هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
جاء إعلان الحكومة العراقية، الخميس 29 نيسان/ أبريل الجاري،
عن عزمها على استيراد الغاز الطبيعي من مصر عبر الأراضي السورية، ليعيد الحديث عن آمال مصر
في تحقيق جزء من حلمها الذي تعطل كثيرا لأسباب عديدة بأن تصبح مركزا إقليميا لتصدير
الطاقة.
وكالة الأنباء العراقية (واع) نقلت عن وزير النفط العراقي
إحسان عبد الجبار، حديثه عن إمكانية استيراد الغاز المصري عبر الأراضي السورية، وذلك
خلال لقائه وزير النفط السوري بسام طعمة، حيث ناقشا إمكانية الاستفادة من وفرة الغاز
المصري ونقله عبر الأراضي السورية للعراق.
وتشهد علاقات مصر والأردن والعراق تقاربا اقتصاديا منذ آذار/
مارس 2019، وحديثا عن إنشاء خط أنابيب بين البصرة والعقبة ومصر في أيلول/ سبتمبر
2020، إلا أن حادث قطار سوهاج بصعيد مصر في آذار/ مارس 2021، والأحداث الأمنية بالأردن في
نيسان/ أبريل 2021، أجلا قمة زعماء البلدان الثلاثة.
وتمد بغداد القاهرة بالنفط وفق اتفاق منذ نيسان/ أبريل
2016، لتوريد نحو 12 مليون برميل من النفط الخام، في عقد يتم تجديده سنويا، فيما تعتمد
العراق على استيراد الغاز الإيراني.
ومصر التي لم تصدر تعليقا حتى كتابة هذه السطور على الحديث
العراقي؛ لديها مخزون كبير من الغاز تكون إثر اكتشافات عديدة أهمها حقل "ظهر"
عام 2015 -أكبر حقل مصري بالبحر المتوسط- تريد تصريفه والاستفادة بعوائده.
وتسعى القاهرة لتصريف ما تستورده من الاحتلال
الإسرائيلي في الصفقة المثيرة للجدل التي عقدتها شركة "دولفينوس" وبدأت بتنفيذها
منتصف كانون الثاني/ يناير 2020، باستيراد 85 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 19.5 مليار
دولار من حقلي (لوثيان) و(تمار) بالأراضي الفلسطينية المحتلة لمدة 15 عاما.
وترغب مصر في تشغيل محطات ومصانع تسييل الغاز في إدكو ودمياط
(شمال الدلتا)، وتعويض خسائرها من اتفاق الاحتلال وقبرص واليونان في كانون الثاني/ يناير
2020، بتصدير الغاز لأوروبا بدونها عبر مشروع "إيست ميد".
خبر استيراد العراق الغاز المصري عن طريق سوريا اعتبره خبراء
هاما، لأنه يعيد تشغيل أنبوب الغاز العربي، إلا أنهم في ذات الوقت يعتقدون بأن الغاز
المصدر إلى العراق لن يكون مصريا بل إسرائيليا، تحت مسمى الغاز المصري.
الخبير المصري في مجال الطاقة نايل الشافعي، قال عبر
"فيسبوك": "معنى استيراد العراق الغاز المصري عبر سوريا أن أنبوب الغاز
العربي أعيد تفعيله"، لكنه أكد أن "الغاز لن يكون مصريا"، موضحا أن
"مصر تستورد غازا إسرائيليا بـ3 مليارات دولار سنويا، ومتعهدة بشراء أي إنتاج إسرائيلي
يزيد على ذلك".
ويعتقد الشافعي، أن هذا "يعيد أنبوب الغاز العربي لغرضه
الأصلي: نقل الغاز الإسرائيلي تحت مسمى الغاز المصري"، مضيفا أن "هذا لب فكرة
أن تصبح مصر سوقا إقليمية للغاز"، مؤكدا أن "البيع والشراء يكون مع مصر،
وفي ذلك طمأنينة للنظام أنه مهما ارتفعت الديون، فلن تفلس الدولة، ما دامت تقوم بدورها
الإقليمي".
"توقيت موات"
"عربي21"، توجهت إلى الخبير الاقتصادي والمستشار
الأممي الدكتور إبراهيم نوار، بالتساؤل حول حجم مكاسب مصر من تصدير الغاز إلى العراق،
ومدى تعويض ذلك خسائر القاهرة من اتفاق الاحتلال وقبرص واليونان لتصدير الغاز لأوروبا.
نوار، أشار إلى أنه "بنهاية نيسان/ أبريل 2021، تماسكت
أسعار الغاز المسال بسوق الشرق الأقصى (اليابان/ كوريا الجنوبية) التي تقترب ببطء لكن
بثبات من 9 دولارات للمليون وحدة حرارية، مع اقتراب الأسعار بسوق مبادلات العقود بهولندا
من 8 دولارات".
وأكد أن "اتجاه الأسعار للارتفاع يعزز فرص تصدير الغاز
المسال المصري، مع إمكان تحقيق هامش ربح إلى أسواق أوروبا والشرق الأقصى"، لافتا
إلى أن "تكلفة إنتاج الغاز في مصر تصل إلى حوالي 5 دولارات للمليون وحدة حرارية".
"تساؤلات وشكوك"
من جانبه قال المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، الدكتور
حسام الشاذلي: "لاشك أن خبر تصدير الغاز المصري للعراق يفترض أن يكون خبرا جيدا
وسط الأخبار السيئة والتي تتصدر الإعلام المصري حول حوادث القطارات والرعب من الإرهاب
وضحايا الجيش والشرطة بسيناء وضحايا الوباء وغيرها".
أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي ورئيس جامعة كامبريدج
المؤسسية، أضاف بحديثه لـ"عربي21": "لكن ما تعودنا عليه مع النظام المصري
هو الاحتمال الأكبر لكذب الخبر عن صدقه، وإمكانية وجود حقائق في ما وراء الأخبار أكثر
من الكذب الذي على سطحه، وأخبار تصدير الغاز لا تختلف كثيرا عن ذلك".
وأوضح أنه "طبقا لتصريحات وزير البترول فيفترض أن مصر
حققت معدلات قياسية بإنتاج الزيت الخام والغاز بأكثر من ١.٩ ملايين برميل يوميا؛ مع
أعلى معدلات للاستثمار بتاريخها تتعدى الـ٣٠ مليار دولار منذ ٢٠١٩، مع الإعلان عن تقليل
شحنات استيراد الغاز، بل واعتبار تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩، نهاية عهد استيراد الغاز،
طبقا لنفس الجهة".
الخبير المصري، أضاف: "لكن؛ وعلى الجانب الآخر فإن صفقات
استيراد الغاز من إسرائيل تزيد مع إعلان تل أبيب في ٢٠٢٠، عن مضاعفة الكميات المصدرة لمصر
من حقل (لوثيان)".
وتابع: "لعل ما يثير الشكوك بخبر تصدير الغاز للعراق،
ومصدر هذا الغاز، هو تأكيد الجهات المصرية المسؤولة أن تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز
لا علاقة له باستيراد الغاز من إسرائيل والذي يهدف لتحويل القاهرة إلى مركز إقليمي لمعالجة
الغاز وإعادة تصدير الكميات المتوفرة منه".
وأكد الشاذلي، أنه "ولهذا لا يمكن تحديد مصدر الغاز
الذي ستصدره مصر للعراق، ولكن يجب علينا أن نتذكر أن عقد استيراد الغاز الإسرائيلي
ضخم وتتعدى قيمته الـ١٥ مليار دولار، ولذلك يبقى على أولويات الحكومة المصرية إعادة تصديره".
وألمح إلى جانب آخر وهو أنه "إذا كانت إعادة تصدير الغاز
وتحويل مصر إلى مركز إقليمي لتداولات الطاقة له بعد اقتصادي هام؛ فإنه يبقى السؤال الحقيقي
المتعلق بأسعار استيراد الغاز الخام من إسرائيل وتكلفة تسييله ومعالجته وسعر إعادة تصديره".
وتساءل الخبير المصري أيضا عن "مدى الخطورة على الأمن
القومي المصري والعربي في أن تصبح مصر محورا يساعد إسرائيل في تصدير الغاز إلى دول عربية؛
لتصبح معتمدة كأهم مصادر الطاقة على إمدادات من مصدر كان يعتبر العدو الطبيعي لدول
المنطقة منذ زمن ليس بالبعيد".
"مجرد وسيط"
مدير المعهد الدولي للعلوم السياسية والاستراتيجية، الدكتور
ممدوح المنير، يعتقد أيضا، أن "مصر مجرد وسيط لتمرير الغاز الإسرائيلي إلى المحيط
العربي"، معلنا رفضه "لفكرة وجود غاز إسرائيلي أصلا، وإنما هو غاز عربي مصري
تمت سرقته لوجود حاكم مثل السيسي".
وفي حديثه لـ"عربي21"، جزم بأن "مصر الآن
تقوم فقط بدور (المحلل) لغاز الكيان الصهيوني ليتم تمريره إلى الدول العربية على أنه غاز
مصري".
وأشار إلى أن "وزير الطاقة الإسرائيلي صرح كثيرا بأن
الغاز المصدر لمصر غير قابل للتصدير مرة أخرى، وبالتالي فإن الغاز الذي سيصدر إلى العراق ستكون
له اتفاقية جديدة بين مصر والكيان الصهيوني ثم بين مصر والعراق" .
ويعتقد الباحث المصري، أنه "لو كان الغاز مصريا فعلا
فإن إسرائيل لن تسمح بنقله عبر سوريا مطلقا".
"لهذا لن تتم الصفقة"
وفي رؤيته استغرب الصحفي المهتم بالشؤون العربية والدولية،
أحمد حسن بكر، غياب الطرف المصري في الحديث، وقال: "لو أن العراق يريد استيراد
الغاز المصري، لكان أعلن عن مباحثات مع مصر مباشرة".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار إلى أن "بغداد
تعتمد على الغاز الإيراني لتشغيل محطات توليد الكهرباء، بنحو 20 مليون قدم مكعبة يوميا؛
بكمية غير كافية لتشغيل المحطات خاصة بالصيف، لذا فإن مباحثات عراقية إيرانية تجرى
لزيادة الكمية إلى 70 مليون قدم مكعبة يوميا".
ولفت بكر إلى أن "زيادة كميات الغاز الإيراني المصدرة
للعراق ستظل رهن تخفيف واشنطن عقوباتها على طهران".
وحول ما "يعتقده البعض أن مصر ستعيد تصدير الغاز الإسرائيلي
للعراق عبر خط الغاز العربي الذي يبدأ من العريش مرورا بالأردن وسوريا وتركيا، فهو من
قبيل الصخب الإعلامي" .
وجزم بأن "إيران لن تسمح للعراق باستيراد الغاز الإسرائيلي
عبر مصر، كما أن عملية التصدير ستحتاج إلى بعض الوقت لحل كافة المشاكل التقنية، والعراق يحتاج لهذه الشحنات بشكل عاجل لضمان استقرار عمل محطات الكهرباء بالصيف"
.
لذا، يرى الصحفي المصري، أن "العراق ستعتمد على إيران
بزيادة كميات الغاز المصدرة إليها؛ كما أن بغداد لن تضع نفسها تحت رحمة أعمال التخريب
لأنبوب الغاز المصري، والذي شهد أكثر من 16 عملية تخريب عطلت ضخ الغاز للأردن لشهور".
ويعتقد أن "الغاز الإسرائيلي المزمع تصديره لمصر سيكون
لتسييله في محطات إدكو ودمياط ثم إعادة تصديره إلى دول العالم".