كتاب عربي 21

ماذا يعني بيان الضباط المتقاعدين في تركيا؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600
أصدر 104 أميرالات متقاعدين من البحرية التركية، في ساعات متأخرة من مساء السبت، بيانا مشتركا ذا نكهة انقلابية، هددوا فيه الحكومة التركية المنتخبة بـ"عواقب وخيمة"، معبرين عن اعتراضهم على إنشاء قناة إسطنبول ومساعي صياغة دستور جديد للبلاد، كما حذروا من المساس باتفاقية "مونترو" الدولية المتعلقة بالملاحة في مضيقي البوسفور والدردنيل التركيين.

البيان الذي تم إصداره في منتصف الليل أعاد إلى الأذهان الانقلابات العسكرية في تركيا، وتدخل الجيش في شؤون الحكومة، وبالتالي أثار ضجة كبيرة واستياء واسعا في مختلف الأوساط. وسرعان ما أعلن المدعي العام في العاصمة أنقرة فتح تحقيق حول الموضوع، ما أدّى إلى توقيف عشرة من الضباط الموقعين على البيان، واستدعاء أربعة آخرين منهم للإدلاء بإفاداتهم أمام الشرطة دون توقيفهم؛ مراعاة لكبر سنهم ووضعهم الصحي.
البيان الذي تم إصداره في منتصف الليل أعاد إلى الأذهان الانقلابات العسكرية في تركيا، وتدخل الجيش في شؤون الحكومة، وبالتالي أثار ضجة كبيرة واستياء واسعا في مختلف الأوساط

ردود فعل المعارضة التركية تباينت ما بين مؤيد لما ورد في البيان ومنتقد له بشدة. وطالب رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، بتجريد الضباط الموقعين على البيان من رتبهم العسكرية، وقطع رواتبهم، بالإضافة إلى حرمانهم من حقوقهم التقاعدية. ومما لا شك فيه أن ما طالب به بهتشلي يعبر عن رأي كثير من المواطنين الأتراك الرافضين للانقلابات العسكرية كي تكون العقوبة رادعة، حتى لا يتجرأ أحد في المستقبل على تهديد الإرادة الشعبية والتفكير في اغتصابها بقوة السلاح.

الضباط الموقعون على البيان يجب أن يجيبوا على عدد من الأسئلة، مثل: "كيف اجتمعوا لمناقشة ما ورد في البيان وصياغته؟"، و"هل شارك في تلك الاجتماعات أحد من خارج البلاد؟"، وبعبارة أخرى: "هل لهم ارتباطات خارجية؟". ولكن السؤال الأهم هو: "ما مدى علاقاتهم وتنسيقهم مع ضباط موظفين؟"، لأن البيان قد يكون رسالة إلى داخل الجيش مفادها "نحن معكم"، وأن هناك أمثلة في تاريخ تركيا لتورط ضباط متقاعدين في بعض الانقلابات والمحاولات السابقة.

قيادة القوات البحرية لعبت دورا محوريا في انقلاب 28 شباط/ فبراير الذي أسقط حكومة أربكان الائتلافية في 1997. وكان قائد القوات البحرية آنذاك، الأميرال غووان أركايا، يعتبر الإسلاميين أخطر من حزب العمال الكردستاني. كما أن "مجموعة العمل الغربية" التي شكَّلها الانقلابيون في تلك الحقبة المظلمة لمراقبة الجماعات الإسلامية وأنشطتها؛ كانت تتخذ قيادة القوات البحرية مقرا لها. وأعاد بيان الأميرالات المتقاعدين إلى الأذهان كل تلك الذكريات الأليمة.
الداعمون للبيان الانقلابي يحاولون أن يدخلوه ضمن حرية التعبير، ويقولون إن الضباط الموقعين على البيان لم يرتكبوا جريمة، بل أعربوا عن آرائهم كبقية المواطنين

الداعمون للبيان الانقلابي يحاولون أن يدخلوه ضمن حرية التعبير، ويقولون إن الضباط الموقعين على البيان لم يرتكبوا جريمة، بل أعربوا عن آرائهم كبقية المواطنين. ومن المؤكد أن هذه محاولة للتهرب من تحمل مسؤولية البيان، بعد أن ارتفعت أصوات ضده من كافة شرائح المجتمع التركي.

حرية التعبير مكفولة في الدستور التركي لجميع المواطنين، وهؤلاء الضباط يمكن أن يعبروا عن آرائهم في القنوات التلفزيونية والصحف والمواقع، ويفعلون ذلك، كما أن بإمكانهم تأسيس حزب سياسي أو الانضمام إلى أحد الأحزاب الموجودة ليمارسوا السياسة، إلا أن إصدارهم بيانا مشتركا في منتصف الليل بلغة التهديد لا يعني غير التلويح بانقلاب عسكري. كما أن الانقلابات السابقة ومحاولات اغتصاب الإرادة الشعبية ما زالت حية في ذاكرة الشعب التركي.
بيان الضباط المتقاعدين يشير بما لا يدع للشك مجالا إلى أنه ما زال هناك من يحلمون بعودة تركيا إلى حقبة الوصاية العسكرية

المعارضون يقولون إن الحكومة تتظاهر بالمظلومية، بل يذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك، ويزعمون أن رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان يستغل البيان لصرف الأنظار عن تدهور الاقتصاد، وكأن أردوغان هو من جمع هؤلاء الأميرالات ليصدروا بيانا يرفضون فيه إنشاء قناة إسطنبول، علما بأن الأغلبية الساحقة من الموقعين على البيان هم من المؤيدين لحزب الشعب الجمهوري، وأربعة منهم من أعضائه.

بيان الضباط المتقاعدين يشير بما لا يدع للشك مجالا إلى أنه ما زال هناك من يحلمون بعودة تركيا إلى حقبة الوصاية العسكرية، والأيام التي وصل فيها حزب الشعب الجمهوري إلى الحكم بواسطة التحالف مع الجيش والانقلاب العسكري، ويعبرون عن حلمهم بمثل هذه البيانات. ومن المؤكد أن الشعب التركي اكتسب خبرة كبيرة في التعامل مع الانقلابيين، وأصبح لديه وعي عال في حماية الديمقراطية، وأثبت في 15 تموز/ يوليو 2016 قدرته على الدفاع عن إرادته الحرة. ومع ذلك، يجب عدم التساهل مع بيان الضباط المتقاعدين كيلا يكبر الحلم لدى الانقلابيين، ليمهد الطريق أمام مغامرات تدفع البلاد ثمنها غاليا.

twitter.com/ismail_yasa
التعليقات (2)
محلل سياسي متواضع
الأحد، 11-04-2021 01:53 ص
لا يجوز للجيش التدخل في أمرين أساسيين في أي دولة و هما الحكم و الاقتصاد و عليه أن يخضع للقوانين من دون محاباة . إذا تدخل في أمر الحكم ، و هو لا يفقه في السياسة ، أضاع البلاد و العباد و تسبب في كوارث لسهولة جرَه إلى المنعطفات و المنزلقات الموجودة في العلاقات الدولية . إذا تدخل في أمر الاقتصاد ، فسيفرض من خلال عضلاته العسكرية سيطرة ظالمة على مقدرات البلاد و العباد و لن يصل لغيره سوى الفتات أو أقل من ذلك و سينتج انهيار اقتصادي مجتمعي . تكون وظائف الجيش الأساسية في حماية البلد من الاعتداء الخارجي و في تولي المهمة أحياناً عند فشل أجهزة الشرطة في القيام بواجباتها و في القيام بدور فعال في حالة حصول كوارث طبيعية مثل الزلازل و الفيضانات و البراكين . لا يجوز للجيش أن يخرج من نطاق وظائفه ، فإن خرج فعلى المخلصين في الشعب أن يعيدوه إلى ثكناته . الأمور الثلاثة ، التي وردت في بيان الضباط المتقاعدين من سلاح البحرية ، تدين هؤلاء من حيث جهلهم المطبق بأن هذه البنود هي بالضبط ما يريده الأعداء من تركيا في محاولة لئيمة هادفة لمنع تركيا من التقدم . يقول الشاعر"إن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** أو كنت تدري فالمصيبة أعظم" أي هنالك في الحالتين مصيبة .على أنهم إن كانوا يدرون فهذا يعني أنهم مرتبطون بأسياد معادين ، و لذلك تجب محاسبتهم لمعرفة أسيادهم و لا يجوز التسامح معهم حتى و لو كانوا كباراً في السن . هؤلاء العجائز قد يكون لهم تأثير على من هم حالياً في الخدمة و ليس بمستبعد أن يكون بيانهم فيه تحريض على البدء في انقلاب عسكري يعيد تركيا إلى ما لا يقل عن نصف قرن إلى الوراء .
مصري
الأربعاء، 07-04-2021 07:02 م
حينما تخرج مافيا من الجيش لتسرق و تنهب كل شئ تكون اخبث احتلال و اقذره