بعد أن ودع زوجته وأطفاله الخمسة، الذين ارتدوا ملابس العيد وحملوا
ألعابهم ليتوجهوا مباشرة إلى بيت خالهم، خلد
الفلسطيني محمد الحديدي إلى النوم،
علّه يجد قسطا من الراحة، بعد يوم دام من العدوان
الإسرائيلي على قطاع
غزة.
كان هذا اليوم 15 أيار/مايو الجاري، ثالث أيام عيد الفطر، غمرت
الفرحة قلوب الأطفال، والوالدين اللذين استطاعا أخيرا إيجاد فسحة من المرح
لأبنائهم، في ظل استمرار الغارات العنيفة التي كانت تشن على القطاع بشكل متواصل.
لم تكتمل غفوة الحديدي، ليصحوا على وقع انفجار ضخم جدا، يهز مخيم
الشاطئ للاجئين الفلسطينيين غربي مدينة غزة.
هذا الانفجار كأنه وقع "في قلبه"، لم يدر بداية أن
صاروخا سقط على منزل شقيق زوجته، المكون من 3 طوابق، وأحاله وغالبية من في المنزل
إلى رماد.
حالة من الهلع سادت مخيم الشاطئ آنذاك، أصوات تنادي على
"محمد"، أن منزل أقربائك من عائلة "أبو حطب"، دمر بالكامل
وسوّي في الأرض بمن فيه.
"ماذا؟ كيف؟ أطفالي وأطفال شقيق زوجتي
كلّهم في الداخل، ماذا حل بهم؟"، الكثير من الأسئلة راودت الحديدي، لحظة
القصف، في حين أن "العقل البشري لا يستوعب أن مجزرة كهذه من الممكن حدوثها".
وصل خلال دقائق إلى مكان المنزل المستهدف، وما زال الركام ساخنا،
ينفث دخانا أسود، وطواقم الإسعاف والدفاع المدني تعمل في المكان.
في هذه اللحظة، وهو ينظر بمشاعر أكبر من "الحزن والألم"،
يتم انتشال جسد نجله "صهيب" (14 عاما)، من تحت الركام، أشلاء.
مشهد صادم بالنسبة لأب ودّع أطفاله الذين خرجوا لساعة من أجل
الترويح عن أنفسهم، فبدلا من عودتهم وعقد لقاء يدور حول النشاطات التي لعبوها سويا
في منزل "خالهم"، قابلهم
شهداء وأشلاء.
جثمان بعد الآخر يتم انتشاله من المكان، والعقل البشري يعجز عن
استيعاب ذلك.
كيف لغفوة قصيرة، تكون الفاصلة في حياتك، فتنام وأنت لديك عائلة،
وتستيقظ وحيدا بلا أحد إلا من "عُمر"، الطفل الرضيع، كما قال.
وفي هذه الأثناء، وبينما يواصل طواقم الدفاع المدني البحث عن
الأشخاص الذين كانوا في المنزل، سواء ارتقوا شهداء، أو نجوا من هذه المجزرة، يسحب
أحد أفراد الطواقم قطعة من القماش، كانت في حضن سيدة "مستشهدة"، لُفّ
فيها الطفل "عمر".
ويقول الحديدي زوجتي ضحت بنفسها من أجل حماية طفلها، هذه هي
الضريبة التي تدفعها الأمهات.
عمر، الناجي الوحيد من عائلة الحديدي، يُكتب له أن يكمل حياته بدون
والدته التي تمده بالحنان والعطف، أو أشقائه بعد أن سقطوا جميعهم ضحية مجزرة
إسرائيلية وحشية.
وأصيب عُمر بإصابات في أنحاء مختلفة من جسده الضعيف، بحيث نالت
الإصابة من منطقة العين، وكسر في القدم.
عُمر فقد جميع أشقائه في هذه المجزرة، بعد صهيب تم انتشال جثث
"يحيى (11 عاما)، وعبد الرحمن (8 أعوام)، وأسامة (6 أعوام)".
إلى جانب عائلة الحديدي، ارتقى أربعة أطفال آخرين برفقة والدتهم،
من عائلة أبو حطب (شقيق زوجة الحديدي)، فيما نجت من المجزرة طفلة واحدة اسمها
"مارية" (4 سنوات).
وانتشلت طواقم الدفاع المدني من تحت ركام المنزل كلّا من: "يوسف (11 عاما)، وبلال (9 أعوام)، ومريم (8 أعوام)، ويامن (6 أعوام)، ووالدتهم
ياسمين أبو حطب".
ويقول الحديدي: "هذه المجزرة، تدل على وحشية الاحتلال واستهدافه
للأطفال والنساء دون سابق إنذار، وعدم احترام الإنسانية".
ويتابع: "هذا الصبر الذي يجعلنا أكثر ثباتا وتحملا لهذا
البلاء هو من الله، لا يمكن لعقل بشري أن يستوعب فقدان عائلة كاملة بلمح
البصر".
واستكمل قائلا: "عقيدتنا أن الشهداء (بإذن الله) أحياء
يرزقون".
وطالب الحديدي المجتمع الدولي بمعاقبة إسرائيل على جرائمها التي
ارتكبتها بحق الأطفال والنساء.
يشار إلى أن 11 يوما من العدوان على قطاع
غزة، أسفر عن استشهاد 254 شخصا، بينهم 66 طفلا، و39 سيدة، و17 مسنا، فيما أدى إلى
أكثر من 1948 إصابة، وفق وزارة الصحة بغزة.