هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
عبر زقاق ضيق في البلدة القديمة بمدينة غزة، وتحديدا في حي الزيتون وبالقرب من مسجد الشمعة الأثري يربض منزل أثري قديم يعود إنشاؤه إلى ما قبل أكثر من أربعة قرون من الزمن، ولا يزال شامخا في مكانه.
ويقع هذا البيت الأثري الذي أصبح يعرف محليا باسم "بيت ستي" في زقاق الغلاييني، حيث تم تشييد هذا البيت الأثري على الطراز العربي الأصيل كحال كل منازل البلدة القديمة، وأجريت عليه العديد من الصيانات والترميم ليصبح على وضعه الحالي.
تحول هذا المنزل مؤخرا إلى مزار سياحي يقصده يوميا المئات من المواطنين والأجانب بعدما أصبح مطعما تراثيا يحمل اسم "بيت ستي"، ولكنه ظل يحتفظ بمعالمه القديمة في العمران وحتى في الوجبات المقدمة والأجواء فيه.
توالت على هذا البيت أيام وعصور لم تغير من مظهره العام سوى بعض التشققات على جدرانه التي تروي حكايات وسير عن أناس عايشوه وعاشوا فيه وبين جدرانه وخلدهم التاريخ على مدار سنوات طويلة لتحكي قصة شعب وحضارة وتراث في هذا المكان.
ويعود موقع "بيت ستي" الأثري للحقبة المملوكية والعثمانية، وهو مبني من الحجر الصلب المختلط بالطين إضافة إلى الحجر الرملي والكركار، وهو مزخرف بنقوش عمارة إسلامية مملوكية وعثمانية على حد سواء.
وتصف الباحثة في التاريخ والآثار هيام البيطار هذا المنزل الأثري من الداخل والخارج وجنباته، مؤكدة أنه يمكن الدخول إليه عبر مدخل منكسر أو "دهليز" صغير يفتح على فناء البيت مباشرة.
وأوضحت البيطار في حديثها لـ"عربي21" أن المنزل مكون من طابقين، الطابق الأرضي والمكون من عدة غرف أو مرافق خدماتية كمطبخ وحمام و(مزيرة) وهي التي كانت تجمع فيها مياه الشرب للاستخدام داخل المنزل، موضحة أنه يوجد في الطابق الأرضي الساحة السماوية أو فناء المنزل.
أما الطابق العلوي فيتكون -حسب البيطار- من عدة غرف يتم الوصول لها عن طريق درج رفيع إلى ساحة المنزل من الداخل.
وقدّرت مساحة المنزل بـ 180 مترا مربعا، مشيرة إلى أن عمره التاريخي يزيد على الـ 4 قرون.
هيام البيطار.. كاتبة وباحثة فلسطينية
وأوضحت أنه يعود لنهايات الفترة المملوكية وبدايات الفترة العثمانية، وأنه استمر قائما متوارثا لعائلات فلسطينية كانت تقيم بداخله حتى يومنا هذا.
وأكدت أن الواجهات الداخلية للمنزل تحتوي على بعض النقوش الزخرفية المعروفة في العمارة المملوكة والعمارة العثمانية.
وقالت البيطار: "تقسيم البيت من الداخل صمم بما يناسب احتياجات السكان الذين كانوا يقيمون فيه عبر فترات تاريخية مختلفة، فنجد أن هناك إيوانا يفتح عليه الغرف من الجانبين، هذه الغرف تفتح بأبواب على هذا الإيوان ولها نوافذ داخلية تفتح على فناء المنزل".
وأضافت: "الزائر لهذا المنزل يرى أن هذا المنزل صمم لكي يكون منزلا صغير بالمقارنة مع المساحات الواسعة الأخرى التي نراها في البيوت الأثرية من حيث الاتساع ولكنها كانت تؤدي خدماتها المخصوصة أو المنوطة بها لدى السكان الذين كانوا يعيشون فيها".
وأكدت أن هذا المنزل يجاور بعض المباني الأثرية المعروفة كمسجد الشمعة المملوكي إضافة إلى أن موقع البيت يقع في خارطة غزة الرومانية التي ظهرت على أرضية فسيفساء مأدبة..
وقالت البيطار: "لو حدثت عمليات تنقيب فسوف نجد هذا المسرح الروماني بفعل وجود هذا المصدر الأساسي وهي صورة خارطة غزة على أرضية فسيفساء مأدبة".
وشددت على أنه تم عمل إعادة إعمار وترميم لهذا المنزل الأثري ساهم في بقائه والكشف عن الطرز الفنية والعمارنية التي كان يتميز فيها هذا المنزل.
واعتبرت الباحثة في تاريخ الآثار إعادة الإعمار والترميم خطوة في الاتجاه الصحيح، مطالبة بتطبيقها على جميع المرافق والمباني الأثرية التي تقع ضمن حدود البلدة القديمة لأهميتها في الكشف عن تاريخ وآثار غزة عبر العصور المختلفة.
وقالت البيطار: "إن ملامح البيت الأثرية تظهر من مدخله، فبابه مَبنِي مُحيطُهُ من أحجار قديمة بارتفاع منخفض مقوس أعلاه، يتبعه دهليز صغير معتم إلا من إضاءة فانوس أضيف إليه مؤخرا".
وأضافت: "بالتوازي مع ملامح عظمة العمارة الإسلامية المنبعثة من مكونات المطعم الإنشائية، فإن محتوياته الأخرى يفوح منها عبق التاريخ، كالسرج والتماثيل والنحاسيات والخشبيات والفخاريات وغيرها".
وحفاظا على هذا المعلم الأثري فقد تمت إعادة ترميمه وتحويله إلى مطعم يرتاده الزائرون والسياح على حد سواء، مع الحفاظ عليه كموقع أثري من مواقع مدينة غزة.
وأكد مالك موقع "بيت ستي" عاطف سلامة في حديثه لـ"عربي21" أن ما دفعه لفكرة تحويل هذا الموقع الأثري القديم إلى مطعم هو عدم وجود مطعم بطابع أثري في قطاع غزة، لذلك فإنه كان المطعم الأول في القطاع.
عاطف سلامة.. مالك "بيت سيتي" الأثري
وقال: "بيت ستي هو المطعم الأثري الأول في قطاع غزة، حيث يعتبر معلما مهما من معالم الحضارة إضافة إلى ما يحتويه من إرث تاريخي وزخارف وتراث ومقتنيات قديمة".
وأضاف: "الجمع بين الطابعين التراثي والأثري داخل صميم المطعم ومن فلسفته، فتجده في ملابس العاملين وما يرتدونه من نصف القمباز والسروال والقايش المخيط من ألوان الكوفية والقميص والطاقية".
وتابع: "المشربيات والشراشف والمطرزات على الطاولات جرس استدعاء العامل لطلب الخدمة كلها لتعزيز الجو التراثي والأثري للمطعم في كل جوانبه ومضامينه".
وأوضح سلامة أن ما يقدمه المطعم من مأكولات شعبية منها المسخن وخبز الطابون والكبة الشامية بجميع أنواعها والمقبلات والصفيحة الشامية لن تجدها في أي مطعم آخر وهي دلالة على فلسفة هذا المطعم التراثية والأثرية وليبقى يحافظ على المكان من خلال الطعام الذي يقدمه.
وقال: "في بيت ستي الأثري فقط يمكن تستطيع أن تتأمل وتبدع من صميمك، لتجد المشهد الأثري التراثي يتكامل بين أجزائه وكأنه جسد واحد يأبى إلا أن يبقى شامخا في مواجهة كل العوامل التي طرأت على المكان".
ومن جهته أكد رئيس بلدية غزة الدكتور يحيى السرّاج على أهمية الحفاظ على الأماكن الأثرية ورمزيتها الحضارية والتي تعبر عن البعد الحضاري والتاريخي للمدينة.
وأشار السراج في حديثه لـ "عربي21" إلى أن المرحلة القادمة ستشهد تنفيذ عدة مشاريع لترميم أماكن أثرية في مدينة غزة بالتعاون مع مركز "إيوان" أبرزها: مشروع لترميم الجدار الواصل بين كنيسة "القديس برفيريوس" ومسجد كاتب ولاية، ومشروع ترميم المدرسة الكمالية الأثرية.
وأكد قرب الانتهاء من مشروع ترميم البنية التحتية في سوق القيسارية التاريخي في مرحلته الأولى، الذي تنفذه البلدية بالشراكة مع الكلية الجامعية، موضحًا أن المشروع يحسن من واقع البنية التحتية وكفاءة شبكات المياه والصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار في المكان.