كتاب عربي 21

قطعا ليس دفاعا عن التوحش

جعفر عباس
1300x600
1300x600

في السنوات الأخيرة، صار الغربيون ـ بصفة عامة ـ يقرنون الإسلام والمسلمين بالتوحش والنزعات الدموية، فألبسوا الفظائع التي ارتكبها قلة من المسلمين من تنظيمي "القاعدة" و"داعش" لعموم المسلمين، ولم يخفف من حدة الاتهام "بالجملة" هذا أن عدد ضحايا داعش من المسلمين كان أكبر بكثير من أعداد ضحاياهما من الملل الأخرى، ومع هذا صار الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) من عام 2001 عندما فجر تنظيم "القاعدة" برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، وتسبب في مقتل 2606 أشخاص، إلى جانب نحو ثلاثمائة آخرين لقوا حتفهم خلال هجمات أخرى تمت في نفس اليوم من عناصر "القاعدة" الـ 19 الذين شنوا هجمات متزامنة على عدة أهداف أمريكية من بينها مبنى وزارة الدفاع؛ صار ذلك اليوم معلما تاريخيا كما يوم قصف هيروشيما اليابانية بالقنبلة الذرية.

وسجل الأمم الغربية الدموي مبذول ومكشوف وموثق، ويجعل "الإرهابيين" المسلمين يبدون كهواة لا يتقنون صنعة القتل، ولكن تلك الأمم وبحكم إتقانها فنون الإعلام والتضليل الإعلامي تمارس تغبيش التاريخ، ولهذا لا يعرف نحو نصف الأمريكيين أن بلدهم هو أول وآخر من استخدم القنبلة الذرية في هيروشيما ونجاساكي اليابانيتين في آب (أغسطس) 1945، وقتلت القنابل ما يصل إلى 220,000 شخص معظمهم من المدنيين على التو، بينما توفي الآلاف لاحقا بفعل السرطانات والحروق.

 

المسلمون الذين يتم إلحاق استرقاق الناس بهم، كانوا من ضمن ضحايا خطف وترحيل أكثر من مائة مليون من أهل غرب إفريقيا إلى الأراضي الأمريكية ليعملوا عبيدا فيها،

 



وفي العقد الثاني من القرن العشرين أشعلتها دول أوروبا حربا ضروسا على بعضها البعض هلك فيها عشرة ملايين من العسكريين وسبعة ملايين من المدنيين، مات نحو مليونين منهم جوعا أو ضحايا للبيئة الموبوءة التي خلفتها تلك الحرب، وبعد هدنة هشة دامت عشرين سنة اشتعلت الحرب العالمية الثانية (وهي أوروبية بامتياز مثل الحرب الأولى، ولكن كان لا بد من توزيع دمائها بين شعوب العالم)، وصارت أكثر الصراعات العسكرية دموية على مر التاريخ بحساب إجمالي عدد القتلى الذي يربو على خمس وسبعين مليونا، وليس بنسبة القتلى من إجمالي عدد السكان. وكان عديد ضحايا تلك الحرب من المدنيين ضعف عديد القتلى من العسكريين.

ثم كان التدخل العسكري الأمريكي في فيتنام في منتصف ستينيات القرن الماضي، وذلك زمان كانت فيه الولايات المتحدة تتصرف في كوكب الأرض على أنها وارثة الاستعمار القديم، فكان أن قررت الحلول محل الفرنسيين في فيتنام، مما زج بها في حرب ضروس انتهت بهزيمتها عام 1975 بعد أن خسرت أرواح 60 الف جندي، وأهلكت قرابة الثلاثة ملايين فيتنامي ودمرت معظم الغطاء النباتي في فيتنام بالأسلحة الكيميائية، وأنشبت أظافرها في كمبوديا ولاوس وتسببت في هلاك نحو 350 ألفا من مواطني البلدين.

أما في الكفة الأخرى من الميزان فقد كان هناك جوزيف ستالين الزعيم السوفييتي الذي نفذ أحكام الإعدام في 390 ألف شخص، وأهلك قرابة المليونين من مواطني بلده في المعسكرات سيئة السمعة المسماة "غولاغ"، ثم نصف مليون آخرين بسبب سياسة التهجير القسري للمواطنين لخلق معادلة سكانية تلائم توجهاته.

هدفت من نشر أرقام ووقائع معلومة إلى التنويه بأن العنف الأهوج وعمليات التقتيل بالجملة إرث أوروبي مسيحي، وهم من نكل باليهود وأذلوهم وأشبعوهم قتلا حتى بلغ عدد ضحاياهم في ألمانيا النازية وحدها ستة ملايين، ثم اختاروا أن يكفروا عن ذلك بأن جعلوا لهم فلسطين وطنا، ليمارسوا بدورهم التقتيل والتنكيل بحق الفلسطينيين، فصاروا الحُوار الذي تفوق على شيخه.

 

ضحايا الحروب التي كان المسلمون طرفا رئيسا فيها منذ واقعة بدر إلى يوم الناس هذا أقل من عدد ضحايا الحرب الأمريكية في أفغانستان في عشرين سنة

 



والمسلمون براءة من دماء المسيحيين البروتستانت الذين نشدوا الإصلاح الديني فأهدر بابوات الفاتيكان وأمراء وملوك أوروبا دماءهم، فكانت المجازر البشعة في هولندا وإيطاليا وإسبانيا وغيرها، وكانت فرنسا مسرحا لمجزرة سان بارتيليمي في عام 1572 والتي ذبح خلالها عشرات الآلاف من البروتستانت على أيدي السلطات والمتعصبين الكاثوليك بأوامر من الملك شارل التاسع ووالدته كاترين دي ميديشي، وكانت الكنيسة الكاثوليكية متواطئة ومشاركة في المجزرة، ففي يوم 24 آب (أغسطس) من ذلك العام دقت أجراس الكنائس إشارة للجنود والمتطوعين من الأهالي بالبدء في الفتك بالبروتستانت، فكان أن هرب البروتستانت بدينهم إلى الأراضي الجديدة (أمريكا).

والشاهد هو أن الدول الغربية تتنصل من عار تاريخها الدموي وترمي المسلمين بدائها لأن جماعات صغيرة مارقة من المسلمين مارست العنف الأهوج هنا وهناك، والشاهد أيضا هو أن الهوس الديني ليس وقفا على ملة بعينها، فالهند المعاصرة تشهد عنفا مؤسسيا من الهندوس بحق المسلمين والمسيحيين، والبوذيون الذين يروج أنهم أقل أهل الأرض ميلا إلى العنف بمقتضى عقيدتهم "أهيمسا" التي تعني "لا للأذى" هم من ينكلون بمسلمي الروهينغيا في ميانمار اليوم، وأهل الحكمة الكونفشيوسية في الصين هم من ينكلون بمسلمي الإيغور اليوم.

والمسلمون الذين يتم إلحاق استرقاق الناس بهم، كانوا من ضمن ضحايا خطف وترحيل أكثر من مائة مليون من أهل غرب أفريقيا إلى الأراضي الأمريكية ليعملوا عبيدا فيها، وهلك أكثر من نصفهم في الطريق إليها، وضحايا الحروب التي كان المسلمون طرفا رئيسا فيها منذ واقعة بدر إلى يوم الناس هذا أقل من عدد ضحايا الحرب الأمريكية في أفغانستان في عشرين سنة، وليس هذا تبريرا لجرائم "القاعدة" و"داعش"، ولكنه تذكير للغربيين وأجهزة إعلامهم بأنهم يفتقرون إلى المسوغ الأخلاقي والتاريخي لاتهام غيرهم بالبربرية والوحشية، وبأن الهوس الديني في الأصل بضاعتهم.


التعليقات (1)
باسم إبراهيم
السبت، 29-05-2021 03:32 م
نسيت أن تذكر محاكم التفتيش في أسبانيا بحق المسلمين واليهود، وربما تستحق هذه المحاكم البشعة أن تكتب عنها مقالة أخرى.