محمد فحص
"وجدت هذه المقاومة لحماية
لبنان والدفاع عن أرضه وشعبه ولا يمكن استخدام هذا
السلاح في الداخل اللبناني".. هذه كلمات أمين عام
حزب الله، حسن نصر الله، في كل مناسبة واحتفال للدفاع عن السلاح وطمأنة اللبنانيين بأن هذا السلاح
الإيراني هو لمحاربة المعتدي وليس لتوجيهه نحو صدور اللبنانيين؛ الذين صدقوا هذا الكلام المعسول وتكاتفوا وتضامنوا حول المقاومة، حتى وصل الأمر بالعديد من العائلات لبيع ما تيسر من مدخراتها لدعم المقاومة، وكأنها بهذه الحال ضمنت بيتا في الجنة، وخاصة بعد حرب تموز/ يوليو 2006 وما تبعها من انقسامات بين مؤيد ومعارض لهذه الحرب.
كانت حرب تموز/ يوليو 2006 القشة التي قسمت ظهر البعير بالنسبة لحزب الله وعرّته أمام المجتمع الدولي والعربي، وخاصة بأن قرار الحرب أُخذ من دون العودة الى مرجعية الدولة الغائبة، وخطاب نصر الله في بداية الحرب وكلامه "لو كنت أدري بأن اختطاف الجنود الإسرائيليين سيوصلنا الى الحرب لما كنت فعلتها".
وعندها بدأ المجتمع اللبناني بأخذ الحيطة والحذر من الحزب ولكن من دون أن يتطرق الى موضوع السلاح لعلمه بأن التطرق إلى هكذا موضوع سيضعه بخانة العميل، والتهمة جاهزة لكل من تسول له نفسه معارضة السلاح غير الشرعي، إلا فئة قليلة من اللبنانيين الذين ذاقوا الويلات من بطش الحزب، ومنهم من تعرض لمحاولة اغتيال من قبلهم، كالنائب مروان حمادة الذي كان وزيرا للاتصالات في العام 2008، وكان عرّاب القرار الذي قضى بمصادرة شبكة الاتصالات الداخلية الخاصة بحزب الله وإقالة قائد جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير، عندها أحس الحزب بأن وجوده أصبح في خطر، والمطار الذي يقع تحت سيطرته أصبح مكشوفا دوليا، عندها جهز عناصره اللبنانيون المدججين بسلاح فارسي لاحتلال بيروت العربية.
وما حدث صباح السابع من أيار/ مايو 2008 عندما أفلت حزب الله عناصره في شوارع بيروت من دون أي تدخل أو ردع من القوى الأمنية والجيش اللبناني، بيروت العلم والثقافة والتي لطالما غنّى لها الفنانون وكتب عنها المؤرخون احتلت من قبل هؤلاء الذين لا يريدون فرض لغة السلاح.
في السابع من أيار/ مايو سقط القناع، فهذا السلاح استخدم ضد اللبنانيين العزّل الذين يريدون لبنان المستقل من دون هيمنة جنود كسرى، السابع من أيار/ مايو أسس لمرحلة جديدة، مرحلة هيمنة السلاح ضد حرية التعبير، ضد المواطن المتسلح بقلمه ورأيه، هذا القلم الذي كُسر في السابع من أيار/ مايو على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية التي ساعدت باغتصاب بيروت من خلال سكوتها أو مشاركة عناصرها الموالين لحزب الله في المعارك.
سقط القناع فى 7 أيار/ مايو فهو يوم النكبة في لبنان وسقطت معه هيبة الدولة التي كانت على حافة الهاوية، 7 أيار/ مايو هو الطريق المعبد الذي أوصل ميشال عون الى سدة الرئاسة وشرّع السلاح في المحافل الدولية. ولكن لا يمكن أن نختبئ خلف إصبعنا فأفعال الحزب داخليا وخارجيا كان أكبر من هرطقات شخص كميشال عون الذي باع شرفه العسكري ووطنه للوصول إلى كرسي الحكم، فعون والحزب وجهان لعملة واحدة فالأول هو وجه الفساد والثاني هو وجه السلاح.
7 أيار/ مايو ليس يوم مجيدا كما أسماه أتباع إيران في لبنان، بل يوم عار على اللبنانيين الذين سكتوا واستسلموا للباطل وساهموا بوصول لبنان إلى هذا الوضع المزري الذي نعيشه اليوم، الوضع الذي أصبحت فيه كلمة الحق عبئا على صاحبها والباطل يهلل له. فحزب الله رسم خارطة طريق للبنان من خلال أعوانه الذين نصّبهم في مراكز الدولة، إن كان القوى الأمنية أو الجيش وصولا إلى رئيس الجمهورية الذي وصل بفعل انقلاب الحزب على الشرعية وفرضه على اللبنانيين ونصّبه حاكما إيرانيا بطائفة مسيحية.
باختصار هذا هو الوضع اللبناني الذي وصلنا إليه بفعل السلاح وفساد الطبقة السياسية الحاكمة، ولا أرى أفقا قريبا لنهاية هذا الوضع إلا بتدخل أجنبي يضمن حرية اللبنانيين ويحاسب السياسيين، ولكن هذا حلم إبليس في الجنة، فمصالح الدول أهم من كرامات المواطنين. فكما قال نيلسون مانديلا: "الفاسدون لا يبنون وطنا، إنهم يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم"، لذلك تصبحون على بقايا وطن كان اسمه لبنان.