هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "كتاب الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة: دراسة قانونية"
الكاتب: د. عبد الرحمن محمد علي
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، بيروت لبنان 2011
عدد الصفحات: 130 صفحة
عرضنا في حلقتنا السابقة توثيقا للجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين، إثر غاراتها المباغتة على قطاع غزة بداية من 27 كانون الأول (ديسمبر) 2008، مدّعية أنها تستهدف معاقل المقاومة. وكان منطلقنا أثر بدر عقيلي الذي عرض شهادات لجنود إسرائيليين تؤكد ما ارتكبوا من الفظائع في غزة والضفة الغربية.
ونعرض في الحلقة الثانية تصوّرا لمواجهة هذه الجرائم عبر النضال على الواجهة القانونية من خلال "كتاب الجرائم الإسرائيلية خلال العدوان على قطاع غزة: دراسة قانونية" للدكتور عبد الرحمن محمد علي.
يستهل الباحث أثره بالتذكير بالحصيلة الثقيلة لهذا العدوان. فقد أفضت إلى استشهاد 1434 فلسطينيا خلال 23 يوما من الحرب بينهم 960 مدنيا منهم 239 من الشرطة المدنية و288 طفلا و121 امرأة فضلا عن تدمير 2400 منزل و28 منشأة عامة من وزارات ومقرات بلديات ومحافظات.. و30 مسجدا بشكل كلي و15 بشكل جزئي.. فكان عمله أقرب إلى مرافعات قضائية.
ويعتمد في عرضه هذا تقارير المنظمات الحكومية والحقوقية والدولية. وتتفق جميعها في اتهام الجيش الإسرائيلي بالإفراط في استعمال القوة وباستهدافه، عن نية وقصد، المنشآت المدنية والأملاك العامة والخاصة وسط الأحياء السكنية المكتظة. ومن بين مراجعه تقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة الذي يؤكد الانتهاكات الإسرائيلية الجسيمة للقانون الدولي العرفي والقانون الدولي الإنساني واتفاقية 1949 الخاصة بحماية المدنيين أثناء الحروب..
1 ـ العدوان جريمة حرب
يجد الباحث في العدوان جريمة حرب. فيشرح أركانها القانونية ويعرّفها باعتبارها تعمّد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية. ويمثل القتل العمد أحد وجوهها فهو من أكثر انتهاكات اتفاقية جينيف جسامة. ثم يتدرّج في عرض الشروحات التقنية والبنود القانونية التي تدعم أطروحته. فضمن الأركان المادية لجريمة الحرب هذه، يعرض موقف القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي الجنائي من الحالات التي يوجد فيها مدنيون حول أهداف عسكرية.
فمن مواد اتفاقية روما "يلغى أو يعلّق أي هجوم أي هجوم إذا تبيّن أنّ الهدف ليس هدفا عسكريا أو أنّ الهجوم قد يتوقع منه أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين... أو الإضرار بالأعيان المدنية". وإلى ذلك تنصّ هذه الاتفاقية على ضرورة "توجيه إنذار مسبق وبوسائل مجدية في حالة الهجمات التي قد تمس السكان المدنيين". وعليه يتمتع المدنيون بالحماية ما لم يقوموا بدور مباشر في الأعمال الحربية العدائية. ويعدّ الصحافيون الذين يباشرون المهمات المدنية الخطرة في مناطق المنازعات المسلحة أشخاصا مدنيين، فتتوجب حمايتهم شرط ألا يقوموا يما ينافي وضعهم هذا.
ويحظر القانون الدولي الهجمات العشوائية التي لا توجه إلى هدف عسكري محدد أو تلك التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا توجه إلى هدف عسكري محدّد أو التي تستخدم طريقة أو وسيلة للقتال لا يمكن حصر آثارها. فتصيب الأعيان المدنية أو المدنيين دون تمييز أو الهجمات التي يتوقع منها خسارة في أرواح المدنيين أو إلحاق ضرر بالأعيان المدنية.
ويربط الركن المعنوي لهذه الجرائم بتوفر نية القصد فيها، من منطلق المادة 8/2/ب/1 لهذه الاتفاقية التي تربطها بـ"أن يتعمد مرتكب الجريمة جعل هدفَ الهجوم السكانَ المدنيين بصفتهم هذه أو أفرادا لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية" فيعرض عديد الوقائع التي تدل على قصدية ارتكاب الجيش الإسرائيلي لجرائمه. ونقتصر على نماذج قليلة منها وقعت في مخيم جباليا. ففي 28 كاون الأول (ديسمبر) 2008 أقدمت قوات الاحتلال على قتل الأطفال الخمسة لأنور العلوشة وهم في منزلهم في مخيم جباليا شمال قطاع غزة، عندما قامت الطائرات الإسرائيلية بإطلاق ثلاثة صواريخ تزن ثلاثة أطنان من المتفجرات على مسجد عماد عقل فدمرت المسجد ومنزل أنور العلوشة واستشهد جراء القصف أبناؤه الخمسة.
وفي 1 كانون الثاني (يناير) 2009 أطلقت الطائرات الحربية الإسرائيلية عدة صواريخ باتجاه منزل الدكتور نزار ريان بالقرب من مسجد الخلفاء الراشدين في مخيم جباليا. وتمثلت حصيلة الهجوم في تدمير المنزل المكون من خمسة طوابق واستشهاد الدكتور وزوجاته الأربعة وأبنائه الأحد عشر. وفي 6 كانون الثاني (يناير) 2009 وقبل 25 دقيقة من انتهاء ساعات التهدئة قصفت الدبابات والطائرات الإسرائيلية أربعة صواريخ وقذائف مدفعية باتجاه مخيم جباليا فسقطت إحدى القذائف في فناء منزل المواطن سمير شفيق ديب استشهد جراءه هو ووالدته (70 سنة) وثلاثة من أبنائه وخمسة من أنجال شقيقه.
وورد في الفصل 11 من تقرير لجنة تقصي الحقائق لبعثة الأمم المتحدة أنها حققت في عشرة أحداث شنت فيها القوات الإسرائيلية هجمات مباشرة على الفلسطينيين وأنها لم تجد أي هدف عسكري يبرر ذلك من بينها منزل كانت القوات المسلحة الإسرائيلية قد أجبرت المدنيين على التجمع فيه. وتشير الحقائق التي جمعتها البعثة إلى أنّ جميع الهجمات قد وقعت لما كانت القوات المسلّحة الإسرائيلية تسيطر على المنطقة المعنية وكانت قد دخلت من قبل في تواصل مع الأشخاص الذين هاجمتهم لاحقا أو أنها كانت تراقبهم على الأقل. وأنها تعلم بكونهم مدنيين عزّل.
2 ـ العدوان جريمة ضد الإنسانية
تضبط الفقرة الأولى من المادة السابعة من معاهدة روما التي أسست لقيام المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، الجريمة ضد الإنسانية بأن يقتل المتهم شخصا أو أكثر وأن يرتكب السلوك ضمن هجوم واسع النّطاق أو منهجي موجّه ضد سكان مدنيين وأن يعلم مرتكب الجريمة بأن السلوك جزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضدّ سكّان مدنيين أو ينوي أن يكون هذا السلوك جزءا من ذلك الهجوم. ويكون القتل عن طريق الفعل أو الامتناع عن الفعل. تقع زمن السلم كما تقع زمن الحرب. ولكن لابد من توفّر شروط قانونية محدّدة ليصنّف عدوان ما في النزاعات المسلحة جريمةً ضد الإنسانية. ولذلك كثيرا ما يمثل إثبات التهمة موضوع نزاع قانوني.
وفي هذا السياق يعرض وجهة النظر الإسرائيلية التي ترفض اتهامها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية لعدم اعترافها بكون فلسطيني أراض محتلة. ثم يبرز تهافت حججها عارضا وجهة النظر الفلسطينية. مستندا إلى مواثيق الأمم المتحدة وإلى مختصين ألمعيين في القانون الدولي، شأن شارل روسو الذي يعتبر "أنّ الاحتلال يرتّب أثرين قانونيين، أولهما أنّ هذا الاحتلال ليس ناقلا للسيادة من الدولة المحتلة إلى الدولة المسؤولة عن الاحتلال، أما ثانيهما فهو أنّ الاحتلال لا ينقل غير اختصاصات إدارية وإنسانية من الدولة المحتلة إلى دولة الاحتلال".
ملاحقة مجرمي الحرب من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي تمارس اختصاصها بإحالة القضية إلى المدّعي العام من دولة مصدّقة على النظام الأساسي أو بإحالة القضية إلى المدعي العام من مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو فتح المدّعي العام تحقيقا من تلقاء نفسه.
ولإثبات هذه التهمة، يعرض الأدلة التي تثبت وجود علاقة بين الجرائم التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة والنزاع المسلح والتي تبرهن على إدراك المهاجمين بأن اعتداءهم ذاك ينخرط ضمنه.
ومن الجرائم ضد الإنسانية الإبادةُ الجماعيةُ. فيعرض النصوص التي تحدّد ماهية الإبادة كالمادة 7/1 والمادة 7/2- ب وتقرّ بأنها "تشمل تعمّد فرض أحوال معيشية من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والماء بقصد إهلاك جزء من السكان" مبرزا أنّ مفهوم الإبادة لا يقتصر على حالات القتل المباشر لجماعة من السكان المدنيين وأنه يشمل حالات الحصار الاقتصادي المفروض على قطاع غزة ضد السكان المدنيين. فتفريع المادة يعلن ذلك صراحة بقوله: "أن يقتل مرتكب الجريمة شخصا أو أكثر بما في ذلك إجبار الضحايا على العيش في ظروف ستؤدي حتما إلى هلاك جزء من السكان". ويشير الهامش رقم 9 من أركان الجرائم إلى أنّ جريمة الإبادة تشمل "الحرمان من إمكانية الحصول على الأغذية والأدوية".
3 ـ النضال على الواجهة القانونية
يظل هاجس الباحث فتح واجهة جديدة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والبحث عن طريقة عملية لملاحقة مجرمي الحرب ومنفذي الإبادة ضد المدنيين العزّل. فيقترح مسارين اثنين، مسار المحكمة الجنائية الدولية باعتبارها "وسيلة إستراتيجية يلجأ إليها كل مناصر للقضية الفلسطينية" واستخدام مبدإ الاختصاص العالمي بما هو وسيلة تكتيكية "لإحراج كل إسرائيلي متورّط في ارتكاب جرائم من التنقل بحريّة".
فملاحقة مجرمي الحرب من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي تمارس اختصاصها بإحالة القضية إلى المدّعي العام من دولة مصدّقة على النظام الأساسي أو بإحالة القضية إلى المدعي العام من مجلس الأمن تطبيقا للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أو فتح المدّعي العام تحقيقا من تلقاء نفسه. وينبه الباحث إلى أنّ نظامها الأساسي يقر مبدأ المسؤولية الفردية لتحقيق العدالة ومنع الإفلات من العقاب. فالمتهم يتحمل المسؤولية عن فعله الإجرامي بمفرده (فردا كلن أو عنصرا من قوات مسلحة أو مسؤولا سياسيا).
ويتعلق الأمر بالأشخاص الطبيعيين دون سواهم، مضيفا أنّ مبدأ المسؤولية الفردية هذا لا يمنع تحمّل القادة والرؤساء المسؤوليةَ عن الجرائم التي ترتكب من قبل المنظورين وأن الحصانة البرلمانية لا تحول دون ممارسة المحكمة لاختصاصها على أي متهم يحال إليها. أما المسار الثاني المتعلّق بالاختصاص العالمي فيرتبط بمبدإ قانوني يخالف القواعد العادية للاختصاص الجنائي. فيسمح للدولة بإقامة الدعاوي القانونية الجنائية بصرف النظر عن مكان الجريمة وجنسية مرتكبها أو ضحيتها. ويتيح محاكمة أي شخص يكون قد ارتكب جريمة دولية في أي مكان في العالم لاعتبارها جرائم خطيرة تضير بالمجتمع الدولي عامة..
4 ـ كتابان في جرائم إسرائيل.. وبعد؟
عرضت ورقتنا تفاعلين مختلفين مع جرائم إسرائيل. فكان همّ بدر عقيلي يتجه نحو فضح الجرائم الإسرائيلية وإخراجها إلى الملإ وقد أراد مرتكبوها أن تبقى طي الكتمان والحجب، وينصرف نحو خدمة القضية الفلسطينية عبر حفظ الذّاكرة. فيمثل امتدادا لجهود منظمات حقوقية دولية كثيرة تعمل على توثيق الجرائم الإسرائيلية، إيمانا منها بأن مثل هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم. أما أثر عبد الرحمن محمد علي فيتقدّم خطوة إلى الأمام على المستوى النضالي. فكان أشبه بصوت ادعاء عام يترافع لثبت الجرائم الإسرائيلية.
ولما كانت المصنفات القانونية تربط الجريمة بركنيها المادي والمعنوي وكان الوجود القانوني للجريمة لا يتحقّق إلا باقتران ركنها المادي بركن آخر معنوي أدبي، قوامه الإرادة المجرمة التي تتجه نحو الفعل الإجرامي وتسيطر على ماديات الجريمة، حرص الباحث على إثبات هذين الرّكنين. ومهدّ السبيل إلى ملاحقة المجرمين. فكان الكتاب، حسب الباحث، محاولة للعودة بالقضية الفلسطينية إلى بعدها القانوني إلى جانب البعد السياسي. ويقدر أنه يصوغ ورقة من أوراق الضغط القانوني التي من شأنها إحراج الأمم المتحدة ودفعها إلى تحمّل مسؤوليتها تجاه ما يحدث.
ولا شكّ أنّ تقييم الأثر من مستواه العلمي يبقى من شأن أصحاب فقهاء القضاء الجنائي الدولي. أما تقيمه على مستوى الجدوى فمتاح لغير المختصين. فهو، على الأقل، يبحث عن سبل أخرى يمكن اتباعها، ويفتح جبهة نضال جديدة. ويمثل الكتاب بدوره امتدادا لعمل "الهيئة الفلسطينية المستقلة لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين" التي تنشط منذ مدة. ولا شكّ أن في ملاحقة الإسرائيليين أنفسم للمتهمين بالجرائم النازية بحق اليهود دليلا على جدوى مثل هذا النشاط.
إقرأ أيضا: جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة.. وقائع وشهادات