هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بدأ
في الجزائر، الاثنين، اجتماع وزاري لدول جوار ليبيا "من أجل حلحلة الأزمة"
في هذا البلد، حضره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا بان كوبيش.
وأكد
وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في افتتاح الاجتماع أن هذا اللقاء يأتي في إطار
"المساعي الحثيثة التي ما انفكت بلداننا تبذلها للمساهمة في حلحلة الأزمة"
في ليبيا التي تشهد بعض الانفراج السياسي بعد حالة الفوضى التي تلت سقوط نظام معمر
القذافي في 2011.
وأضاف
أن مسار المصالحة في ليبيا "يقتضي مواصلة الجهد لاستكمال توحيد مؤسسات الدولة
الليبية وتحقيق المصالحة ومواصلة العمل لسحب المرتزقة والقوات الأجنبية من كافة التراب
الليبي"، كما نقلت وكالة الأنباء الجزائرية.
وحضر
الاجتماع وزراء خارجية ليبيا وتونس ومصر والسودان والنيجر وتشاد والكونغو الديمقراطية
بصفتها رئيسة الاتحاد الأفريقي، إلى جانب الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو
الغيط ومفوض الاتحاد الأفريقي للشؤون السياسية والسلم والأمن بانكولي أديوي.
من جانبه، أكد المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، يان كوبيس، على أهمية الإسراع في وضع إطار قانوني، استعدادًا للانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة في ليبيا في ديسمبر المقبل، معتبرا أن وجود مراقبين أجانب أثناء تنظيم الانتخابات أمر ضروري.
وقال يان كوبيس إن "الحكومة الليبية اتخذت الترتيبات اللازمة للانتخابات، لكننا بحاجة إلى إطار قانوني. ويعمل النواب حاليا على وضع اللمسات الأخيرة على قانون الانتخابات، وما زال لدينا القليل من الوقت. لقد دعوتهم لتحمل مسؤولياتهم وعدم إضاعة الوقت".
وعلى صعيد آخر، دعا المبعوث الأممي يان كوبيس، دول الجوار، إلى المشاركة في الجهود المبذولة لضمان رحيل المرتزقة والقوات الأجنبية الموجودة في ليبيا، وقال إن الأمم المتحدة "مستعدة لدعم الليبيين في عملية نزع السلاح وإعادة دمج (المقاتلين الليبيين في القوات المسلحة) وانسحاب المقاتلين الأجانب".
وقبل
بدء الاجتماع عقد لقاء بين لعمامرة ووزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش التي ذكرت
أن جدول أعمال الاجتماع يتضمن "ملفات الأمن القومي المشترك لدول النطاق والحدود،
وملفات الهجرة غير الشرعية والانتخابات المزمع انعقادها في ليبيا والمصالحة الوطنية
وكذلك موضوع دعم مبادرة استقرار ليبيا"، بحسب ما نقل موقع الإذاعة الجزائرية الحكومية.
ويدفع تصاعد مخاطر عودة ليبيا إلى الفوضى
مع احتمال انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، بالتزامن مع تلويح مجلس النواب بسحب الثقة
من حكومة الوحدة، دول الجوار إلى التحرك سريعا لضمان عدم خروج الأوضاع عن السيطرة وانعكاسها
على أمنها الداخلي..
فملتقى الحوار الليبي الذي ترعاه الأمم
المتحدة فشل لحد الآن في الاتفاق على قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات في 24 كانون
الأول/ ديسمبر المقبل، ومجلس النواب يتحرك بدون تنسيق مع المجلس الأعلى للدولة (نيابي
استشاري) لإعداد قوانين الانتخابات ما يضاعف الانقسام السياسي.
بينما يرفض اللواء المتقاعد خليفة حفتر،
الخضوع لأي سلطة مدنية، ويحشد قواته ويحركها ويقوم بتعيينات وترقيات دون تنسيق مع القائد
الأعلى للجيش، ما يهدد بتصعيد عسكري.
كما أن لجنة "5+5" العسكرية المشتركة
فشلت في إخراج المرتزقة وتوحيد المؤسسة العسكرية طيلة العشرة أشهر الأخيرة، ما يهدد بانهيار
اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في 23 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
فرص وتهديدات
استقرار ليبيا ولو بشكل هش يمنح دول الجوار
وبالأخص تونس ومصر، فرصا للاستثمار والمشاركة في إعادة الإعمار وسوقا للتصدير ومعالجة
أزمة البطالة، في بلد يملك أكبر احتياطي نفطي في أفريقيا، ويستورد كل احتياجاته تقريبا
من الخارج.
لكن أكثر ما يغري دول الجوار حجم مشاريع
إعادة الإعمار الكبير، والذي قدره وزير الاقتصاد الليبي سلامة الغويل، بنحو 135 مليار
دولار، بينما توقعت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية أن يصل هذا الرقم إلى
500 مليار دولار، وفق تقرير لوكالة الأناضول التركية.
إلا أن تداعيات انهيار اتفاق وقف إطلاق
النار على دول الجوار ستكون مدمرة، ومالي التي لا تشترك بأي حدود مع ليبيا، كانت أولى
ضحايا الفوضى التي اجتاحت البلاد من 2011 إلى 2020.
كما أن دول الجوار (تونس والجزائر وتشاد
ومصر والسودان والنيجر) اكتوت بشكل أو بآخر من نار الفوضى الليبية، ولعب بعضها دورا
سلبيا في تأجيجها.
فالهجوم الذي قاده متمردو جبهة الوفاق والتغيير
"فاكت" في أبريل/ نيسان الماضي، على شمال تشاد، انطلق من ليبيا، وكذلك هجوم
عناصر تنظيم "داعش" على مدينة بن قردان التونسية في 2016، وهجوم تيغونتورين
في الجزائر عام 2013، ناهيك عن حديث مصر والسودان والنيجر عن استخدام جماعات متمردة
أو إرهابية للأراضي الليبية كقواعد خلفية لتهديد أمنها.
لذلك فاجتماع الجزائر ليس عبثيا، بقدر ما
هو استشعار لخطورة الوضع في ليبيا، بل في شمال أفريقيا والساحل، والتحولات الدولية
العميقة، التي يميزها بداية انكفاء الولايات المتحدة الأمريكية على نفسها وانسحابها
من بؤر التوتر، وما قد يخلقه ذلك من فراغ أمني في عدة نقاط ساخنة من العالم، قد تسعى
الجماعات الإرهابية والمتطرفة لملئه.
وهذا أحد الأسباب التي دفعت واشنطن لدعم
اجتماع دول الجوار خلال لقاء المبعوث الأمريكي إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، بوزير الخارجية
الجزائري رمطان لعمامرة في تونس.
توتر ليبي-تونسي
الأخبار الزائفة التي نشرتها وسائل إعلام
موالية لحفتر ولدول عربية داعمة له بشأن تسلل إرهابيين من ليبيا نحو تونس، كادت تتسبب
في أزمة دبلوماسية بين البلدين.
ففي خطاب حاد فجر الجمعة، قال عبد الحميد
الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة، إن "ليبيا حاربت الإرهاب في سرت وفي كل مكان، ولا يمكن
أن نقبل باتهامنا بالإرهاب، وإنه تم إرسال وفد كبير لتونس للتفاهم معها بشأن هذه الاتهامات
الغريبة".
وجاء هذا الخطاب بعد عودة وفد حكومي ليبي
من تونس، برئاسة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، التي أعربت عن دعم بلادها الكامل ووقوفها مع تونس
في كل ما تتخذه لضمان أمنها واستقرارها.
ونفى وزير الخارجية التونسي عثمان الجرندي،
وجود أطراف إرهابية في ليبيا تحاول التسلل إلى بلاده.
إلا أن ذلك لم يكن كافيا على ما يبدو لتهدئة
الوضع في طرابلس، حيث خرج بعدها الدبيبة، بخطاب صادم، قال فيه: "إذا كانت تونس
تريد بناء علاقات قوية وصادقة معنا، فلا بد من احترام دول الجوار، فهي دولة جارة وصديقة
ونحن نريد بناء علاقات طيبة مع كل دول الجوار".
وهذا ما خلف استياء في تونس خاصة على مستوى
ناشطين إعلاميين وسياسيين اعتبروا أنه ليس من المقبول "الرد على تقارير إخبارية
ووثائق مسربة لم يكن مصدرها السلطات التونسية".
اقرأ أيضا: "الدبيبة" يهاجم سلطات تونس بعد اتهام بلاده بتصدير "الإرهاب"
قوات حدودية مشتركة
تشاد التي فقدت رئيسها إدريس ديبي، في
20 نيسان/ أبريل الماضي، بعد توغل متمردي "فاكت" شمال وغرب البلاد انطلاقا
من ليبيا، اقترحت على طرابلس تشكيل قوات مشتركة لضبط الحدود.
وفكرة القوات المشتركة سبق أن جربتها ليبيا
مع السودان، وأيضا الأخيرة مع تشاد، وكانت نتائجها جيدة على الأرض، وحققت استقرارا
ملموسا على الحدود المضطربة.
ولكن رئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد
محمد إدريس ديبي، يريد "إعادة إحياء الاتفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر
وتشاد" الموقع في 2018.
إلا أن انقسام المؤسسة العسكرية في ليبيا
وشساعة أراضيها وطول حدودها يصعّب هذه المهمة، بل يجعلها أكثر تعقيدا أحيانا..
فالحدود الليبية التشادية يسيطر عليها من
الجهة الغربية قبائل التبو الليبية، والتي لها امتدادات في شمال تشاد، وقاتل العشرات
من المسلحين التبو إلى جانب متمردي "فاكت" التشاديين في هجومهم في نيسان/ أبريل
الماضي.
كما أن مليشيات حفتر حاولت السيطرة على
كامل إقليم فزان (جنوب غرب البلاد) إلا أنها طردت من مدينة مرزق، أقصى الجنوب الغربي على يد
التبو، فيما تخضع الحدود الجزائرية لسيطرة كتائب الطوارق بقيادة علي كنة، الموالي لحكومة
الوحدة في طرابلس.
أما الجنوب الشرقي على الحدود مع السودان
وتشاد، فتسيطر عليه كتيبة "سبل السلام" السلفية، التابعة لحفتر بالإضافة
إلى مسلحين منفلتين من التبو.
وبالنسبة للمناطق الحدودية الجنوبية لليبيا،
مع كل من السودان وتشاد والنيجر، فهي تضم طرق عبور قوافل المهربين وتجار السلاح والبشر
والإرهابيين، ويسيطر على بعض نقاطها مسلحون من التبو والطوارق وقبائل أخرى في الصحراء
وتحصل مقابل السماح بمرور شبكات التهريب على أموال وسلع ووقود.
ومن المرتقب أن يبحث اجتماع دول جوار ليبيا
بالجزائر، كيفية تأمين الحدود البرية الليبية، لعرقلة تحرك الجماعات الإرهابية وشبكات
تهريب السلاح والبشر والوقود.
غير أن ضمان وحدة ليبيا يعتبر أهم نقطة
تجمع عليها دول الجوار، في ظل مناورات رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، حليف حفتر،
بسحب الثقة من حكومة الوحدة، أو تشكيل حكومة موازية في الشرق..
فاجتماع الجزائر من شأنه إعادة ليبيا إلى
دائرة الاهتمام الدولي، بعد شهرين من انعقاد مؤتمر برلين الثاني في 23 حزيران/ يونيو الماضي، وإعادة ضبط بوصلة الأطراف الليبية، حتى لا تحرف عن موعد الانتخابات في 24 ديسمبر
المقبل.