هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "المرأة في خطاب التنوير، جريدة السفور 1915- 1925"
المؤلف: د. أحمد صلاح الملا
الناشر: مصر العربية للنشر والتوزيع، القاهرة، 2021.
يأتي الكتاب في 222 صفحة من القطع المتوسط، وينقسم إلى أربعة فصول، يسبقهما فصل تمهيدي ومقدمة، ويليهما خاتمة. جاءت المقدمة منهجية وموجزة ترسم للقارئ الخطوط الأساسية للبحث.
الفصل التمهيدي.. جريدة السفور النشأة والملامح
تناول هذا الفصل نشأة المجلة في سياق تبلور الليبرالية المصرية وأهم مفكريها، والتَمَاسا بين الفكر والسياسة في العقد الثاني من القرن العشرين وقبل انتهاء الحرب العالمية الأولى. والأزمات المالية التي تعرضت لها المجلة، خلال سنوات عشر هي عمر صدورها.
"تخيرنا اسم السفور شعارا لصحيفتنا هذه التي أردنا أن تكون صحيفة اجتماعية نقدية أدبية، تنادي بالسفور الشامل في كل أبواب التقدم والإصلاح" (افتتاحية العدد الأول 21 مايو 1915).
أوضح الباحث أن ثنائية الحجاب/ السفور، بالمجلة، تتعلق بأمرين، حجب وجه المرأة من كشفه، واحتجابها عن المجتمع من عدمه. ومع ذلك سبب اسم المجلة الصادم حفيظة الرأي العام، مع مزاعم تتهمها بالإلحاد والتبشير المسيحي...
تصدرت قضية المرأة عناوين المجلة التي فتحت بابا للنساء للكتابة فيها. استلهمت الكثير من كتابات قاسم أمين. تبنت السفور امتداد الخط الفكري لـصحيفة حزب الأمة "الجريدة" ومنظرها أحمد لطفي السيد، على المستوى السياسي تبنت الهوية المصرية الصاعدة مقابل الهوية "الإسلامية العثمانية"، ورؤية ليبرالية صارمة تمجد حرية الفرد. ورغم تأكيدها على تجنب "السياسة"، لم تلبث أن انخرطت في قضايا العصر خاصة مع اندلاع ثورة 1919.
الفصل الأول: "السفور" وقضية حجاب المرأة واختلاطها بالرجال
ناقشت "السفور" قضية الحجاب شرعيا، لتأكيد حرية المرأة في كشف وجهها والظهور الاجتماعي والاختلاط، وهو ما أدى لتحول خطابها نحو "الحجاب الشرعي"، وانغماس الكثير من الكتابات في تفاصيل الزي أكثر من عمومية القضية.
في الوقت نفسه، وانطلاقا من النسق الليبرالي الغربي، استمر مسار آخر لتفكيك ظاهرة الحجاب كظاهرة اجتماعية في جوهرها. استدلت السفور في نقاشها بسفور "الفلاحات" واختلافات تفاصيل الرداء عموما بين الوجهين القبلي والبحري، وبينهم وبين الحَضَر، وكذلك تشابه زي المرأة في كل بيئة، سواء كانت مسلمة أم قبطية.
كما فندت كل ادعاءات المؤيدين لاحتجاب المرأة، حول التحرش والانحراف، حيث برهنت على تفشي هذه الظواهر برغم الحجاب بل وأحيانا تسترا به.
الفصل الثاني.. السفور وقضايا العلاقة الزوجية
حسب رؤية الباحث، كانت مرجعية النقاش الذي تبنته صفحات السفور، حول العلاقات الزوجية في المجتمع المصري، هي نموذج المجتمع الأوروبي، ومفاهيم "الحب" والمشاركة والتكافؤ في الزواج، مقابل منظومة الزواج في مصر والتي تقوم على معيار "جمال" المرأة و"مال" الرجل، بوساطة "الخاطبة" وما ينتج عن ذلك من كوارث.
في عدد 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1916، طرحت السفور فكرة قيام الصحف بنشر إعلانات الزواج، مع ضرورة إرفاق المتقدم/ـة بإيداع صورهم وحجج أملاكهم وما يثبت نسبهم. الأمر الذي يعد بمثابة تطوير شكلي للمنظومة القديمة، وهو يخاطب طبقة معينة، حسب الباحث. (ص99) الأمر نفسه في مناقشة جوانب أخرى في قضية الزواج مثل المهر والمؤخر والولاية والطلاق.. (ص109) وقد اقتبس الباحث عن المجلة نماذج لحالات وقصص حية أرسلها اصحابها للمجلة.
في السياق نفسه انتقدت المجلة الوضع المأزوم للأسر التي استطاع رجالها تحصيل العلم واضطروا بطبيعة الحال للزواج من فتيات غير متعلمات، مما يُسفر عن مشكلات عميقة بينهما، وتنعكس على تنشئة الأبناء، بينما يضرب بعض الرجال عن الزواج، أو يفضلون الزواج بأجنبية.
في شباط (فبراير) 1917، أصدر المجلس الملّي القبطي قرار بتحريم أي عقد زواج بأجانب. والمؤسف أن مدير الجريدة "عبدالحميد حمدي" قد احتفى بالقرار وسخر من الشبان الأقباط المعترضين. بينما اتخذ مصطفى عبدالرازق موقفا اكثر تحررا وصف القرار بالغرابة. بينما ناقش محمد حسين هيكل القضية، في عدد 9 آذار (مارس) 1917، من وجهة نظر أخرى، مؤكدا أن عقم منظومة الزواج التقليدية هو سبب عزوف الشبان عن الزواج أو تفضيلهم الأجنبيات. (ص115).
الفصل الثالث.. السفور وقضايا تعليم المرأة وعملها
يرى الكاتب أن خوض السفور في هذه المرحلة النقاش حول تعليم المرأة وعملها، جاء في خضم مرحلة السعي نحو الحداثة، وقد استعانت السفور في نقاشا بنماذج من المجتمع الأوروبي بعد الحرب، حيث زادت مشاركة النساء في العمل. ومن ناحية أخرى ساقت حجج عملية تتعلق بالحاجة إلى تعليم المرأة وعملها، لفائدة المجتمع وتربية النشأ وقوامة الأسرة في حالة عجز الزوج أو فقدانه. يرى الكاتب أن هذا التوجه البرجماتي، كان مناسبا لمجتمع محافظ، لا يقبل حقوق المرأة كمبدأ.
الفصل الرابع.. السفور وقضايا النشاط النسوي والمشاركة السياسية للمرأة بعد ثورة 1919
بالرغم من أن القضية نفسها لم تكن مطروحة وقت صدور المجلة (أيار / مايو 1915) إلا أن مجلة السفور طرحتها، مرتكزة على النموذج الغربي. كما حمست ثورة 1917 الحديث عن مشاركة المرأة. ورحب محرر المجلة بتأسيس "جمعية النهضة النسائية".
بعد اندلاع ثورة 1919، أصبح حضور المرأة أمر واقع، وأصبحت مشاركتها السياسية ضرورة ملحةـ وحفزت السفور الخروج بقضية المرأة من الكلام النظري، إلى الواقع العملي، فتبنت دعوات تكوين كيانات نسائية، ومن بينها "الاتحاد النسائي"، وحتى حملة "الشابة منيرة ثابت" للترشح للبرلمان.
ويرى الباحث ان طرح المجلة لا يخلو من نظرة طبقية، وإن كان هناك مستوى آخر، في رأيه، من الوعي البرجماتي، بمحدودية البدائل في الأفق (ص200).
الخاتمة: كتب الباحث خلاصة البحث من عرض واستنتاجات بشكل منهجي مركز. تلاها بقائمة المصادر والمراجع، التي تعكس الاستناد لمصادر رئيسية ومراجع ذات صلة بالقضايا المعنية من المجلة، وبقضايا الواقع المصري عموما.
* * *
يمكننا أن نميز اتجاهين مهيمنين على المجلة:
الأول يتمسك بمبادئ الليبرالية في مناقشة كافة قضايا حرية المرأة بجوانبها
الثاني توفيقي، يسعى إلى تحسين نسبي في الوضع القائم، ويداعب الاتجاه المحافظ المهيمن على المجتمع. ينغمس أحيانا في سجال فقهي، أو في البحث عن دوافع ونتائج عملية تتحقق بفتح المجال للمرأة.
كلا الجانبان، كما نوه الباحث في أكثر من موضع، يتوجها للطبقة العليا دون سواها، ولا يدخلون إلى جوهر اللاماساواة.
اهتم الباحث باستخدام مكثف لاقتباسات من المجلة، شملت الكثير من القصص الحية، وهو ما أضفى، في رأيي، حيوية على كتابه، الذي يعد جزء منه بحثا أكاديميا محكما. وإن احتاج الفصل الأول إلى بعض التنظيم، في عرض الاتجاهات المختلفة في السجال حول حجاب المرأة/ واختلاطها.
كما حرص على التوثيق الدقيق، والمنهجية في مقدمة البحث وخاتمته، وفي ختام كل فصل على حدا. وهو ما يجعل الكتاب مناسبا للقاريء العادي، وكذا المتخصص.
* * *
المؤلف:
د. أحمد صلاح الملا، أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر، بكلية الآداب، جامعة دمياط.. صدرت له سبعة أبحاث مستقلة بخلاف المشاركة، في إطار تاريخ السياسة والفكر المصري الحديث.
من أهمها:
ـ جذور الأصولية الإسلامية في مصر المعاصرة، رشيد رضا ومجلة المنار (رسالة ماجستير).
ـ اليسار المصري بين عبدالناصر والسادات ، مجلة الطليعة 1965 ـ 1977 (رسالة دكتوراة).