هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تساءلت صحيفة "واشنطن بوست" في تقرير أعده جوشوا بارتلو عن الدور الجديد للرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي في أفغانستان طالبان.
وقالت؛ إن كرزاي عاد إلى دوامة السياسة ولكنه بعيد عن السلطة. مضيفة أن السياسي الذي تحول من صديق للأمريكيين إلى جلاد لهم، يحاول إقناع طالبان بتشكيل حكومة أكثر شمولية تمثل كل البلاد.
وتاليا ترجمة المقال كاملا:
كرزاي الذي ظل في معظم العقدين الماضيين على رأس حكومة تقترب الآن من الانهيار، اتصل مع سياسي مخضرم وناج في لعبة العروش الأفغانية، عبد الله عبد الله. وذلك بعد تلقي كرزاي الذي يعيش في مجمع ملاصق للقصر الرئاسي، أخبارا صاعقة عن فرار الرئيس أشرف غني.
وكان لديه سؤال للرجل الذي ظل منافسه الرئيسي: هل سيبقى عبد الله؟ ويتذكر هذا "سألني ثلاث أو أربع مرات" إن كان عبد الله سيبقى أم يغادر.
و "كنا على التلفون مرات عدة، وعندها سأل إن كنا سنعمل معا، وقلت: هذه فكرة جيدة" حسبما قال عبد الله.
وقرر الرجلان البقاء مع دخول طالبان العاصمة كابول، وشكلا مجلسا ودعيا طالبان لتشكيل حكومة تشمل قطاعات الشعب الأفغانية الإثنية والقبلية.
ولم يكن قرارهما بدون مخاطر، فآخر مرة دخلت فيها طالبان كابول عام 1996، ألقت القبض على الرئيس محمد نجيب الله وعذبته وأعدمته، وعلقت جثته على عمود كهرباء.
وترى الصحيفة أن عودة كرزاي هو تحول آخر في مسيرة سياسية لرجل اعتبر دمية أمريكية؛ حيث أدخله الأمريكيون متسللا إلى أفغانستان، ونصب في القصر الرئاسي البارد جدا في شتاء عام 2001.
وفاز كرزاي في جولتين انتخابيتين، وظل في الحكم 13 عاما، في وقت أعادت طالبان تنظيم نفسها وتحولت إلى قوة تمرد ضاربة.
اقرأ أيضا: إيكونوميست: على أمريكا التواصل مع طالبان ولكن بحذر
وتحول في السنوات الأخيرة من حكمه إلى شوكة في جانب الأمريكيين الذين انتقدهم بسبب الضحايا المدنيين في الغارات الجوية على طالبان، ولم يفعل إلا القليل لمحاربة الفساد الذي استشرى في حكومته. وأثار إحباط جوزيف بايدن الذي كان سناتورا في أثناء حفلة عشاء مشحونة، رمى فيها بايدن الغاضب منديله على المائدة وخرج من القاعة.
ولكن محاولة كرزاي إقناع طالبان تعديل مواقفها وشمل منافسيها في الحكم، قد تكون آخر محاولته الطامحة.
وبعد مقابلات أولية مع ممثلي طالبان الشهر الماضي، توقفت الاتصالات ولم يظهر أي شيء جوهري أو رسمي، حسب أشخاص على معرفة بالأمر.
وقال وزير المالية السابق عمر زاخيلوال الذي قابل مسؤولين في طالبان الشهر الماضي إلى جانب كرزاي وعبد الله: "كانت لقاءتنا غير رسمية، من أجل تبادل الآراء والتعارف".
وأضاف في رسالة إلكترونية، أن المحادثات المهمة تجري الآن "في داخل طالبان" وبين الفصائل المختلفة فيها.
وقال: "أنا متفائل من أن المحادثات الداخلية لقادة طالبان تضم مناقشات حول مستقبل الحكومة وتركيبتها وغير ذلك، ولكن لا أحد منا له دور فيها أو لديه معلومات عنها". كما تم تقييد حركتهم حيث عاش كرزاي في مقر عبد الله 12 يوما وبحراسة من طالبان.
ولكن كرزاي عاد إلى بيته، أما عبد الله الذي كان مسؤولا كبيرا في حكومة غني، فلم يغادر بيته منذ 15 آب/أغسطس كما يقول. ويتصل الرجلان بعضهما مع ببعض عدة مرات في اليوم. وقال عبد الله: "أفرج عن آلاف من عناصر تنظيم الدولة وبعضهم في مراكز قيادية، وهذا هو المناخ الأمني الذي نتحدث عنه".
وعندما التقى كرزاي وعبد الله بقادة طالبان الشهر الماضي، نصحا بعدم التحرك في العاصمة؛ نظرا لأن عددا من الجماعات المختلفة دخلت العاصمة، وذلك حسب قول عبد الله. وقال متحدث باسم كرزاي؛ إنه ليس متاحا للتعليق، ويقول علي عديلي، الباحث في شبكة التحليل الأفغانية: "لست متأكدا إن كانت هذه إقامة جبرية، لكن المساحة المتوفرة لهم تتقلص كما يبدو".
ويستبعد محللون ومسؤولون أن يتم تعيين كل من كرزاي وعبد الله في مراكز حكومية بارزة، وربما احتفظا بمواقع استشارية للحكومة.
وهناك شعور غير متفائل بين المشاركين في المداولات الحكومية، أن طالبان ليست لديها نية تشكيل حكومة ممثلة باستثناء بعض التعيينات الرمزية. وقالت طالبان؛ إن المرأة قد لا يسمح لها بتولي مناصب حكومية، ويتوقع أن تعلق الحركة المتمردة عن هيبة الله أخوند زاده كمرشد أعلى لأفغانستان، فيما سيؤدي القادة والمسؤولون مثل عبد الغني برادار الذي قضى سنوات في سجن بباكستان أدوارا مهمة في الحكومة. ولم تعلن الحركة عن الحكومة، أو اختارت علم البلاد والنشيد الوطني، أو تسمية الدولة الإمارةَ الإسلاميةَ أو شيئا آخر.
وفي معظم أنحاء العاصمة فإن وزارات الدولة ومؤسساتها ليست عاملة. وهي التحديات نفسها التي واجهت كرزاي عندما نقلته سي آي إيه والقوات الأمريكية إلى القصر الرئاسي "أرغ" وسط العاصمة، الذي صممه معماري بريطاني في منتصف القرن التاسع عشر.
وفي ذلك الوقت، كان العشب قد نما حوله وانتشرت فيه الكلاب الضالة، وكانت الطاقة الكهربائية تتعطل بشكل مستمر أمام مصارفه فكانت في حالة سيئة؛ حيث كانت رائحة المجاري تنتشر أحيانا في مكتب الرئيس.
ومن هذه البداية غير الرائعة، تشكلت الحكومة الانتقالية التي حظيت بدعم مليارات الدولارات من الولايات المتحدة، وتلقت الحماية العسكرية من القوات الأمريكية والناتو. وفاز كرزاي في أول انتخابات عام 2004 كمرشح مفضل لإدارة جورج دبليو بوش، ومرة ثانية في 2009 حيث فاز بهامش ضيق على عبد الله في انتخابات شهدت التزوير، وفي ذلك الوقت توترت علاقاته مع إدارة باراك أوباما، التي أرسلت أعدادا إضافية من القوات الأمريكية.
واتسمت فترة كرزاي بعدم الثفة والشك مع الولايات المتحدة، فقد شجب الأمريكيين بسبب الغارات الجوية التي قتلت المدنيين، وتعاطف علنا مع طالبان التي وصف عناصرها بـ "الإخوة الساخطين". وقال إن الحكومة الأمريكية هي عقبة في طريق السلام، مع أنه عارض المحادثات مع طالبان لاستبعادها الحكومة الأفغانية.
ورأت إدارة أوباما في كرزاي شريكا يدعو إلى الضيق وعدم الثقة، حيث فشلت إدارته بتقديم الخدمات اللازمة للمواطنين وغض الطرف عن الفساد الذي مارسته النخبة بمن فيها شقيقيه. وعرض عليه الدبلوماسيون مناصب رفيعة ومريحة ماليا في الخارج لو تنحى عن السلطة، لكنه لم يكن راغبا بالمغادرة.
وبعد نهاية حكمه، انتقل إلى مجمع سكني قرب القصر وظل منخرطا في السياسة الأفغانية، حيث سافر في السنوات الأخيرة إلى الهند والصين وروسيا للمساعدة على وقف الحرب.
ورأى بعض مساعديه السابقين أن زياراته هذه كانت محاولة لبناء علاقات مع قوى أجنبية، تحل محل القوات الأمريكية التي كانت ستغادر البلاد.
وقال مساعد سابق في حكومة كرزاي: "بدأنا نطلق عليه لقب كرزاي-فوسكي؛ لأنه أصبح مقربا من موسكو".
وترى الصحيفة أن استمرار حضور كرزاي في السياسة الأفغانية ليس أمرا شاذا، فعلى مدى 40 عاما من الحرب يختفي أمراء الحرب لكي يعودوا ويتسلموا مناصب رفيعة، فيما يتحول المتمردون إلى وزراء والعكس. وواحد من زملاء كرزاي في "مجلس التنسيق" هو قلب الدين حكمت يار، الذي كان من زبائن سي آي إيه في أثناء الحرب ضد الاتحاد السوفييتي في الثمانينيات، تحول لمتمرد ضد الولايات المتحدة وها هو يسعى للحصول على تسوية مع طالبان. أما الرجل الذي يطلق على نفسه رئيس تصريف الأعمال، أمر الله صالح، فقد كان مساعدا للقائد أحمد شاه مسعود في أثناء الاحتلال السوفييتي، قبل أن يصبح مدير المخابرات ونائبا للرئيس.
وانسحب صالح إلى وادي بانجشير في جبال هندوكوش الشهر الماضي، لكي ينسق المقاومة ضد طالبان.
وعلى خلاف صالح، اختار كرزاي المجال الدبلوماسي والتواصل مع طالبان. وكان من المقرر أن يسافر هو وعبد الله إلى الدوحة في قطر لمقابلة قادة طالبان، ومناقشة عمليات نقل السلطة عندما هرب غني فجأة.
وعندما دخلت طالبان كابول، صور شريط فيديو في بيت عبد الله مع بناته الثلاث، داعيا طالبان لحماية الأفغان وأنه سيبقى للمساعدة في عملية نقل سلمي للسلطة. والتقى في الأيام الماضية مع داعيات حقوق المرأة.
في وقت اجتمع فيه قادة طالبان في قندهار لمناقشة الحكومة، يقول سعد محسني مدير مجموعة موبي الإعلامية: "أعتقد أن القرارات الرئيسية اتخذت، وهم يقولون لكرزاي وغيره: هذا ما نقوم بعمله" و"علينا أن نكون واقعيين، هذا جيش منتصر، وليس مجبرا للتشاور مع أي طرف".
ويرى البعض أن كرزاي وعبد الله، قد يكونان مفيدين لطالبان في نزع فتيل المشاكل والنزاعات، ولكن قلة تعتقد أنهما سيمارسان تأثيرا على الحكومة التي ستعلن عنها طالبان. وقال مسؤول سابق: "لو بقي أشخاص مثل كرزاي وعبد الله، فسيظلون مقيدين بشدة".
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)