستراتيجية الأمريكية الحالية في الهند لا توفر بدائل عملية للتعاون الاقتصادي بين الهند والصين ولا تنطوي على برامج مهمة للولايات المتحدة للمساعدة في تحديث اقتصاد الهند. وفي الوقت نفسه، إن حجم التجارة بين الهند والصين ينمو بسرعة، فضلا عن استثمارات الصين في الهند. ومن المؤكد أن الهند تحد من وصول الشركات الصينية إلى القطاعات الحساسة في الاقتصاد الهندي. وعلى العموم، يمكن مقارنة حجم العلاقات الاقتصادية بين الصين والهند مع حجم العلاقات بين الهند والولايات المتحدة.
اقرأ أيضا: هل تنجح خطط أمريكا بدعم وإبراز الهند للتفوق على الصين؟
في العديد من الجوانب، يكمل اقتصاد الهند والصين بعضهما البعض بشكل عضوي، مما يعني أن التقارب الاقتصادي بين القوتين الآسيويتين سيستمر، حتى لو كانت التوترات السياسية بين نيودلهي وبكين لا تزال قائمة.
لم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تحل محل الصين باعتبارها الفاعل الاقتصادي الرئيسي في جنوب وجنوب شرق آسيا، ولا تستطيع واشنطن عكس التعاون العسكري التقني المتوسع للصين مع العديد من دول المنطقة. لذلك، سيتعين على الهند حتما أن تأخذ في الحسبان وجود الصين في المناطق غير الإقليمية ذات الأهمية الحاسمة لنيودلهي.
وأشار الموقع إلى أن تسوية النزاعات الحدودية بين الهند والصين في المستقبل المنظور أمر مستبعد تمامًا. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد إمكانية استقرار الوضع وتخفيف حدة التوترات. وفي حال تحقق ذلك، فإن الحوافز الحالية لتعزيز التعاون العسكري بين الهند والولايات المتحدة سوف تفقد حتما زخمها.
بالنسبة لروسيا، فإن الثقل الاقتصادي للولايات المتحدة أقل أهمية بكثير مقارنة بالثقل الاقتصادي للصين مقابل الهند. وهذا يعني أنه يتعين على الصين أن تفوق الولايات المتحدة في قدراتها على استخدام النفوذ الاقتصادي.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لروسيا؟
سيتعين على الهند إجراء تقييم دقيق لأولويات سياستها الخارجية في المستقبل القريب، ومراجعة العلاقات مع الشركاء والمنافسين الإقليميين والعالميين. ويتعين على الهند في المقام الأول تقييم كيفية تطور المواجهة بين الولايات المتحدة والصين وكذلك التطورات في سياسات الصين تجاه الهند. مع ذلك، ستتأثر استراتيجية نيودلهي الخارجية بشكل متزايد بالأجندة المحلية للبلاد، وبالأيديولوجية الجديدة لرئيس الوزراء ناريندرا مودي. ولكن ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة لروسيا؟
ستشتد المنافسة الهندية في الأسواق التي تعطيها روسيا الأولوية، ولن تقتصر هذه المنافسة على المعدات العسكرية، وهو أمر يجب أن تكون روسيا مستعدة له. كما أن القواعد المتغيرة للعبة الجيوسياسية العالمية والتنويع الحالي لأولويات السياسة الخارجية لنيودلهي تجعل استكشاف سبل جديدة في الشراكة بين روسيا والهند أمرا ملحا. فلطالما شدد الخبراء على أن الأساس الحالي لهذه العلاقات ضيق للغاية بحيث لا يمكن إنشاء بنية قوية من التعاون الاجتماعي بين البلدين.
من الناحية الجيوسياسية، يمكن لموسكو ونيودلهي مساعدة بعضهما البعض، حيث يمكن لنيودلهي أن تفعل ذلك في مثلث الهند والولايات المتحدة وروسيا لكي تصبح مرشدا لموسكو في المحيطين الهندي والهادئ، في حين تستطيع موسكو أن تفعل ذلك في مثلث روسيا والصين والهند من خلال تعزيز مشاركة الصين والهند في مشاريع الأمن والتنمية متعددة الأطراف في أوراسيا. وبهذا يمكن أن تصبح الشراكة بين روسيا والهند واحدة من ركائز النظام القاري والعالمي في السنوات القادمة.