يستدرج ساسة العالم حركة
طالبان المقشقشة بوصفها بالبراغماتية إلى سوبرماركت
البراغماتية، وهم حاذقون في حيلها ومكائدها. البراغماتية مديح في نشرات الأخبار وفي الأخلاق المعاصرة، وهي أحد أركان دين العالم الجديد، ولا أظنُّ أنَّ طالبان يفرحون بها، ربما يعتقدون أنها نفاق خالص. سيحاول الأمريكان العودة إلى نظرية المؤرخ البروسي كارل فون كلاوزفيتز: الحرب امتداد للسياسة لكن بوسائل أخرى، سيعودون إلى وسيلة السياسة لترويض طالبان بعد أن أخفقوا في الحرب.
البراغماتية مذهب أمريكي يعود مولده الميمون إلى قرنين ونصف، أصل المصطلح إغريقي. يبسّط لنا الصحافيون مذهب البراغماتية بأنها التعامل مع المشكلات بطريقةٍ عمليّةٍ بدلاً من الاعتماد على مبادئ النظرية. البراغماتية صفقات وتجارة؛ فيفتي فيفتي، نانينتي توينتي، "مشّي حالك"، تعلّق بالمقطورة، احشر نفسك في المركبة. قال الشاعر البراغماتي، ابن شرف القيرواني الأندلسي:
فدارِهمْ ما دمتَ في دارِهم
وأَرضهمْ ما دمتَ في أرضهمْ
بلغت بنا البراغماتية أننا نداريهم في دارنا، ونرضيهم في أرضنا، فساء عقبى الدار.
لا نعرف من أرسل المثل القائل: من تزوج أمي قلت له يا عمي، لكنه كان براغماتياً أكثر من وليم جيمس وجون ديوي وبشار الأسد، مع أن عمه تزوج أمه من غير شهود. أطول الكائنات عمراً هي الحيّة لأنها براغماتية وتبدل عباءتها كل فترة، لكنها من أشرّ الكائنات على الأرض، حتى قيل إنها أخرجت آدم من الجنة. الحرباء والأخطبوط كائنان براغمتيان، يغيران ألوانهما بل إن الأخطبوط يغير حجمه أيضا.
من قصص البراغماتية الشهيرة قصة النمور في اليوم العاشر لزكريا تامر، وفيها نجد النمر براغماتياً إلى أن ينتهي به الأمر مواطناً صالحاً. وفي قصة بلد العميان لويلز، يهرب من بلد العميان ليس من أجل
المبادئ وإنما حفظا لعينيه. أما البطولات عند العرب في الجاهلية والإسلام فجلّها إباء ورفض للبراغماتية.
سأل الحسين الفرزدق عن أهل الكوفة، فوصف له براغماتية أهل الكوفة القهرية: قلوبهم معك وسيوفهم عليك.
كان أهل الجاهلية يعرفون البراغماتية، ولكن لم يكن لها اسم، وقد عرضوا على النبي صفقة براغماتية، نجدها في أسباب نزول سورة "الكافرون"، وهي وسورة الإخلاص تسميان الْمُقَشْقِشَتَانِ، أي أنهما تبرئان من النفاق. وقال أبو عبيدة: كما يقشقش الهناء الجرب فيبرئه. والْهِنَاءُ: القطران.
وسبب نزولها أن الوليد بن المغيرة، والعاص بن وائل، والأسود بن عبد المطلب، وأمية بن خلف، لقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، هلم فلنعبد ما تعبد، وتعبد ما نعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه، وإن كان الذي بأيدينا خيرا مما بيدك، كنت قد شاركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه.
وشهير قوله عليه الصلاة والسلام: والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله، أو أهلك دونه. ويجتهد فيما دون ذلك. لا براغماتية في العقيدة والأصول، النبي الوحيد الذي اضطر إلى البراغماتية في العقيدة هو هارون عليه السلام عندما عبد قومه العجل وقد غضب موسى عليه السلام أشد الغضب وأخذ بلحيته ورأسه، لكنه بيّن عذره لأخيه موسى فعذره.
يمكن القول إن النبي عليه الصلاة والسلام عفا عمن آذاه بعد أن خلصت له السيادة على قريش ومكة، فقال اذهبوا أنتم الطلقاء. البراغماتية في السياسة الإسلامية ممكنة بعد الحصول على السيادة وليس قبلها، ويضده خلق الإيثار.
ونحن نتحدث عن الأنبياء والرسل نتذكر بولس الرسول، يصف هربرت جورج ويلز في "المختصر لأديان العالم" براغماتيته:
"قد أوتي بولس قوة عقلية عظيمة، كما كان شديد الاهتمام بحركات زمانه الدينية، فتراه على علم عظيم باليهودية والميتراسية، وديانة ذلك الزمان التي تعتنقها الإسكندرية، فنقل إلى المسيحية كثيراً من فكراتهم ومصطلح تعبيرهم"، ويرى ويلز أن التثليث استجلب من الميتراسية.
وقد انتصر طالبان لثبوتهم على دينهم، ولأنهم غير ملوثين بوسائل التواصل الاجتماعي، ولا يؤمنون بالبراغماتية، ذلك أن الحركة رفضت تسليم لاجئ لديها وهو أسامة بن لادن، مع أن الفقه الإسلامي يجيز لهم تسليمه لأن الإسلام يقدّم درء المفسدة على جلب المصلحة، وإنه لجأ إلى أفغانستان قبل تبوئها السلطة بسنة، ومع ذلك وفرت له الحماية، لكنها انتصرت وأوقعت دول الشرق والغرب المسيحية والبوذية والكونفوشية البراغماتية في مأزق، ولم يكن معها سوى بنادق قديمة، وبضع تمرات لكنها انتصرت.
تقول لنا الوقائع إن الإخوان في مصر، وحزب النهضة في تونس، وحزب العدالة والتنمية في المغرب كلهم براغماتيون وإصلاحيون وذرائعيون ناصفوا السلطة وشاركوا الفاسدين من العسكريين والحرس القديم، فلا يفنى الغنم ولا يموت الذئب، وناموا مع الثعبان في سرير واحد، فوقعت المجازر البشرية والسياسية.
البراغماتية مخادعة للذات قبل الآخر، لكنها أرحم من الداروينية، فالنظريات الغربية بعضها أولياء بعض.
يمكن أن تنحني للريح إذا هبّت، لكن إياك أن تركع لها، فلا يجوز الركوع سوى لله. قد تضطرك المقادير للقول للكلب يا سيدي لكن لا تقبلنَّ يده.
المعارضة الإسلامية العربية البراغماتية انتهت إلى مصيرين؛ إما السجون والمذابح كما في مصر، وإما إلى مسرح العبث كما في برلمان تونس، وانتخابات المغرب التي انتهت بهم من منزل عالٍ إلى خفض.
دول كثيرة تلحُّ على طالبان التي قشقشت المستعمرين على أن تكون براغماتية، وتدعوها إلى الحكومة الشاملة مثل حكوماتنا، وقد خلصت لها السيادة على أفغانستان، لكنها لا تزال بحاجة إلى اعتراف دولي بهذه السيادة، وعسى أنهم بلغوا سن الرشد.
يقولون إن الشجرة خضراء والنظرية رمادية، وهذا ينطبق على النظريات البشرية القاصرة التي يفصّلون منها دساتير وقوانين. زعماؤنا العرب براغماتيون يغيرون الدساتير من أجل منافعهم وليس من أجل منافع الأمة.
إنَّ أبطال الأفلام الأمريكية والسينما هي مصدر ثقافة الأمريكان، جميعهم براغماتيون في مصالحهم ونوازعهم، استئصاليون مع خصومهم. فقد أباد الأمريكان سكان أمريكا الأصليين، وألقوا قنبلتين على اليابان وهربوا تاركين أسلحتهم وعتادهم لأنهم براغماتيون، خائفون على أرواحهم، فخلّفوا كثيراً من العتاد لم يتح لهم الوقت لنقله، أو إتلافه. أما أبطال العرب في الجاهلية والإسلام فكلهم ماتوا على الإباء والمروءة والإيثار، وأبوا البراغماتية.
"لا تَكونوا إمَّعةً، تقولونَ: إن أحسنَ النَّاسُ أحسنَّا، وإن ظلموا ظلَمنا، ولَكن وطِّنوا أنفسَكم، إن أحسنَ النَّاسُ أن تُحسِنوا، وإن أساؤوا فلا تظلِموا".
وصية لم يقلها الحكيم لقمان: كن براغماتياً مع زوجتك.
twitter.com/OmarImaromar