يشير
الخبير في شؤون الخليج سايمون هندرسون، إلى أن
السعودية تحتل المرتبة الأولى على صعيد
الدول التي شهدت التغيير الأكبر في الشرق الأوسط، خلال العشرين سنة
الماضية، لكنه يستدرك بأن تلك التغيرات لم تأت على العوامل الأساسية للسياسة
السعودية.
مدير
برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن للدراسات، يشير أيضا إلى أن قراءة
المشهد السعودي يمكن أن تربك حتى أكثر الخبراء تمرساً، وذلك بسبب جو الغموض الذي ما زالت تحتفظ به المملكة، وربما يكون هذا هو الأبرز الذي لم يتغير فيها.
يحاول
هندرسون، المتخصص في شؤون الطاقة والدول العربية المحافظة في الخليج العربي، قراءة
التغيرات الحاصلة في المملكة خلال عشرين عاما، ويتناول ذلك في تقرير له على موقع "
معهد
واشنطن" من عدة زوايا.
دور
محمد بن سلمان
يرى
هندرسون أن السعودية شهدت تحولاً في السنوات العشرين الماضية، ولا سيما في ظل نفوذ
محمد بن سلمان الذي لم يبرز كجهة فاعلة أساسية سوى في عام 2015 عندما أصبح والده ملكاً،
وجرى تعيينه وزيرا للدفاع. وهو مهندس "الرؤية 2030"، وهي خطة طموحة لتحويل
البلاد على الصعيديْن الاجتماعي والاقتصادي. في المقابل هناك تراجع في نفوذ القيادة
الدينية، والتي يبدو أنها قبلت بتراجع مكانتها ونفوذها.
ولكن
على الرغم من الحملة النشطة للعلاقات العامة، إلّا أن أنشطة محمد بن سلمان اقترنت أيضاً
بتكلفة على سمعته، ولا سيما قتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018. كما
أن حادثة احتجاز عدة مئات من رجال الأعمال السعوديين البارزين وابتزازهم مالياً في
فندق "ريتز-كارلتون" في الرياض عام 2017 شكلت أيضاً - ولا تزال إلى حدّ ما
- جرس إنذار بالنسبة لبعض المستثمرين الأجانب.
في
ملف الديمقراطية يرى هندرسون أن التحوّل الذي تشهده المملكة لا يتوجه بأي شكل من الأشكال
نحو الديمقراطية. فحكم المملكة لا يزال استبدادياً، حيث إن توسيع نطاق الحقوق المدنية
هو هدية من الحاكم وليس استجابة للضغوط.
العلاقات
مع الولايات المتحدة
بالنظر
إلى أن خمسة عشر شخصاً من خاطفي الطائرات التسع
عشرة في 11 أيلول/ سبتمبر كانوا سعوديين، فقد صمدت العلاقات بين الحكومتين في واشنطن
والرياض أمام الأزمة الأساسية أيضاً. ومع ذلك فإن ذكريات اعتداءات 11 أيلول/ سبتمبر لا
تزال ماثلة في الأذهان بالنسبة للكثيرين وهناك شك كبير حول إنكار السعوديين في تورط الحكومة
أو معرفتها بذلك.
أما
قضية خاشقجي فتطرح تحدياً آخر. فالبيت الأبيض في عهد بايدن لا يتواصل بشكل مباشر مع
محمد بن سلمان بل إنه يترك أمر العلاقات لنظيره وزير الدفاع لويد أوستن.
سياسة
النفط
يقول
هندرسون إن المسؤولين السعوديين يقرون في المجالس الخاصة بأن "رؤية 2040"
قد تكون تسمية أفضل من "رؤية 2030" ولكن في الوقت الحاضر، يستمر الوهم القائم.
وأدى
تطور جديد، أثار قلق الجمهور بشأن المناخ، إلى تنشيط الكتّاب في السعودية نحو زيادة التفاؤل بشأن الخط الذي ينتهجه محمد بن سلمان. وفي آب/ أغسطس، قدّم مقال نشرته
صحيفة "فاينانشال تايمز" وجهة نظر أكثر تشككاً وربما أكثر دقة. وجاء في العنوان
"البدء بتنفيذ خطط السعودية الضخمة للمناخ يواجه صعوبات"، أما العنوان الفرعي
فكان "المشككون يتساءلون حيال إمكانية وفاء المملكة فعلياً بوعدها بقيادة «الحقبة
الخضراء التالية»". وعليه، فإن "المبادرة الخضراء" التي أعلنها
محمد بن سلمان في آذار/ مارس 2021، لم تحرز تقدماً.
زعامة
العالم الإسلامي
بالإضافة
إلى مكانة المملكة في الشرق الأوسط وسمعتها كأكبر مصدّر للنفط، افتخرت السعودية بحقيقة
أن أراضيها تضمّ المدينتين المقدستين مكة والمدينة، اللتين تعتبران أهم وجهتين للحجاج
المسلمين. ومن بين أدوارها الثلاثة، يعتبر الدور الديني الأهم بالنسبة لمعظم السعوديين،
على الأقل في الماضي. وقد ساهمت حقبة تفشي فيروس "كورونا" في تراجع كبير في
عدد الحجاج المسموح بدخولهم، لكن السلطات تفتخر بحسن سير الترتيبات التي اتخذتها. ويتولى
العلماء - أي القيادة الدينية - إدارة هذه التفاصيل، وهم الذين كانوا قبل 20 عاماً
شركاء أساسيين. ولكن هذا الواقع قد تغيّر: فقد تراجعت سلطتهم كثيراً، وكذلك السلطة
الأوسع لآل سعود. وبشكل أساسي، فإن المملكة تخضع للاحتكار الثنائي للملك سلمان/محمد بن
سلمان.
السياسة
الاجتماعية المحلية
أحياناً
يشعر الزوار الأجانب في الرياض بالسرور حيال التخفيف من تشدد الأعراف السابقة التي
لاحظوها. فبعض النساء يواصلن ارتداء الحجاب في حين أن بعضهن يرتدين الزي الغربي. كما
أن الأشخاص الذين لا تجمعهم صلة قرابة من الجنسيْن يتخالطون في المقاهي. كذلك، لم يعد
أحد يلمح عناصر الشرطة الدينية [هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] التي كان الجميع
يخشاها فيما مضى. وبما أنه أصبح الآن يحق للنساء قيادة السيارة، فقد تكون إمرأة هي
سائق سيارة الأجرة المحلية الموازية لـ"أوبر". إلّا أن ذلك يحصل في الرياض
ومدن كبرى أخرى حيث باستطاعة الطبقة المتوسطة الميسورة وأبنائها على الأقل "الاتصال
بالإنترنت" بشكل كامل وحتى إنهم يعيشون داخل نمط غربي. ولكن ما الذي يحصل في المدن
الصغيرة الأكثر تقليدية والواقعة ضمن المحافظات؟ لا تزال التقارير في هذا الخصوص غير
دقيقة.
السياسة
الاقتصادية المحلية
يبقى
تحوّل الاقتصاد السعودي عملاً مستمراً. فلا يزال هناك اعتماد على قوة عاملة أجنبية
كبيرة رغم ورود تقارير منتظمة عن توقيف عمال غير قانونيين وترحيلهم. ويبدو أن التقارير
المحلية السعودية حول التغييرات مليئة بـ"الكلام المعسول". فالشباب يريدون
وظائف والحصول على فرصة لإيجادها. وربما يكون الواقع أكثر دقة في درجات الاختلاف. فالأسعار
ترتفع والدعم الحكومي ينخفض. والمواطنون بحاجة إلى وظائف للحفاظ على مستوى معيشتهم.
وربما ما يثير القلق أن الدليل الأوضح على التحول الاقتصادي هي خطط بناء "نيوم"،
المدينة المستقبلية التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار. وفي الوقت الحالي، لا يزيد
حجم المشروع عن مجرد مطار وقصور جديدة للعاهل السعودي، ومحمد بن سلمان، وعدد قليل من
أفراد العائلة المالكة، ولكنه يدعو للشك بسبب طموحاته والاعتقاد الواضح بأن الناس سيرغبون
بالفعل في العيش والعمل هناك.
العلاقات
مع الاحتلال الإسرائيلي
يشير
هندرسون إلى أن العلاقات الاستخباراتية بين الرياض وتل أبيب قائمة منذ سنوات، ويعود
تاريخها إلى ما قبل عام 1977، عندما بدأ رئيس الاستخبارات الأمير تركي الفيصل منصبه
الذي بقي فيه لفترة طويلة. ومؤخراً، اعتاد البريطانيون تسهيل إقامة حفلات عشاء لكلا
الجانبين في أحد فنادق لندن. وكانت التجارة عنصراً أساسياً في العلاقة بينهما. أما
الأمن، فشكل بعداً متزايداً.
وقد
أدت برامج التجسس الإسرائيلية المبلغ عنها، والتي أفادت بعض التقارير بأنها استُخدمت
لمراقبة شركاء جمال خاشقجي، إلى الجمع بين الجانبين. لكن العلاقة لم تكتمل بعد. ويُعتبر
الملك سلمان العقبة أمام ذلك.
العلاقات
الإقليمية
قبل
عام، عند توقيع "اتفاقيات أبراهام" بين الاحتلال الإسرائيلي والإمارات والبحرين،
بدت الخطوط الفاصلة في المنطقة واضحة. وقد تم تصنيف الدول "المعتدلة" على
أنها الإمارات والبحرين والسعودية ومصر والأردن وإسرائيل. فقد كانت ضد إيران وجماعة
"الإخوان المسلمين". أما تركيا وقطر، فلم تستحقا لقب الاعتدال، لكنهما لم
تكونا في الوقت نفسه في معسكر إيران و"الإخوان المسلمين". بيد أنه، في كانون
الثاني/ يناير، وفي خطوة أثارت استياء واضحا من الإمارات والبحرين، قاد محمد بن سلمان
مصالحة مع قطر، التي كان قد تمّ نبذها منذ ما يقرب من أربع سنوات. وخلال الشهرين الماضيين،
كانت السعودية تتواصل مع كل من إيران وتركيا.
وعلى
صعيد آخر، يبدو أن أفغانستان ضربت بالفرضيات السابقة عرض الحائط. فمجدداً، يتم التشكيك
في درجة الدعم الذي يمكن أن تتوقعه دولة خليجية من واشنطن. ويبدو أن السعودية قد تخلت
عن دورها التقليدي كزعيمة لدول الخليج، ما سمح فعلياً لقطر الصغيرة بالحصول على أكبر
قدر من الفضل في مسألة الدبلوماسية المخادعة مع حركة "طالبان" واستضافة الأشخاص
الذين تمّ إجلاؤهم مؤقتاً. وفي المقابل، كانت الرياض "مختفية"، ولم تقدّم
أي تفسير بشأن عدم إرسال طائرة واحدة على الأقل لإجلاء المدنيين. ويتساءل هندرسون:
هل كان محمد بن سلمان بانتظار أن يُطلب منه ذلك؟ ويشير إلى أن أحد كبار المسؤولين السعوديين
السابقين أخبره بذلك. أم هل أرادت الرياض فقط النأي بنفسها عن كل هذه الفوضى؟
وإذا
صح السيناريو الأخير، يقول هندرسون، فإن ذلك يشير إلى أن المملكة أكثر توتراً بشأن
مكانتها في المنطقة والعالم الإسلامي مما قد تشير إليه الإنجازات التي حققتها في السنوات
الست الماضية أو أكثر.