بعد ساويز ونطنز.. هل يستدرج الاحتلال إيران نحو حرب مفتوحة؟

تشهد المنطقة تسارع وتيرة التراشق بين إيران والاحتلال الإسرائيلي، واتساع رقعته، بالتزامن مع بدء محادثات عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي مع طهران.

ويطرح ذلك أسئلة حول إمكانية انزلاق إيران إلى مواجهة مع الاحتلال، مع تزايد مخاطر تنفيذه ضربات تؤثر على برنامجها النووي بشكل كبير، ما يفقدها ورقة المساومة مع القوى الغربية.

واستبعد مراقبون تحدثت إليهم "عربي21" حدوث ذلك، مؤكدين أن إيران تقوم بفصل في المسارات وتحاول تقليل حجم التأثير الإسرائيلي على العملية التفاوضية مع الولايات المتحدة، وإن كانت لا تثق كثيرا بأن الأخيرة غير متورطة بشكل أو بآخر بتلك الهجمات.

واختزل الهجوم على سفينة "ساويز" الإيرانية مشهد مواجهة بحرية بدأت قبل سنوات، فيما يتحدث هجوم نطنز عن صورة أخرى، تنسجم مع سياق الصراع الإقليمي الشامل، ولكنها تتقاطع بشكل خاص مع مسار مفاوضات الاتفاق النووي، وفق الباحث في العلاقات الدولية، عبد الله عقرباوي.

وفي حديث لـ"عربي21"، أشار عقرباوي إلى صعوبة نفي التداخل بين الملفات، لكن إيران تحاول جاهدة التمييز بين "حرب الظلال"، أو معادلة "سفينة مقابل سفينة"، من جهة، وكل ما هو متعلق ببرنامجها النووي من جهة ثانية بما في ذلك الهجمات على مفاعلاتها أو خبرائها.

اقرأ أيضا: معلق أمريكي: تخريب منشآت إيران النووية لن توقف طموحاتها

وأضاف: "الدافع الإسرائيلي لتوجيه الضربات للمنشآت النووية الإيرانية هو خلط الأوراق في مفاوضات عودة واشنطن للاتفاق مع طهران، وهنالك دوافع أخرى متعلقة بالاستراتيجية الإسرائيلية الشاملة في مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، وضرب خطوط الإمداد العسكري والاقتصادي واللوجستي بين طهران وحلفائها".

أما من الجانب الإيراني، فيضيف عقرباوي: "ترى طهران أن المواجهة مع إسرائيل قضية صراع استراتيجي في المنطقة، وتحاول قطع الطريق على سياسة خلط الأوراق الإسرائيلية".

وتابع: "المواجهة يتسع قوسها وتتسع مساحات الاشتباك وتتصاعد كما ونوعا. خلال السنوات الماضية اقتصرت المواجهة على ضربات إسرائيلية في سوريا والعراق وبعض الاختراقات الأمنية في لبنان، وكان يواجهها إطلاق صواريخ أو ردود هنا أو هناك، من الجانب الإيراني. أما اليوم فإننا نشهد اتساع المواجهة لتشمل البحار والسفن التجارية والمجال السيبراني".

ويتفق الخبير بالشأن الإيراني، طلال عتريسي، على مقولة ارتباط الهجوم الإسرائيلي على نطنز بمسار الاتفاق النووي. وقال، في حديث لـ"عربي21": "الاعتداء يهدف إلى تعقيد المفاوضات أو نسفها من الأساس وممارسة المزيد من الضغوط على بايدن من خلال توتير الأجواء في المنطقة، وخلق أجواء حرب أو تهديد بالحرب، بحيث تصبح المفاوضات لا معنى لها ولا قيمة لها".

"عض أصابع" 

أعرب عقرباوي عن اعتقاده بوجود مدى للتحمل لدى الإيرانيين على وقع تلك الضغوط، لا سيما أنهم لا يزالون خاضعين للعقوبات الأمريكية.

ولكن، ومن أجل إنجاز العودة للاتفاق النووي ورفع العقوبات؛ "ستحاول طهران الضغط على نفسها وعدم الانجرار إلى تفجير الوضع بالمنطقة وخاصة مع الولايات المتحدة".

اقرأ أيضا: خبير إسرائيلي: هجماتنا ضد إيران ستقود إلى مواجهة مع واشنطن

ولفت عقرباوي بشكل خاص إلى أن طهران "لا تريد أن تجعل من الفعل الإسرائيلي محددا في مسار مفاوضات عودة الولايات المتحدة للاتفاق النووي".

وأضاف: "إذا كانت طهران لا تريد تلك العودة فالطريق ممهد، ويتمثل في اتهام واشنطن بدعم الهجمات الإسرائيلية، ولكن الأمر ليس كذلك، وفي هذا الإطار فقد سارع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين الذي كان يجري زيارة للاحتلال الإسرائيلي، وقت حدوث هجوم نطنز، إلى نفي أي علاقة للولايات المتحدة به".

وتابع عقرباوي: "إيران لا تريد أن تربط الهجمات بمسار المفاوضات، ولكنها بطبيعة الحال ستؤثر وتعقد المشهد، وإذا وصلت الضربات إلى حد شل القدرات النووية الإيرانية أو تأخيرها بشكل جذري واستراتيجي، فإن الأكيد أن الاتفاق النووي سيصبح بلا قيمة، وستتساءل كل الأطراف: ما الحاجة له؟".

وبالمثل، أشار "عتريسي" إلى أن "إيران تحاول الفصل بين المسارين؛ استمرار التفاوض على برنامجها النووي وسحب جميع العقوبات، من جهة، والتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي من جهة ثانية"، مشيرا إلى أن الرغبة الأوروبية والأمريكية كفيلة بعزل تصرفات الاحتلال.

وأضاف: "أعتقد أن إيران قد تلجأ إلى الرد بالطريقة نفسها وقد حصل هذا الأمر في السابق، أي عبر نوع من العمليات السيبرانية، ولا أظن أن إيران تفكر في مواجهة مباشرة في هذه المرحلة من التفاوض، وبالتالي فإن الرد المحتمل والمتوقع هو بنفس الطريقة، وهو أمر متروك للقدرات الفنية والظرف المناسب".

اقرأ أيضا: هذه هي الأهداف الحقيقية للحرب البحرية بين الاحتلال وإيران

وإجابة على سؤال عن المدى الزمني للمشهد المتوتر، قال عقرباوي: "لعبة عض الأصابع هذه ستستمر حتى يحدث اختراق أساسي في الموقف بين الولايات المتحدة وإيران بالنسبة للعودة للاتفاق".

ولكن، ماذا لو خلص التحليل الإيراني إلى أن الولايات المتحدة تغض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية أو تدعمها بشكل أو بآخر، أو تضعها في سياق التفاوض؟

يجيب عقرباوي: "حتى لو كان هذا التحليل واردا لدى الإيرانيين، فليس من مصلحتهم التعبير عن ذلك أو الاعتراف به أو وضعه في الحسابات الدبلوماسية المعلنة، لأن أحد أهم المبادئ الإيرانية في العودة للتفاوض هو منع أي أطراف أخرى من الدخول إلى المفاوضات؛ لا إسرائيل ولا السعودية ولا أي طرف إقليمي، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر".

ومع ذلك، فإن "عدم اتخاذ إجراءات ضغط حقيقية من الجانب الأمريكي على الاحتلال لوقف ممارساته يضع موقف واشنطن في وضع تساؤل، ولكن علينا أن لا ننسى أيضا أن سياق الاشتباك لا يتعلق بالاتفاق النووي فقط، بل بعموم النفوذ الإيراني في المنطقة".

وأشار إلى أن المدى الطويل الذي يتوقع أن تستغرقه عملية التفاوض المعقدة "يعيدنا إلى الاستراتيجية الإسرائيلية في رفع وتيرة المواجهة مع الإيرانيين، إذ بات واضحا أنها هي التي باتت مسؤولة عن مواجهة طهران في المنطقة، وليس الاتفاق النووي".