هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: مذكرات حرب أكتوبر
الكاتب: الفريق سعد الدين الشاذلي
الناشر: دار بحوث الشرق الأوسط، سان فرانسيسكو
ظل هذا الكتاب منفياً بعيداً عن وطنه طيلة أكثر من ثلاثين عاماً، مطارداً كصاحبه الذي رفض الصمت، وضحى بمنصبه ورغد عيشه وقال كلمة الحق في وجه السلطان الجائر، فكان نصيبه النفي والهروب من الملاحقة، وأخيراً تسليم نفسه ليقضي عقوبة بالسجن بدلاً من تكريمه عن حرب شهد لها الجميع بأنها معجزة حربية، وعملاً من أروع الأعمال العسكرية في العالم.
لكن، بعد هذه السنوات والقيود، خرجت الحقيقة من قمقمها وكسرت الأغلال والقيود عن الشعب المصري، وقالت الأيام كلمتها وتبدلت الأماكن، فصار الكتاب حراً طليقاً وصار سجانوه أذلاء في حياتهم وموتهم.. لنرى في قصة هذا الكتاب وما كُتب في سطوره عبرة الأيام، وعظمة الجندي المصري وعبقريته وصموده، جندياً وقائداً.
على الرغم من صدور كتب كثيرة عن حرب تشرين أول (أكتوبر) 1973 بين العرب وإسرائيل، فما زال هناك الكثير من الحقائق الخافية، التي لم يتعرض لها أحد حتى الآن، كما أن ثمة حقائق أخرى قام بعضهم بتشويهها، أحياناً عن جهل، وأحياناً أخرى عن خطأ متعمد لإخفاء هذه الحقائق، ومن بين الموضوعات التي ما زالت غامضة تبرز التساؤلات الآتية:
لماذا لم تقم القوات المصرية بتطوير هجومها نحو الشرق بعد نجاحها في عبور قناة السويس؟ ولماذا لم تستول على المضائق في سيناء؟
هل حقاً كان من تصور القيادة العامة للقوات المسلحة المصرية أن يقوم العدو بالاختراق في منطقة الدفرسوار بالذات؟ وأنها أعدت الخطة اللازمة لدحر هذا الاختراق في حالة وقوعه؟
كيف تطور اختراق العدو في منطقة الدفرسوار يوماً بعد يوم؟ من المسؤول عن حصار الجيش الثالث؟ هل هم القادة العسكريون أم القادة السياسيون؟ كيف أثر حصار الجيش الثالث على نتائج الحرب سياسياً وعسكرياً، لا على مصر وحدها بل على العالم العربي بأسره؟
في هذا الكتاب، أجاب "الفريق سعد الدين الشاذلي" الذي كان يشغل منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية لمدة امتدت من أيار (مايو) 1971 (29 شهراً قبل بداية الحرب) وحتى 12 كانون أول (ديسمبر) 1973 (سبعة أسايبع بعد وقف إطلاق النار)، عن هذه الأسئلة الفاصلة والمحورية في تلك الحرب، بل في الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وإعطاء صورة حقيقية للأعمال المجيدة والمشرفة التي قام بها الجندي المصري في هذه الحرب، مستعيناً بلغة الأرقام والتحليل العلمي للعوامل المحيطة بها.
بدأ الفريق الشاذلي الكتاب بوضع مقارنة بين أحوال القوات المصرية والصهيونية في الفترة التي تقلد فيها منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، وذكر بمجمل تفصيلي كيف كانت دولة الكيان تتفوق تفوقا ساحقاٌ على مستوى سلاح القوات الجوية، وكيف أن سلاحي المدفعية والبحرية كانا التفوق الوحيد للقوات المصرية، لكن حتى هذا التفوق البحري والمدفعي كان معرضاً للخطر بسبب قدرة الطيران الصهيوني على ضرب القطع البحرية المصرية حتى في قلب الميناء بدون أي اشتباك بحري.
بعد ذلك انتقل الشاذلي للحديث عن الخطط العسكرية والتفكير المصري المرحلي أثناء معركة الاستنزاف، والخطة الدفاعية التي كانت تطبق آنذاك، وذكر مراحل تطور الخطط التي كانت تحتاج لأسلحة لم تكن متواجدة وما زالت تنتظر إمدادات السلاح من الاتحاد السوفييتي، وذكر كيف استقر الرأي على عملية العبور المحدودة، ومن ثم الوقوف وقفة تعبوية انتظارا لما تسفر عنه الأمور ومن تطور قدرات القوات المصرية بعد ذلك لتطوير الهجوم شرقا لاحتلال المضايق واستكمال تحرير سيناء.
مشكلات العبور وكيف تم التغلب عليها:
فتح الثغرات في الساتر الترابي:
كانت المشكلة الأولى والرئيسية هي فتح ثغرات في السد الترابي حتى يمكن من خلالها عبور دباباتنا وأسلحتنا الثقيلة سواء عبر المعديات أو الكباري، وعن كيفية التغلب على هذه المشكلة، يقول الفريق الشاذلي في (صفحة 60): "في خلال يونيو 1971، أخبرني اللواء جمال أن أحد ضباط المهندسين يقترح فتح الثغرة في الساتر الترابي بأسلوب ضغط المياه، وأنه قد مارس هذا العمل عندما كان يعمل في السد العالي، وكانوا يفتتون الصخر بقوة اندفاع المياه. كانت الفكرة سهلة وبسيطة ولا ينقص إلا تجربتها، وقبل انتهاء شهر يونيو حضرت أول تجربة لاختبار هذه الفكرة، استخدم المهندسون في هذا البيان ثلاث مضخات مياه صغيرة إنجليزية الصنع، وكانت النتيجة رائعة، كان واضحاً أنه كلما زاد ضغط الماء زادت سرعة تهايل الرمال وبالتالي سرعة فتح الثغرة، وبعد عدة تجارب اتضح لنا أن كل متر مكعب من المياه يزيح متراً مكعباً من الرمال وأن العدد المثالي في كل ثغرة هو خمس مضخات. وفي يوليو 1971، تقرر أن يكون أسلوبنا في فتح الثغرات في الساتر الترابي هو أسلوب التجريف (ضغط المياه) وقررنا شراء 300 مضخة مياه إنجليزية.. وفي خلال عام 1972 قررنا شراء 150 مضخة أخرى ألمانية الصنع وأكثر قوة من المضخة الإنجليزية، وبتخصيص 3 مضخات إنجليزية ومضختين ألمانيتين لكل ثغرة كان من الممكن إزاحة 1500 متر مكعب من الأتربة خلال ساعتين فقط، وبعدد من الأفراد يتراوح بين 10 ـ 15 فرداً فقط".
التغلب على النيران المشتعلة:
كانت المشكلة الثانية التي كان على القوات المسلحة المصرية مجابهتها هي مشكلة النيران المشتعلة فوق سطح الماء، وعن التغلب على هذه المشكلة يقول الفريق الشاذلي في (صفحة 62): "يجب أن نحرم العدو من فرصة استخدام هذا السلاح، إن استخدام هذا السلاح يعتمد على ثلاثة أجزاء: خزانات تسع الواحدة منها 200 طن من المواد المشتعلة، أنبوبة تصل ما بين هذه الخزانات وسطح مياه القناة، ثم وسيلة سيطرة تشمل الفتح والإشعال. فلو أمكننا إفساد أي من هذه الأجزاء لفشل العدو في استخدام هذا السلاح، كانت الخزانات مدفونة دفناً جيداً في الرمال ومن المشكوك فيه إمكانية تدميرها بواسطة المدفعية، كانت الأنابيب التي تنقل السائل هي الأخرى مدفونة ومن الصعب الوصول إليها... فلو أمكننا أن نسد هذه الفتحات قبل بدء العمليات لفسدت خطة العدو في استخدام هذا السلاح تماماً، لذلك يجب علينا كجزء من التخطيط أن نغلق هذه الفتحات وأن نضرب الخزانات بالمدفعية أثناء فترة تحضيرات المدفعية التي تسبق عملية الهجوم، وبالإضافة إلى ذلك فإنه يمكننا إرسال جماعات تخريب لتدمير هذه الخزانات قبل المعركة وخلالها، وكان علينا عند انتخاب نقط العبور أن نختارها بحيث تكون فوق اتجاه التيار، حيث أن هذا السائل المحترق يعوم مع التيار، وبالتالي فإنه يعتبر عديم المفعول ضد أي قوات تعبر من فوق اتجاه التيار".
تجهيز أفراد المشاة بمعدات خاصة:
يقول الفريق الشاذلي في (صفحة 68): "بحلول يوليو 1972، كان قد تم تجهيز جميع وحداتنا من المشاة بأجهزة الرؤية الليلية.. ومن بين ذلك النظارات السوداء المعتمة وسلالم الحبال، فأما النظارات السوداء فهي مصنوعة من زجاج سميك معتم من نوع الزجاج الذي يستخدمه عمال لحام الأوكسجين، وذلك حتى يلبسه الأفراد عندما يستخدم العدو أشعة Zenon البالغة القوة في تعميتهم، قد تعلمنا هذا الدرس خلال حرب الاستنزاف عندما كنا نبعث برجال الصاعقة لاصطياد دبابات العدو، وبعد عدة لقاءات ناجحة استخدم العدو الضوء الباهر المركب على دباباته في شل أبصار جنودنا فكان ردنا على ذلك هو أن يلبس الجندي هذه النظارة ثم يوجه قذيفته إلى مصدر الضوء فيدمره. أما سلم الحبال فهو يشبه السلالم المستخدمة في الوحدات البحرية، أجنابه من الحبال لكن درجاته من الخشب، يسهل طيه وحمله ثم فرده على السد الترابي وبذلك يستطيع جندي المشاة أن يتسلق الساتر الترابي دون أن تغوص قدماه في التراب، كما أنه بوضع سلمين متجاورين نستطيع أن نجر مدافعنا وعربات الجر التي ترافقنا فوق هذا الساتر دون أن تغوص عجلاتها في الرمال".
السيطرة على عملية العبور:
عبور مانع مائي شبيه بقناة السويس هو عملية بالغة التعقيد وتحتاج إلى إجراءات دقيقة وتفصيلية، وإذا لم تتم هذه الإجراءات طبقاً لنظام دقيق وتحت سيطرة حاسمة من الإنضباط فإن العملية بأكملها قد تتحول إلى فوضى عارمة، لذلك يقول الفريق الشاذلي في (صفحة 70): "لقد قسمنا وحدات المشاة المكلفة بالعبور إلى مجموعتين: المجموعة الأولى هي مجموعة المترجلين الذين يقتحمون القناة في قوارب مطاطية ثم يعتمدون على أرجلهم في التحرك بعد وصولهم إلى الشاطئ الآخر، أما المجموعة الثانية فتشمل الوحدات والأطقم ذات الأسلحة الثقيلة التي تنتظر على الجانب الغربي إلى أن يتم فتح الممرات في السد الترابي وتشغيل المعديات والكباري".
كيف تطور اختراق العدو في منطقة الدفرسوار يوماً بعد يوم؟ من المسؤول عن حصار الجيش الثالث؟ هل هم القادة العسكريون أم القادة السياسيون؟ كيف أثر حصار الجيش الثالث على نتائج الحرب سياسياً وعسكرياً، لا على مصر وحدها بل على العالم العربي بأسره؟
تحدث الشاذلي بعد ذلك عن أوضاع القوات البحرية ووضع العمليات والتفوق الواضح فيها للجانب المصري، من حيث الكم والكيف خلال الفترة ما بين 1967 ـ 1973، وأكد أن استغلال هذا التفوق الواضح كان ضعيفا بسبب تفوق طيران العدو الذي كان يحتم على القوات المسلحة التحرك ليلا في معظم الأحيان.
تحدث الشاذلي بعد ذلك عن خطة التعبئة المصرية، وكيف كانت غير فعالة وتفتقر إلى الحداثة واستخدام التكنولوجيا، بل كانت بيروقراطية شديدة البدائية، وكيف عقد مقارنات ودراسات بين النموذجين السويدي والصهيوني واستخرج خطة تعبئة طبقت وساهمت في خطة الخداع الإستراتيجي، وكذلك امتصاص الغضب الناتج عن زيادة سنوات الخدمة لدى قطاع كبير من المجندين إجباريا.
أوضح الشاذلي بعد ذلك كيف كان التدريب العملي والمشاريع الميدانية هي الأسلوب المتبع للتدريب، فالمعلومات النظرية كانت محل تقدير، لكن لم يستخدم تكتيك أو سلاح ما، بدون المرور بالعشرات من الاختبارات، مرورا بتدريب عملي وميداني على ظروف مشابهة للظروف التي سيشترك بها في المعركة، وكيف كان أسلوب تطعيم خبرات القتال عن طريق الممارسة العملية في عمليات ضد العدو هو الفكر السائد آنذاك في تدربيات القوات المسلحة لأفرادها.
لكن، أهم ما في الكتاب هو قضية "ثغرة الدفرسوار"، وكيف تسببت قرارات السادات أثناء سير عمليات حرب أكتوبر 1973، بحصار الجيش الثالث، وإجهاض النصر العسكري.
وقد شرح الفريق الشاذلي بالتفصيل موضوع الثغرة في الصفحات من 351: 396، ويمكن تلخيص أهم ما ذكره بأن: الخطة المصرية عام 1973، كانت تتضمن تدمير خط بارليف والتوقف للدفاع 15 كيلو شرق القناة فحسب، وذلك لضعف قواتنا الجوية، وعدم توافر الدفاع الجوي الصاروخي خفيف الحركة، فهناك تفوق جوي معاد، ونحن نعتمد على الصواريخ المضادة المتمركزة على مسافة 5 كم غرب القناة، والتي يصل مداها إلى مسافة 20 كم، وبالتالي فإن أي تقدم لقواتنا خارج مظلة الدفاع الجوي الصاروخي الثقيل، المتمركز غرب القناة، ستكون فريسة سهلة لطيران العدو.
ولذلك فإنه قد عارض بشدة قرار الرئيس السادات بتقدم قواتنا نحو المضائق يوم 14 أكتوبر، والذي كان يقضي بدفع الفرقة الرابعة المدرعة والفرقة 21 المدرعة، اللتين كانتا تتمركزان غرب القناة لصد أي اختراق يقوم به العدو، وكان يؤيد الفريق الشاذلي في هذا الرأي كلاً من قائد الجيش الثاني، وقائد الجيش الثالث، ولكن السادات، بالرغم من ذلك، أصر على رأيه بتقدم كلتا الفرقتين نحو المضائق، على الرغم من ضعف الدفاع الجوي مقارنة بما لدى العدو، الأمر الذي أدى إلى فشل هجوم قواتنا يوم 14 أكتوبر، كما توقع القادة العسكريون، وأصبحت الضفة الغربية للقناة خالية من أي قوات مدرعة يمكنها أن تتصدى لأي قوات معادية تقوم باختراق خطوطنا الدفاعية، فخسرنا، في ساعة واحدة، 250 دبابة من 400 دبابة، في حين أن خسائرنا في العبور والأيام الثمانية السابقة لم تتعد 50 دبابة.
الخطيئة الثانية، أنه كان من المفترض، طبقاً لرأي الفريق الشاذلي، أن تعود هذه القوات إلى مكانها غرب القناة، بعد فشل هجوم يوم 14 أكتوبر، ويعاد تنظيمها، لكن السادات، رفض ذلك، مع علمه بقيام طائرة تجسس أمريكية يوم 13 أكتوبر بتصوير الموقع غرب القناة، ورصدها لخلو الضفة الغربية للقناة من أي قوات مدرعة، ثم عادت هذه الطائرة، مرة أخرى، يوم 15 أكتوبر، وصورت كل الموقع، دون أن تتعرض لها صواريخنا، لأنها كانت تسير على ارتفاع 30 كم، بينما أقصى مدى لصواريخنا هو 20 كم فقط، كانت هذه الطلعة الاستطلاعية إنذاراً للقيادة المصرية بأن العدو يمكنه أن يقوم باختراق الجبهة وهو مطمئن تماماً، وأنه يتحتم علينا أن نسحب الفرقة 21 المدرعة، والفرقة الرابعة المدرعة إلى غرب القناة، ولم يضيع العدو الوقت، وبدأ عملية اختراق مواقعنا خلال ليلة 15/16 أكتوبر، ونتيجة خطيئة السادات هذه نجح العدو في العبور بقواته إلى غرب القناة، واستمر في توسيع الثغرة يوماً بعد يوم.
احتدم الخلاف بين الفريق الشاذلي والرئيس السادات، مرة أخرى، حول أسلوب القضاء على الثغرة، فقد كان الشاذلي يريد أن يعيد الاتزان إلى مواقعنا الدفاعية، بأن يسحب جزءاً من قواتنا المدرعة من شرق القناة إلى غربها، لكي يستخدمها في تصفية الثغرة، فمن وجهة نظره أن اللواء 25 المدرع كان مدرباً قبل بدء القتال على تدمير العدو إذا نجح في اختراق منطقة الدفرسوار، أي أن ضباط وجنود اللواء كانوا على دراية كاملة، وإلمام تام بطبيعة الأرض التي سوف يقاتلون عليها، كما أن قيامنا بتوجيه الضربة الرئيسية غرب القناة يضمن لنا إتمامها تحت مظلة الدفاع الجوي، أما إذا قمنا بها في الشرق فسوف تتم خارج هذه المظلة.
على الرغم من وضوح هذه النقاط بشكل صارخ، لأي قائد عسكري، فقد عارض الرئيس السادات، بشدة، سحب أي قوات من الشرق، بزعم أن سحب أي قوات من الشرق يؤثر على الروح المعنوية لقواتنا، كما أن السادات سيلقي خطاباً أمام مجلس الشعب، يوم 16 أكتوبر، فلا يريد أن يحدث انسحاب في اليوم الذي قبله، ونتيجة لذلك، نجح العدو الصهيوني في تدمير اللواء 25 المدرع بالكامل، يوم 17 أكتوبر، كان هذا اللواء عبارة عن 90 دبابة، لم ينج منه إلا 7 دبابات، كما نجح العدو في توسيع الثغرة، إلى أن تم حصار الجيش الثالث، ومدينة السويس.
اتهم الفريق الشاذلي في كتابه الرئيس السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين به من العسكريين وتدخله المستمر في الخطط العسكرية أثناء سير العمليات على الجبهة أدت إلى التسبب في الثغرة وتضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة وتدمير حائط الصواريخ وحصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي.
كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس أنور السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الإشتباك الأولى، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس أنور السادات بإساءة استعمال سلطاته.
وهذا الكتاب هو الذي أدى إلى محاكمة الفريق الشاذلي غيابيا في عهد محمد حسني مبارك عام 1983 بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاث سنوات مع الأشغال الشاقة ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانوني وتجريده من حقوقه السياسية.
في مساء 14 آذار (مارس) 1992، عاد الفريق الشاذلي إلى مصر بعد أن قضى 14 سنة منفياً في الجزائر منها سنتان في عهد الرئيس أنور السادات، و12 سنة في عهد الرئيس حسني مبارك، قبض عليه فور وصوله مطار القاهرة وصودرت منه جميع الأوسمة والنياشين وأجبر على قضاء مدة الحكم عليه بالسجن الحربي لأن الأحكام العسكرية ليس بها استئناف ولا نقض ولا تسقط بالتقادم، وجهت للفريق للشاذلي تهمتان:
التهمة الأولى: هي نشر كتاب بدون موافقة مسبقة عليه، واعترف الفريق الشاذلي بارتكابها.
التهمة الثانية: هي إفشاء أسرار عسكرية في كتابه، وأنكر الشاذلي صحة هذه التهمة الأخيرة بشدة، بدعوى أن تلك الأسرار المزعومة كانت أسرارًا حكومية وليست أسرارًا عسكرية. طالب الفريق الشاذلي أن تتم إعادة محاكمته وبشكل علني إلا أن طلبه قد رفض.
في بداية أكتوبر 1993، تم الإفراج عن الفريق الشاذلي عن طريق عفو عام، وبعد خروجه عاش منعزلاً بعيدًا عن الناس. وعاد لقريته وخصص أرضا كوقف للإنفاق على مسجد، وعاش كخبير استراتيجي، يكتب ويحلل كل ما يدور على الساحة، حتى توفاه الله يوم 10 فبراير عام 2011، وقد جاءت وفاته في خضم ثورة 2011 في مصر، وقام ثوار ميدان التحرير بأداء صلاة الغائب على روحه، وقد شيّع في جنازة عسكرية وشعبية مهيبة حضرها آلاف الضباط والجنود من أفراد القوات المسلحة بعد صلاة الجمعة. وقد تقدم المشيعين الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في السويس إبان حرب أكتوبر، وكانت جنازته في نفس اليوم الذي أعلن فيه عمر سليمان تنحي الرئيس محمد حسني مبارك عن منصبه كرئيس للجمهورية.