هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "إيكونوميست" تقريرا قالت فيه، إن الانتخابات يفترض أن تكون طريقة سلسة لتغيير السلطة، ولكن في العراق يبدو أنها تُصعد الأعمال العدائية. فقد أدت الانتخابات الأخيرة إلى تقسيم الأغلبية الشيعية بين كتلتين متناحرتين.
وأضافت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21" أن مقتدى الصدر، رجل الدين الفظ ورجل المليشيات الذي يحظى بشعبية لدى
الطبقة العاملة الشيعية، برز كمرشح أول، حيث حصل على أكثر من 70 مقعدا من مقاعد
البرلمان البالغ عددها 329 مقعدا، وهو ما يزيد بمقدار الثلث على حصيلته في الانتخابات
السابقة، في عام 2018.
وفاز أقرب منافس شيعي، نوري المالكي، بنحو نصف هذا العدد. لكن في غضون
ساعات، شكّل المالكي، رئيس الوزراء الأسبق، تحالفا من الفصائل الشيعية والمليشيات
الصديقة لإيران، متصدرا حصيلة السيد الصدر. كلا الرجلين يدعيان أن لهما تفويضا لتشكيل
الحكومة المقبلة.
وسيعتمد الكثير على الطرف الذي يقف معه أكراد العراق والعرب السنة. وتشير النتائج الأولية إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني
لديه 32 مقعدا من أصل 63 مقعدا فازت بها الأحزاب الكردية، لذلك فإن من المحتمل أن يصنف
نفسه على أنه صانع الملوك. واحتشد الناخبون السنة، الذين كانوا أكثر انقساما في
السابق، خلف محمد الحلبوسي، رئيس مجلس النواب، ومنح حزبه "التقدم" ليحصل على 38
مقعدا.
وعادة ما تعقب الانتخابات في العراق أشهر من الجدل بين الأحزاب
الرئيسية حول من سيحصل على الوظائف الكبيرة مع السيطرة على الميزانيات الكبيرة.
لكن هذه المرة، قبل أن يتمكنوا من بدء المساومات على المناصب، كانت الكتلتان
الشيعيتان تهددان بالحرب ضد بعضهما البعض.
في خطاب النصر الذي ألقاه على التلفزيون الحكومي، تعهد الصدر بنزع سلاح الفصائل الموالية لإيران. وقال: "يجب أن تكون الأسلحة مسيطر عليها من قبل الدولة فقط"، على الرغم من أنه يرأس أحد أكبر الجيوش الخاصة في العراق.
اقرأ أيضا: مخاوف من حرب أهلية إثر خسارة "الحشد" بانتخابات العراق
وشعرت المليشيات الموالية لإيران بقلق شديد. فقد كانت نتائج ذراعهم
السياسي الرئيسي، تحالف الفتح، في الانتخابات سيئة. ووفقا للنتائج الأولية، فقد
انخفض عدد مقاعدها من 48 إلى 14 مقعدا. وقدمت كتائب حزب الله، المليشيات الأكثر
موالاة لإيران، 31 مرشحا، لكنها فازت بمقعد واحد فقط. قلة من العراقيين، على ما
يبدو، يريدون منها أن تلوح بسيوفها. ولكن بدلا من الالتفات إلى الرسالة، فقد ندد
المتحدثون باسم الجماعة بالنتيجة ووصفوها بأنها "أكبر عملية احتيال... في
التاريخ الحديث" ودعوا المليشيات إلى التجمع. وبالنسبة للبعض، فقد كان هذا
الانتشار مجرد صخب مسرحي.
بالنسبة للآخرين، كان ذلك بمثابة التحضير لإعادة سفك
الدماء كما وقع في عام 2008، عندما أرسل المالكي، رئيس الوزراء آنذاك، قوات لسحق
قوات الصدر في البصرة، ثاني أكبر مدن العراق.
التوترات الغربية مع إيران تجعل الأمور أسوأ. لقد حارب الصدر ذات مرة
القوات الأمريكية، لكنه الآن يعتبر إيران أكبر تهديدا لاستقلال العراق. وقال في
خطاب النصر الذي ألقاه إن السفارات من كل دولة أجنبية مرحب بها، بما في ذلك ضمنيا
أمريكا. على الرغم من أنه لا يزال يرفض مقابلة المسؤولين الأمريكيين، إلا أنه
يستخدم رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي كوسيط.
في الوقت نفسه، تحث إيران حلفاءها المحليين على معارضة الصدر. ووصل
إسماعيل قاآني، قائد فيلق القدس الإيراني، الجناح الأجنبي للحرس الثوري الإسلامي،
إلى العراق يوم الانتخابات. ويقول مسؤول عراقي: "لن يسلموا العراق للصدر على
طبق من ذهب".
وزادت لجنة الانتخابات العراقية من الفوضى. وأثار ادعاؤها بإقبال 9
ملايين ناخب، أو 41%، في مواجهة المقاطعة، بعض السخرية.
اقرأ أيضا: ما حقيقة تلاعب الإمارات بنتائج الانتخابات في العراق؟
خمّن بعض المراقبين أن المشاركة ربما كانت نصف ذلك. الاتحاد الأوروبي، الذي يراقب الانتخابات العراقية للمرة الأولى، ذكر انتهاكات عديدة في تقرير بعثة المراقبة التي قالت: "نسبة المشاركة المعلنة رسميا كانت منخفضة، 41%"، حيث بدت الفاصلة قبل النسبة وكأن شخصا يتنحنح متشككا من صحة الرقم. فقد تُرك ملايين الأشخاص دون إدراج في سجلات الناخبين.
وبعد أيام من التصويت، كانت لجنة الانتخابات لا تزال تغير النتائج على
موقعها على الإنترنت، مشيرة إلى مشاكل في عد الأصوات يدويا. وزعم بعض المرشحين
الخاسرين وأتباعهم أنه وقع عبث في الانتخابات وإغلاق للطرق الرئيسية بالاحتجاجات.
ودعا آخرون المؤيدين المسلحين إلى النزول إلى مكاتب اللجنة ما لم تتغير النتائج.
ومع ذلك، فإن الكآبة لا تخلو تماما من وميض أمل. الكاظمي، وهو أيضا
رئيس سابق للمخابرات، بقي بحكمة خارج المعركة. لقد انسحب من الانتخابات قبل أشهر،
لكنه يأمل في أن يتم اختياره مرة أخرى كمرشح وسط قد تتفق عليه جميع الفصائل.
واحتفل الشباب العراقيون، الذين يطلقون على أنفسهم اسم "تشرينيون" (نسبة إلى الشهر في عام 2019 عندما بدأوا احتجاجاتهم للمطالبة بتغيير شامل). وعلى الرغم من دعواتهم لمقاطعة الاقتراع، فقد فاز حزبهم الرئيسي، امتداد، مع المستقلين بنحو 20 مقعدا. وفاز نظيرهم الكردي الجيل الجديد بتسعة مقاعد أخرى. وقال أحد المتظاهرين في مدينة النجف الجنوبية متحمسا: "في الانتخابات القادمة سنكتسح المجلس"، ولكنه لو صوّت هو وأصدقاؤه، لما كانوا بحاجة إلى الانتظار للانتخابات القادمة.