قالت صحيفة "
واشنطن بوست" إن هجمات 11 أيلول/ سبتمبر
2001 أدت إلى نقل
القاعدة من الغموض النسبي إلى اسم مألوف في أمريكا. فمع انهيار مركز
التجارة العالمي وجزء من البنتاغون، أصبح من الواضح أن أمريكا قد استهانت بالتهديد
الذي تشكله تلك الجماعة المتطرفة، بقيادة سعودي مغمور في أفغانستان كان يحلم بتوحيد
المسلمين وتدمير "أسطورة أمريكا التي لا تقهر".
وقد نشأ تنظيم القاعدة من علاقات ساحة المعركة التي نشأت
في التمرد الأفغاني ضد الاتحاد السوفييتي، وأعيد توجيهه نحو قتال الغرب. وتأسست في عام
1988 من قبل أسامة بن لادن، وجذبت المجموعة مجندين ساخطين عارضوا الدعم الأمريكي لإسرائيل
وديكتاتوريات الشرق الأوسط. وعندما استولت طالبان على السلطة في أفغانستان عام
1996، أعطت القاعدة الملاذ الذي مكنها من إدارة معسكرات التدريب والتخطيط لهجمات، بما
في ذلك هجمات 11 أيلول/ سبتمبر.
وأثبتت كارثة 11 أيلول/ سبتمبر أنها مصدر إلهام قوي لجيل
من المتطرفين. لكنها أثارت أيضا رد فعل كان يخشاه بعض قادة طالبان والقاعدة، الذين
قيل إنهم عارضوا مهاجمة أمريكا. وشعر معظم المسلمين في جميع أنحاء العالم بالاشمئزاز
من القتل الجماعي للمدنيين باسم دينهم. وبدلا من قلب الأمريكيين ضد التدخلات الخارجية
لحكومتهم كما كان يأمل بن لادن، فقد حشدتهم الهجمات وراء ما أصبح أطول حرب أمريكية.
ويرى باراك مندلسون، أستاذ العلوم السياسية في كلية "هفرفورد" أن القاعدة "نجحت بشكل جيد للغاية في 11 أيلول/ سبتمبر.. لقد تجاوزت توقعاتهم
ومن ثم كان من المستحيل عليهم تكرار حدث بحجم 11 أيلول/ سبتمبر".
وبعد الغزو الذي قادته أمريكا لأفغانستان في عام 2001، فر
قادة القاعدة إلى باكستان أو إيران. قتل الكثيرون أو أُسروا واختفى بن لادن من المشهد
لعدة سنوات، وعندما ظهر متحمسا لتكرار هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، أبلغه قادة الجماعة
أنه في حالة القاعدة الضعيفة، فإن مثل هذه العملية لا يمكن تصورها.
فيما سارعت سلسلة متعاقبة من رؤساء أمريكا إلى إعلان أن المجموعة
قد هزمت تقريبا، لكن القاعدة أظهرت مرونة ملحوظة، حتى بعد عقدين من الزمن. كان غزو
الرئيس جورج بوش الابن للعراق عام 2003 بمثابة هدية للتنظيم، حيث أدى إلى ظهور فرع
جديد وقوي للقاعدة هناك بقيادة أبي مصعب الزرقاوي، وهو متطرف أردني لا يرى مشكلة في
ارتكاب العنف العشوائي.
وعززت الجماعات الإسلامية في الصومال واليمن وشمال أفريقيا
العلاقات مع القاعدة، الأمر الذي أدى إلى تحول القاعدة من مجموعة متماسكة كانت مركزة
في السابق في أفغانستان وباكستان إلى شبكة ممتدة من المنظمات المحلية عبر أفريقيا وآسيا
والشرق الأوسط لامركزية أيديولوجيا وتنظيميا.
ولم تكن الفروع مفيدة تماما، فقد ضعفت قبضة قادة القاعدة
على التنظيم، وظهرت انقسامات داخل المشهد حول قضايا من بينها استخدام العنف ضد المدنيين
المسلمين.
ووجه مقتل بن لادن على يد قوات البحرية الأمريكية في باكستان،
عام 2011 ضربة للقاعدة، لكن ثورات الربيع العربي في ذلك العام قدمت فرصا جديدة للتنظيم
لتوسيع وجوده. فقد حصل التنظيم على تعهدات بالولاء من الجماعات المتورطة في حروب أهلية
في سوريا وليبيا وأماكن أخرى.
وعندما خرج تنظيم الدولة من فرع تنظيم القاعدة في العراق،
فقد سعى لأن يكون بديلا أكثر قسوة. وأعطى إعلان التنظيم عن "دولة خلافة" في العراق
وسوريا جاذبية في عيون الإسلاميين المتطرفين في جميع أنحاء العالم، الذين سافروا إلى
المنطقة للانضمام إلى التنظيم، الذي نجح في بناء "دولة" وآلة دعاية بشكل
مختلف عن أي شيء آخر حققته القاعدة.
ومع ذلك، فقد تمكنت القاعدة من التمسك بفروعها، على حد قول مندلسون،
حيث ضمن استعداد التنظيم المركزي للاندماج في الحركات المحلية بقاءه.
إلا أن تحول القاعدة إلى القضايا المحلية أنتج مفارقة: حتى
عندما ساعدت السمعة التي اكتسبتها من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر على توسيع نطاق تواجدها
الدولي بشكل كبير، فإن فروعها الآن مهتمة بخوض المعارك في الداخل أكثر من اهتمامها
بشن الحرب ضد أمريكا.
وقال مندلسون: "لديك تنظيم قاعدة أضعف ولكن له حضور
أكبر بكثير".
وفي نفس الوقت أدت الشراكات والقدرات المتعلقة بمكافحة الإرهاب
التي تم تطويرها منذ 11 أيلول/ سبتمبر إلى تقليل التهديد الذي يواجه الغرب إلى حد كبير.
وطردت أمريكا وشركاء التحالف تنظيم الدولة من آخر أراضيها في عام 2019. ولم ينجح المتطرفون
الإسلاميون في شن هجوم داخل أمريكا منذ كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام.
ويتفق الخبراء إلى حد كبير على أن كلا من القاعدة وتنظيم
الدولة يفتقران إلى القوة لتشكيل تهديد خطير للداخل الأمريكي.
ووصف فواز جرجس، الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد، القاعدة
في أفغانستان بأنها "هيكل عظمي لما كانت عليه في السابق".
وكتبت نيلي لحود في مجلة "فورين أفيرز":
"مع ذلك، فإن من المستحيل أن ننظر إلى الوراء في العقدين الماضيين دون أن نفاجأ بالدرجة
التي تمكنت بها مجموعة صغيرة من المتطرفين بقيادة شخص يتمتع بشخصية كاريزمية من التأثير
على السياسة العالمية.. بن لادن غير العالم - فقط ليس بالطرق التي يريدها".
الآن، تحول انتباه العالم إلى طالبان. وكتبت روبن رايت في
صحيفة "نيويوركر" أن حكام أفغانستان الجدد يواصلون الحفاظ على علاقاتهم مع
القاعدة، وحققوا النصر الشهر الماضي جزئيا بمساعدة القاعدة. وقالت: "مع سيطرة
طالبان، ربما لم يغير الاستثمار الذي تبلغ قيمته تريليون دولار في حملة لاحتواء القاعدة
إلا القليل منذ 11 أيلول/ سبتمبر".
وتقدر الأمم المتحدة أن القاعدة تفتخر بوجودها في 15 مقاطعة
أفغانية على الأقل وربما بمئات الأعضاء. وابتهج تنظيم القاعدة بسيطرة طالبان. كما أن
التفجير الانتحاري الذي تبناه تنظيم الدولة في مطار كابول الشهر الماضي، والذي أسفر
عن مقتل 13 جنديا أمريكيا وما لا يقل عن 170 مدنيا، سلط الضوء على قوة فرع تنظيم الدولة
في أفغانستان.
ومع ذلك، فإنها تصر إدارة بايدن على أنها ستحتفظ بقدرات "بعيدة
المدى" لضرب أهداف في أفغانستان، كما تفعل في أماكن أخرى.
وفي تحول كبير بعد عقدين من الغزو الذي قادته أمريكا للإطاحة
بطالبان من السلطة، قال مسؤولون أمريكيون إنهم قد يتعاونون مع طالبان لمحاربة تنظيم
الدولة الذي تعتبره طالبان عدوا.
وفي ما يتعلق بعلاقة طالبان بالقاعدة، فإن هناك أسبابا للقلق. وتعهدت
طالبان بأنها لن تسمح للإرهابيين بشن هجمات على أمريكا وحلفائها من أفغانستان. لكنها
أنكرت مؤخرا أن القاعدة كانت وراء أحداث 11 أيلول/ سبتمبر وأن لها وجودا حاليا في البلاد.
بعد عقدين من أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، لم تفعل الغزوات والضربات
الصاروخية الكثير لمحاربة الأيديولوجية التي تدعم الجماعات مثل القاعدة - وفي الواقع،
ربما غذتها.
وكتبت رايت في مجلة "نيويوركر": "الخلل الرئيسي
في استراتيجية أمريكا هو الاعتقاد بأنه يمكن للقوة العسكرية أن تقضي على الجماعات المتطرفة
أو الأيديولوجيات المتطرفة".هذا الواقع، إلى جانب تحويل أولويات السياسة الأمريكية
إلى الصين، وتغير المناخ والتطرف الداخلي، أنتج إدراكا بين الكثيرين في واشنطن بأن تهديد
الإرهاب من غير المرجح أن يختفي، ولكن يمكن إدارته بحيث لا يخيم بظلاله على الحياة
في أمريكا.
وكتب دانييل بيمان، وهو موظف سابق في لجنة 11 أيلول/ سبتمبر،
في "فورين أفيرز": "بدلا من تحقيق نصر حاسم، فيبدو أن أمريكا قد استقرت
على شيء أقل طموحا: (إنجاز) جيد بما فيه الكفاية".
وأضاف: "الإرهاب لن يزول، لكن تأثيره الأكبر محسوس بشكل
رئيسي في أجزاء من العالم حيث المصالح الأمريكية محدودة".