قضايا وآراء

تداعيات الانسحاب الأمريكي من أفغانستان على المنطقة العربية

حازم عيّاد
1300x600
1300x600

مستقبل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية في كابول كان الشغل الشاغل للصحفيين الأمريكيين؛ المشاركين في المؤتمر الصحفي الذي عقدة قائد القيادة المركزية الامريكية (CENTCOM) الجنرال كينث ماكنزي يوم الاثنين الموافق 7 حزيران (يونيو) الحالي.

المخاوف الأمريكية جدية، فأستراليا بادرت إلى إغلاق سفارتها في كابول يوم الجمعة الموافق 28 أيار (مايو) الفائت لقناعتها بأن الحكومة الأفعانية ستعجز عن حمايتها بعد انسحاب قواتها واستكمال الولايات المتحدة سحب جنودها في أيلول (سبتمبر) المقبل؛ علما بأن طالبان تفرض سلطتها شيئا فشيئا على المديريات والأقاليم في أفغانستان وبتسارع يتناسب وسحب الولايات المتحدة الأمريكية نصف قواتها العاملة في أفغانستان.

الجنرال ماكنزي لم يقدم إجابات شافية للصحفيين الأمريكيين ومن ضمنهم مراسل "الواشنطن بوست"، إذ اكتفى بالتذكير أن حماية السفارة الأمريكية من مسؤولية الدولة المضيفة؛ ملمحا إلى أن قرار إغلاق السفارة عائد إلى وزارة الخارجية الأمريكية التي تدير مفاوضات مع حركة طالبان في الدوحة؛ مفاوضات من الممكن أن تتضمن تعهدات من حركة طالبان بعدم المساس بالبعثة الأمريكية.

رغم ذلك فإن عملية الانسحاب الأمريكية من أفغانستان معقدة للغاية، إذ اضطرت الولايات المتحدة إلى سحب حاملة الطائرات (رونالد ريغان) من اليابان إلى المحيط الهندي (بحر العرب)؛ علما أنها الحاملة الهجومية الوحيدة المكلفة بمتابعة نشاط البحرية الصينية القريبة من تايوان بحسب مجلة فورين بوليسي (policy foreign )؛ لتقدم الدعم والإسناد بدلا من ذلك للقوات الأمريكية المنسحبة من أفغانستان التي تحتاج بدورها إلى غطاء جوي لدعمها أثناء الانسحاب.

إذا كان هذا حال القوات الأمريكية المسلحة المنسحبة من أفغانستان فكيف الحال بالسفارة الأمريكية التي لا يتوفر ضمانات حقيقية لحمايتها؛ إلا في حال توفر تعهد من حركة طالبان لتوفير الحماية للسفارة؛ الأمر الذي يعتبر مستبعدا حتى لحظة كتابة هذا المقال.

 

تلعب الأزمات والحروب التي كان آخرها المواجهة بين المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس" والكيان الإسرائيلي دورا مهما في تقويض النفوذ الأمريكي لصالح القوى الدولية الصاعدة والطامحة كروسيا والصين؛ الأمر الذي يتطلب جهدا دبلوماسيا أمريكيا للتهدئة وخفض التصعيد في المنطقة على أمل التفرغ للخصوم الأكثر تهديدا للنفوذ الأمريكي؛

 



حال غرب آسيا والمنطقة العربية لن يختلف كثيرا عن الحال الذي وجد فيه حلفاء أمريكا في الباسفيك وجنوب شرق آسيا أنفسهم فيه؛ فالانسحاب الأمريكي من أفغانستان أربك الأولويات الاستراتيجية الأمريكية؛ إذ اضطرت البحرية الأمريكية إلى إضعاف حضورها في بحر اليابان وبحر الصين الجنوبي للتعامل مع عملية الانسحاب من أفغانستان.

ارتباك تكشفه تفاصيل الموازنة العسكرية فقائد القيادة الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ (Indopacom) الأدميرال جون أكويلينو في رسالة بعث بها إلى رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب آدم سميث وزعماء آخرين في الكونغرس حذر من أن "الموازنة المقررة لمنطقة عملياته أقل من 1 في المائة من إجمالي السلطة الملزمة لوزارة الدفاع، وهي الضرورية لردع الصين"؛ فالتنافس على الموازنة العامة للدفاع على أشده بين القادة العسكريين والسياسيين أيضا؛ أمر كشفه تقرير الفورن بولسي تحت عنوان "Pacific Commanders Want More Money for Biden’s Asia Pivot".

منطقة الخليج العربي وغرب أسيا ليست بأفضل حال أيضا إذ تعاني من ذات المعضلة التي بالإمكان تلمسها في تصريحات ماكنزي؛ فهي تعاني من قصور أمني كبير تظهر آثاره واضحة في اليمن وبحر عُمان المقابل للموانئ الإماراتية؛ فضلا عن الضغوط الأمنية المتصاعدة التي تواجهها القوات الأمريكية في العراق من خلال هجمات الطائرات بدون طيار والهجمات الصاروخية المتكررة على قواتها خصوصا في قاعدة عين أسد الجوية غرب بغداد؛ إلى جانب تصاعد التوتر بين حلفائها من قوات قصد في سوريا مع القبائل العربية وقوات النظام السوري وحلفائه؛ ليضاف إلى توتر بين تركيا وحلفاء أمريكا الإنفصاليين الأكراد امتد إلى مخيم مخمور شمال العراق.

في كثير من الاحيان أحال الجنرال ماكنزي مسؤولية اتخاذ القرار في الملفات التي تطرق إليها المؤتمر الصحفي في وزارة الخارجية، اذ اعتبرها من صلاحية الخارجية الأمريكية؛ التي طالب سكرتيرها أنتوني بلينكن لجنة الكونغرس المختصة بإقرار موازنة تبلغ 58 مليار دولار لوزارته؛ منها 10 مليار دولار مخصصة لمنطقة الشرق الأوسط تتضمن مساعدات للاجئين الذين يقارب تعدادهم في المنطقة 20 مليون من أصل 80 مليون لاجئ في أنحاء العالم؛ وأخرى سيخصصها للأردن والسلطة الفلسطينية والكيان الإسرائيلي بحسب زعمه؛ كما أعلن أن وزارته ستخصص ما يقارب 3 مليارات دولار لدعم الديمقراطية في العالم وأخرى للمنظمات الدولية والإنسانية؛ فالدبلوماسية صمام الأمان لتجنب الحروب والتصعيد كما هو الحال في الملف النووي الإيراني.
 
بات واضحا أن الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى تقليص تأثيرها العسكري وتعزيز حضورها الدبلوماسي في المنطقة؛ معززا بمسحة إنسانية؛ فسفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد أعلنت عن تخصيص 239 مليون دولار كمساعدات إنسانية إضافية للشعب السوري؛ وذلك أثناء زيارة امتدت لثلاثة أيام لتركيا؛ تخللتها زيارة لمخيمات اللاجئين ولإقليم هاتاي و للمعابر الحدودية مع سوريا وعلى رأسها باب الهوى.

واشنطن باتت معنية بإدارة الملفات المعقدة بالشراكة مع حلفائها ومن ضمنهم الأتراك والقطريين الذين أعلنوا عن منصة جديدة في موسكو تضم تركيا وروسيا وقطر؛ منصة لا يبدو أن واشنطن تعارضها رغم تحذيرات ماكنزي من المحاولات الجادة لروسيا والصين لاختراق المنطقة عبر مشاريع الوساطة في الصراعات أو عبر الإقراض وبيع الأسلحة.

ختاما.. تلعب الأزمات والحروب التي كان آخرها المواجهة بين المقاومة الفلسطينية بقيادة "حماس" والكيان الإسرائيلي دورا مهما في تقويض النفوذ الأمريكي لصالح القوى الدولية الصاعدة والطامحة كروسيا والصين؛ الأمر الذي يتطلب جهدا دبلوماسيا أمريكيا للتهدئة وخفض التصعيد في المنطقة على أمل التفرغ للخصوم الأكثر تهديدا للنفوذ الأمريكي؛ أمر بات واضحا من خلال تمسك الإدارة الأمريكية بمسار المفاوضات مع طالبان بالدوحة؛ والاتفاق النووي وجهود إنهاء الحرب في اليمن؛ وأخيرا خفض التصعيد في فلسطين المحتلة؛ مسار رسم ملامح المرحلة وتفاصيل المشهد في الإقليم؛ أمكن ملاحظته وتتبعه في الملف الفلسطيني مؤخرا بجلاء ووضوح. 

hazem ayyad
@hma36


التعليقات (0)