صور نمطية فرضتها علينا وسائل الإعلام التقليدية وثقافة مجتمع سلبية ترى
المرأة مجرد سلعة، حتى لو كانت مرشحة للبرلمان أو جزءا من دعاية تجارية فهي الحسناء التي تهدى للفارس! وكأنّ مئات السنين من إلغاء العبودية قد ذهبت هباء منثورا.
كم مرة شاهدنا إعلانا من قبيل: استثمر بمبلغ بسيط لتصبح مليونيرا، وهو إعلان شائع في زماننا بغض النظر عن تفاصيله أو صدقه من كذبه، ولكن اللافت أن يظهر به ذلك المليونير وبجانبه فتاة جميلة؛ بمعنى أن تلك الفتاة لم تكن لتظهر معه لولا أنه مليونير! وكأنها - من وجهة نظر الإعلان - سلعة تبحث عن مشتر يدفع أكثر.
وهي مجرد جارية بين يدي "سي سيد"، كما غنّى تامر حسني أغنيته الشهيرة تحت ذلك الاسم وقال فيها:
آه أنا سي السيد
وكلامي هو اللي ها يمشي
آه أنا سي السيد
مش عاجبك كلامي طب امشي
وأغنية دنيا سمير غانم التي قالت فيها: أنا بقيت بلبس على كيفه، ما بقولش لأ على حاجة بيعوزها، وبقيت أشوف كل اللي بيشوفه، والتعليمات بالحرف أنفذها، ما هو خلاص سيطر على حياتي.. الخ.
وعاد الأمين العام لحزب جبهة الحكم الراشد الجزائري عيسى بلهادي، لمبدأ تسليع المرأة والتعامل معها كبضاعة تجارية للعرض وجذب المشترين، حيث أخذ يصف مرشحات حزبه بأنهن جميلات جمال "الفراولة". وقال ما نصه: "يوجد ضمن الحسناوات المترشحات، الطبيبة والمهندسة والمديرة، جبنالكم الفريز (الفراولة) ولكن سيليكسيوني (منتقاة) وليس تلك الموجهة لجنوب أفريقيا"!
هذه الأمثلة غيض من فيض لتصرفات من واقع جمهور ونخب سياسية وفنية، ولكن قلما تجد من ينتقدهم انتقاده للدين والمتدينين وهو يتهم الدين - زورا - بظلم المرأة وامتهانها.
ومع أن الدين رفض رفضا قاطعا الانتقاص من النساء (فهن شقائق الرجال، لهن ما لهم وعليهن ما عليهم)، وساوى بينهم في التكليف (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى..)، ولكن البعض يسعى لأن تلبس عاداته وتقاليده البالية لبوس الدين وقداسته، ويريد أن نتعاطى معه وكأنها دين لا نرى الحق غيره، وهذا لعمري فيه ظلم وامتهان للدين وانتقاص منه.
الإشكال الأكبر في هذا هو في قبول كثير من النساء لهذا الوصف الممتهن لهن، بل ودفاعهن عنه في بعض الأحيان، سواء على لسان المغنيات والمؤثرات على منصات التواصل أو على لسان شخصية معروفة مثل ميلانيا، زوجة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، التي أخذت تبرر ألفاظ وتصرفات زوجها البذيئة بحق النساء بأنها من باب "حديث الرجال" وأنه لا يتحدث بذلك أمامها!
المجتمع الذي يريد النهوض حقا يحتاج أن يحترم المرأة التي هي نصف المجتمع فعلا، ومسؤولة بحق عن إنتاج النصف الثاني منه، وستبقى المعادلة مختلة ما دام البعض ينظر إليها على أنها مجرد ديكور و"فراولة" في العملية السياسية، أو أداة جذب وإثارة في
الإعلانات التجارية.