الأسبوع الماضي كان حافلا بالعديد من الأحداث المأساوية والتي تتقاطع كلها في نقطة واحدة، وهي ضياع قيمة الإنسان واحترام حقه في حياة كريمة آمنة.
التجربة التي عاشها جيل الربيع العربي من انتصارات محدودة ثم هزائم وانكسارات متوالية على مدار العقد الماضي، جعلتنا موصولين بما يجري حولنا من أحداث تمس اللاجئين أو معتقلي الرأي في هذا البلد أو ذاك، وتجعلنا نهتم بمن تم انتخابه رئيسا لهيئة مكافحة الجريمة الدولية الإنتربول.
اللواء
الإماراتي أحمد الريسي
رئيسا جديدا للإنتربول لأربع سنوات قادمة، هذا يعني أن مدير إدارة التفتيش في وزارة الداخلية الإماراتية ووزير داخلية أبو ظبي، الرجل المسئول عن ارتكاب جرائم تعذيب بحق مواطنين إماراتيين
معارضين وحقوقيين مثل أحمد منصور، الرجل الذي امتد أذاه الى مواطنين أجانب من بريطانيا وتركيا وبعض الدول الأفريقية، بات المسئول عن مراقبة ومتابعة بل وإلقاء القبض وتسليم أي معارض لحكومة بلاده تحت دعوى أنه مطلوب جنائيا في قضايا يعلم القاصي والداني أنها قضايا سياسية ملفقة.
اللواء الإماراتي أحمد الريسي رئيسا جديدا للإنتربول لأربع سنوات قادمة، هذا يعني أن مدير إدارة التفتيش في وزارة الداخلية الإماراتية ووزير داخلية أبو ظبي، الرجل المسئول عن ارتكاب جرائم تعذيب بحق مواطنين إماراتيين معارضين وحقوقيين مثل أحمد منصور، الرجل الذي امتد أذاه الى مواطنين أجانب من بريطانيا وتركيا وبعض الدول الأفريقية، بات المسئول عن مراقبة ومتابعة بل وإلقاء القبض وتسليم أي معارض
كصحفي مصري يكتب عن انتهاكات حقوق الانسان في مصر، ويكشف جرائم النظام المصري بحق الصحفيين والمعارضيين السياسيين، تم الحكم عليّ بخمس سنوات غيابيا ووضع اسمي على ثلاث قوائم إرهاب والتحفظ على أموالي، ما يجعلني بشكل شخصي وغيري من آلاف المصريين المعارضيين في الخارج، عرضة للاعتقال عند أول محاولة للسفر إلى الخارج، والسبب ببساطة أن النظام المصري سيراسل رئيس الإنتربول الإماراتي لتسليمه قوائم جديدة تحتوي على أسماء آلاف المعارضين في الخارج، ولا تتوقع من لواء شرطة أبو ظبي أكثر من مجاملة حليفه المصري بتسليمه من استطاع أن يلقي القبض عليهم هنا أو هناك.
المصائب لا تأتي فرادى، هذه القاعدة البائسة كانت عنوان أحداث الأسبوع الماضي، في الوقت الذي لم نستوعب فيه بعد
مخاطر تولي اللواء الإماراتي لرئاسة الإنتربول وخطر ذلك على اللاجئين السياسين في أوروبا ودول أخرى، صدمتنا الأخبار التي توالت علينا من القنال الإنجليزي بين بريطانيا وفرنسا، والتي تأكد من خلالها غرق أكثر من 31 إنسان حاولوا عبور القنال الإنجليزي للوصول إلى بريطانيا من أجل تقديم اللجوء السياسي والبحث عن ملاذ آمن وحياة كريمة.
كلاجئ سياسي، عشت تجربة مشابهة، عندما تضطرك الظروف القهرية ويدفعك الظلم والقمع الذي يمارسه نظام بلدك إلى اختيار طريق الموت والمجازفة بكل شيء وراءك في مقابل الشعور بالأمان والحماية. هذا ما فعله هؤلاء أثناء رحلتهم للموت غرقا في مياه القنال الإنجليزي، ولا يمكن لأحد أن يلومهم على هكذا اختيار، لأنه ببساطة لا وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل ولا الحكومة الفرنسية تعرف شيئا عن ويلات الحرب في سوريا وآثار البراميل المتفجرة في درعا، لا أحد من هؤلاء يعلم شيئا عن الذين يموتون قهرا داخل سجون السيسي في مصر كل يوم، أو عن هؤلاء الذين راحوا ضحصية الحرب السعودية الإماراتية في اليمن، لن يعرف هؤلاء شيئا عن ويلات الخدمة العسكرية الإجبارية في إرتريا، وعن أعمار الشباب والفتيات التي تذهب ضحية جرائم الأنظمة القمعية في العالم.
لم يترك لنا هؤلاء أي خيار آخر.. يدعمون الأنظمة العسكرية بالمال والسلاح، ثم يتساءلون لماذا تفرون وتطلبون اللجوء في أراضينا؟
لم يترك لنا هؤلاء أي خيار آخر.. يدعمون الأنظمة العسكرية بالمال والسلاح، ثم يتساءلون لماذا تفرون وتطلبون اللجوء في أراضينا؟ هل يعلم هؤلاء عن الدكتور حمدي حسن الذي مات داخل سجون السيسي بعد أن اعتقلوه في سجن العقرب ومنعوه من الزيارة أو رؤية أهله على مدار ثماني سنوات؟ قطعا لا، ولكنهم يصدعون رؤوسنا بالحديث عن قيمهم السامية واحترامهم للديمقراطيات وحقوق الإنسان، وهم أبعد ما يكون عن ذلك.
خلاصة الأمر للأسف، إما أن تعيش مقهورا في بلدك مظلوما داخل أحد سجونها حتى يقتلك الإهمال الطبي وتلفظ أنفاسك الأخيرة داخل زنزانة حقيرة لا تصلح للحيوانات، وإما أن يحالفك الحظ فتؤمن رحلة للخروج من بلدك وتقترب رويدا رويدا من محطتك الأخيرة للنجاة لتصطدم بوزيرة متعنتة مثل بريتي باتيل؛ تؤدي بك للعبور في قارب مطاطي لتنتهي قصتك غريقا في مياه القنال الإنجليزي البادرة.. أو أن تكون من سعداء الحظ الذين وصلوا إلى أوروبا أو بريطانيا وتحصلوا على حق اللجوء السياسي وتظن أنك نجوت؛ ثم تفاجأ باللواء الإماراتي أحمد الريسي رئيسا للإنتربول فيلقي القبض عليك أثناء سفرك ويعيد تسليمك إلى نظام بلدك القمعي مرة أخرى.
منظومة عالمية يحكمها النفاق والتشدق بالشعارات الزائفة، وحقيقة باتت دامغة أن هذا العالم لم يعد مكانا آمنا.