تقارير

النكبة".. مصطلح جبري أدخل على القاموس الفلسطيني

هناك اعتقاد بأن قسطنطين زريق هو أول من استعمل مصطلح (النكبة) عام 1948- (أرشيف)
هناك اعتقاد بأن قسطنطين زريق هو أول من استعمل مصطلح (النكبة) عام 1948- (أرشيف)

لم يجد الشعب الفلسطيني والمؤرخون أقوى من مصطلح "النكبة" حتى يطلقوه على ما حصل لهم من تهجير وتقتيل واقتلاع من أرضهم عام 1948م حينما احتلت العصابات الصهيونية أرضهم وطردتهم منها بقوة السلاح وبدعم دولي.

أدخل هذا المصطلح "النكبة" جبرا إلى ثقافة وحياة الشعب الفلسطيني ليصبح جزءا لا يتجزأ منها يطلق على كل شيء يدمر لأنه دمر شعبا واقتلعه من أرضه.

فقبل عام 1948م لم يكن لهذا المصطلح "النكبة" أي معنى عند الشعب الفلسطيني، حتى نُكب وأخرج من أرضه لتصبح النكبة ترمز إلى هذا الخروج ولتصبح جزءا من ثقافة وتراث الشعب الفلسطيني منذ أكثر من 7 عقود من الزمن.

وأكد الدكتور رشاد المدني، الباحث والمتخصص في التاريخ الفلسطيني والقرى والمدن الفلسطينية المدمرة أن مصطلح "النكبة" أصبح جزءا من مكونات الشعب الفلسطيني مثله مثل الأمثال الشعبية التي تقال، ولكنه من غير المعرف من الذي قالها وأصبحت جزءا من موروث الشعب الفلسطيني.

وقال المدني لـ"عربي21": "النكبة حصلت نتيجة عوامل كثيرة حتى قبل عام 1948م، حيث وقعت منذ تصريح بلفور عام 1917م.

 

 


واعتبر أن العدوان الأكبر بدأ منذ بدء فرض الاعتداء البريطاني وليس "الانتداب" كما يقال.

وقال: "العدوان البريطاني هو الذي أوجد دولة إسرائيل ووفر لها كل ما تحتاجه من اقتصاد وحياة اجتماعية وتدريب وأموال".

وأضاف: "منذ أواخر العهد العثماني كان هناك مستوطنات زراعية حول القدس، ولكن بعد تصريح بلفور زادت الإمكانيات حتى تمكنت هذه العصابات الصهيونية من السيطرة على فلسطين وإخراج سكانها منها".

وتابع: "المعركة لم تكن بين جيش وجيش، كانت بين عصابات صهيونية مسلحة ومدربة أعلى تدريب وبين شعب أعزل هو شعب فلسطين، من أجل ذلك ارتكبت المجازر وهجر الفلسطينيون من أراضيهم".

وشدد المدني على أن "نتائج وآثار النكبة ما زالت موجودة حتى يومنا هذا، لذلك فقد أصبحت جزءا من تركيبة الشعب الفلسطيني".

وقال: "هذا مصطلح (النكبة) أجبر الشعب الفلسطيني عليه، ودخل إلى قاموسه مثله مثل كثير من الكلمات منها الانتفاضة".

وأضاف: "مصطلح النكبة يعني نكبة ومجزرة حقيقية للشعب الفلسطيني لأنها أعادته 100 سنة للوراء وهو يعاني منها حتى اليوم".

ويسود الاعتقاد بأن قسطنطين زريق، نائب رئيس الجامعة الأمريكية في بيروت عام 1948، هو أول من استعمل مصطلح (النكبة) في سياق حديثه عن النزاع العربي-الإسرائيلي، وذلك في كتابه (معنى النكبة) الصادر في آب/ أغسطس 1948.

يقول زريق معقبًا على قبول الدول العربية للهدنة الأولى: "ليست هزيمة العرب في فلسطين مجرد إخفاق، أو شر عابر. هذه نكبة بكامل معنى الكلمة، وإحدى أصعب النكبات التي ألمت بالعرب خلال تاريخهم الطويل. تعلن سبع دول عربية الحرب على الصهيونية في فلسطين، وتقف عاجزة مرتدة على أدبارها. تريد سبع دول إلغاء التقسيم والقضاء على الصهيونية، لكنها تترك المعركة بعد أن خسرت جزءًا كبيرًا من أرض فلسطين، حتى ذلك الجزء الذي أُعطي للعرب. إنها تضطر إلى قبول الهدنة التي لا يوجد فيها أي ميزة أو مكسب من جهتها".

ولم يخض زريق في ما حل عام 1948م بالفلسطينيين من تقتيل وتشريد وتهجير وتدمير لمعظم معالمهم السياسية والاقتصادية والحضارية، وإنما رأى أن (النكبة) مع ولادتها كانت للعرب كافة.

واستعرض النائب عاطف رئيس لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي الفلسطيني ووزير شؤون اللاجئين الأسبق ما تعرض له الشعب الفلسطيني منذ 73 عاما، حينما تم احتلال أرضه من قبل العصابات الصهيونية، وما عرف منذ ذلك الوقت بـ"النكبة".

وقال عدوان لـ"عربي21": "إن أحداث نكبة فلسطين وما تلاها من تهجير شكلت مأساة كبرى للشعب الفلسطيني، لما مثلته وما زالت هذه النكبة من عملية تطهير عرقي حيث تم تدمير وطرد شعب بكامله وإحلال جماعات وأفراد من شتى بقاع العالم مكانه، وتشريد ما يربو على الـ800 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم من أصل 1.4 مليون فلسطيني كانوا يقيمون في فلسطين عام 1948".

وأضاف أن "الاحتلال الصهيوني سيطر خلال مرحلة النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه، وقد رافق عملية التطهير هذه اقتراف العصابات الصهيونية أكثر من 70 مجزرة بحق الفلسطينيين".

 

عاطف عدوان.. رئيس لجنة اللاجئين في المجلس التشريعي الفلسطيني ووزير شؤون اللاجئين الأسبق 


وبين أن المعاناة بكل أشكالها التي خلفتها نكبة الشعب الفلسطيني تعتبر المعاناة الأشد مأساوية في التاريخ الحديث نظراً لامتدادها على مدار أكثر من سبعة عقود.

وأوضح أن النكبة خلفت آثاراً كارثية على عدة أبعاد مختلفة، مشيراً إلى أن قضية اللجوء الفلسطيني هي جوهر الصراع مع الاحتلال وهي القضية الأكثر معاناة للشعب الفلسطيني التي تحتاج إلى تضافر كل الجهود الإقليمية والدولية لإزالة الاحتلال الصهيوني من فلسطين وتحقيق حق عودة الشعب الفلسطيني المهجر إلى ديارهم، وتعويضهم عن ما لحقهم من أضرار وآلام سنوات اللجوء والشتات.

وقال عدوان: "معاناة الفلسطينيين لا تنحصر في من هم داخل حدود فلسطين التاريخية، إنما امتدت إلى ملايين الفلسطينيين في الشتات لا سيما في المخيمات الفلسطينية في سوريا والعراق ولبنان والأردن".

وأضاف أن "أوضاع اللاجئين الفلسطينيين الإنسانية في بعض مخيمات اللجوء تشهد ترديا غير مسبوق، خاصة في ضوء القرارات الأمريكية الأخيرة تجاه تقليص مساهماتها المالية لوكالة الأونروا، وتأثيرات ذلك على مستوى الخدمات التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين".

وبين أن العالم كله يقف عاجزاً عن إنصاف الشعب الفلسطيني وتنفيذ القرارات الدولية التي تؤكد حق الشعب الفلسطيني في العودة والتعويض، وقد فشلت كل الجهود حتى اللحظة لتحقيق هذا الحق للشعب الفلسطيني بفعل التواطؤ الدولي مع الاحتلال والضعف العربي وعجز السلطة والتعنت الصهيوني الذي يتحدى القانون الدولي ويتصرف وكأنه فوق القانون الدولي وفوق المحاسبة.

وأكد أن حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وقراهم الأصلية التي هجروا منها هو حق مقدس وثابت وواضح كالشمس، كفلته لهم كافة الشرائع السماوية والأعراف والقوانين والقرارات الأممية والدولية، وهو حق غير قابل للتصرف أول التنازل أو التفريط أو المساومة ولا يسقط بالتقادم مهما طال الزمن.

وشدد على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة بكل الوسائل لوضع حد للاحتلال الذي طال أمده، مؤكدا أن حق العودة حق أصيل ثابت وواضح كالشمس وغير قابل للتنازل والتفريط ، قائلا: "لا بديل عن عودة لاجئينا الفلسطينيين إلى أرضهم وممتلكاتهم التي هجروا منها وتعويضهم عما لحقهم من أضرار جراء اللجوء والشتات".

وطالب المجتمع الدولي بإنصاف الشعب الفلسطيني ورفع الظلم عنه وتحقيق عودته إلى أرضه التي هجر منها قسراً، وتعويضه عما لحقه من أضرار ومعاناة خلال سنوات اللجوء والشتات والالتزام بتنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بحق العودة وفي مقدمتها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (194) لسنة 1948م.

وقال عدوان: "إن حق العودة حق مقدس فردي وجماعي شرعي وقانوني سياسي واجتماعي وطني وإنساني لا يجوز التنازل عنه أو التفريط فيه أو حتى التفاوض عنه، مع التأكيد على أن الشعب الفلسطيني لم ولن يفوض أحداً للتنازل عن أي شبر من فلسطين ولن تستطيع كل قوى العالم شطب هذا الحق".

وأضاف: "لا تنازل عن أي شبر من فلسطين من أي جهة أو سلطة أو منظمة أو فرد أياً كان موقعه واعتبار ذلك خيانة عظمى تستوجب المساءلة والملاحقة والمحاكمة"، مؤكداً على حق الشعب الفلسطيني بالعودة والتعويض معاً جنبا إلى جنب دون التفريط بأي شبر أو ذرة تراب من البحر إلى النهر.

ومن جهته أكد الكاتب والباحث ناهـض زقـوت أن الذكرى الـ73 لنكبة الشعب الفلسطيني التي تحل في الخامس عشر من شهر أيار/ مايو الجاري، "تلك النكبة التي حولت شعبا آمنا مستقرا في وطنه وأرضه، إلى شعب لاجئ في مخيمات البؤس والشقاء، ورغم كل هذه السنوات لم يتخل عن حق العودة إلى الديار التي هجروا منها بقوة السلاح عام 1948، وما زالوا يعلمون أبناءهم معنى الوطن والأرض، وحقهم في العودة مهما طالت السنوات". 

وقال زقوت لـ"عربي21": "النكبة الفلسطينية في عام 1948، لا تعني الهزيمة العسكرية للشعب الفلسطيني، فالهزيمة العسكرية قد تحدث لأي دولة تدخل في حرب مع دولة أخرى، ولكن ما حدث عام 1948 لم يكن حرباً بين دولة ودولة أخرى، بل كانت حربا بين عصابات مسلحة شبه منظمة وشعب آمن مستقر في أرضه، أعزل من السلاح، إلا ما ندر".

 



وأضاف: "لهذا فالنكبة في مفهومها العميق هي تهجير الفلسطينيين من وطنهم، ودفعهم بقوة السلاح والإرهاب إلى خارج وطنهم، لتخلو الأرض من السكان، من أجل استقدام آخرين ليحلوا مكانهم، تلك هي النكبة الحقيقية للشعب الفلسطيني".

وأشار إلى أن الحركة الوطنية الفلسطينية أعادت وحدتها الممثلة في منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1964، بعد أن تشرذمت وتشتت بفعل النكبة، منوها إلى أن المنظمة رفعت شعار العودة والتحرير، كمنطلق كفاحي وسياسي، وعليه كان برنامجها الوطني.

وقال زقوت: "شكل الترابط بين قضيتي الأرض واللاجئين أساس البرنامج الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية، ولمجمل أطراف حركة التحرير الوطني الفلسطينية، وكان النضال لتحرير الأرض، يعني في الوقت نفسه النضال لعودة النضال لعودة اللاجئين، والعكس صحيح أيضاً، وهو ما جعل مخيمات اللجوء في الخارج بؤرة التحرير وحاضنتها ووقودها، مثلما كانت مخيمات اللجوء في الداخل، لاحقاً، عنواناً لانتفاضة الخلاص من الاحتلال، وصاحبة الرصيد الأكبر في المعاناة والتضحيات".


التعليقات (0)