كتاب عربي 21

حكاية العفريت السوري الذي نجا من القمقم

أحمد عمر
1300x600
1300x600
كانت السرقات قد كثرت وفاضت، وظهرت عورتنا في موقعة المنشأة حتى أقضّتْ مضاجع اليابانيين وجعلتهم يكثرون من شرب الساكي، وهو خمرة أهل اليابان، ما أن يغفل الخبير الياباني عن مثقب، أو آلة تصوير، أو آلة قياس الأمبير حتى تُسرق.

واليابانيون يصوّرون كل عمل عملوه توثيقاً له وتقييداً، فحصّن اليابانيون آلاتهم، وأوثقوها وحرسوها وحاذرونا، وأطلق اليابانيون والهولنديون اسم علي بابا على اللص، وحمدت الله أنهم نسبوا التهمة للص واحد وليس للشعب، وإن كان علي بابا رمزاً عربياً، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فتاريخنا فيه آلاف العلماء والأبطال والأفذاذ الذين فتحوا بلاد الصين وبلاد الصقالبة بمفتاحين: السيف والكلمة، والفرنجة لا يعرفون سوى علي بابا فاتح المغارات والجيوب.

مرة جاءنا المهندس تاناكا إلى الاجتماع الأسبوعي، وقال إنه نسي فكرته، فقلنا له: علي بابا بريء هذه المرة، والسبب هو خمرة الساكي التي تكثر من شربها، نحن أبرياء يا تاناكا.

ومن أسف أنهم لا يعرفون من تراثنا الثقافي العظيم سوى ألف ليلة وليلة، فهي مشهورة بسبب اقتباس هوليود لقصصها في السينما، محرّفة، بل لقصتين منها، هما قصة علي بابا للسرقات، فهو رمز اللصوصية، وقصة علاء الدين للحب والثروة وشؤون آخر الليل، وصار ليلهم نهاراً. وفي ألف ليلة مئات القصص، لكن الفرنجة وهوليود أحبّوا هاتين القصتين. السرقة التالية كانت مختلفة، فاللص كان علاء الدين هذه المرة وليس علي بابا.. لقد أشهرونا وشهّروا بنا.

ولعلهم يعرفون أيضاً أن علي بابا هو روبين هود العرب، وهو شخصية شعبية متخيلة، وهو لص يسرق اللصوص، والسارق من السارق كالوارث من أبيه. وكان علي بابا السوري يسوّغ لنفسه سرقة اليابانيين والهولنديين بأنهم كفار أو استعمار، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

أصل الحكاية:

عملت فترة من الزمن مع اليابانيين الذي حضروا إلى سوريا بآلاتهم العجيبة، وأزيائهم الصناعية، لإنشاء منشأة صناعية كنّيتها باسم فني وأدبي هو "آلة تحويل الفصول". الكناية هي لمحطة توليد طاقة كهربائية، وزعمت في قصصي المقتبسة من خبرتي وعيشي معهم أنهم قدموا لتحويل الفصول الثلاثة: الشتاء والصيف والخريف؛ إلى فصل ربيع أخضر ناعم مبهج يختال ضاحكا. 

وكتبت عدة قصص ومقالات، ومسلسلاً من ثلاثين حلقة، وله قصة ليس هذا موضعها، ولو كنت روائياً لكتبت رواية أفي تجربتي حقها، وأشتفي منها أيضاً.

وأعود إلى قصص الطغيان التي لا برء من آلامها وتباريحها، وكان يحكم بيننا وبين اليابانيين في قضايا العقد شركة هولندية حقوقية اسمها "الفريق المستشار". للفريق المستشار مكتب تمثيلي، وكان عدد أعضاء المكتب شخصان أو ثلاثة، وأحياناً يبلغون الخمسة، فهم يتجولون في عدة بلاد، ويكاد السوريون يطلقون على أي أشقر ذهبي الشعر غربي القسمات مرح الأعطاف حلو اللفتات؛ اسم خبير، ولم يكونا ذوي خبرة كبيرة، وكانا يلجآن إلينا أحياناً في بعض الأمور للاستيضاح والعون، يطلب مثلاً أحدهم رسم كروكي عام لمنشأة أو خريطة فنرسمها لهم، فلم يكونا يعرفان معنى كروكي.

وفي الصيف ضيّع المهندس الهولندي ماتي اللبن، إذا جاز اقتباس المثل العربي الشهير، فأحضر والمهندس يون زوجتيهما، من أجل السياحة ورؤية آثار تدمر وزيارة مهد المسيح في معلولا، فكان السوريون يسمّون السيدتين الحسناوين بالخبيرتين، مع أن واحدة منهما كانت خبازة، والثانية بائعة في كشك.

وكانت رواتب الخبراء عظيمة، ومقدار الأجر الشهري يضاعف أجر النفر منا مئتي ضعف إلى ثلاثمائة، ويخلق الله ما يشاء. وكنت أتذكر دائماً، وهم يتجولون بيننا، قصة جوليفر في بلاد الأقزام لجوناثان سويفت، بسبب الفروق الكبيرة بيننا وبينهم في الأجر والقدر. وكانت الدولة الموقّرة تعمل على تقزيمنا وعملقتهم، فلهم حصانة وعزة، ليست لنا حتى في بلادنا التي توصف بالشمّاء، وهي بوصف الشمطاء أولى. وكانت الدولة الشمطاء الحيزبون قد وظفت ألف عامل سوري ومهندس "محلي"، وقد استغرب اليابانيون توظيف كل ذلك العدد، وكان تقديرهم أن المنشأة لا تحتاج إلى أكثر من مائة عامل ومهندس، وأخبرونا أن كثرة التوظيف نوع من التجديف الاقتصادي والكفر المهني، وقد تجعل ربيعنا المرتجى شتاءً، وصدقوا.

وكانت الدولة الموقرة قد استعملتنا بأجور بخسة، قدر الأجر الواحد منا خمسون دولار أو مائة دولار بحسب الرتبة الوظيفية، وذلك بعد فترة جفاف وقحط وحاجة وسنين، فانتعشت المدينة اقتصادياً، وأخصبت من مصروفات الوافدين الأجانب الذين وظفوا عمالاً سوريين لخدمتهم، طباخين وأدّلة ومترجمين، وأعجبوا بطعامنا وصندويشات الشاورما السورية الرخيصة، بل إن نسوة سوريّات خُطبن من اليابانيين، لكنهن لم يمسكن بعصم الكوافر، فرفضنهم.

النظافة من الإيمان المفقود:

كانت الخصومات كبيرة بين عمالنا ومهندسينا، لأنهم موظفون عاطلون، وظفتهم الدولة لأسْرِهم واستعبادهم. وليس من تقاليد مهنية، فهو نظام تشغيل عشوائي، وقد وُظفوا بالوساطات والشفاعات، والوشايات كثيرة بينهم لفروع المخابرات، فالحسد يأكل الفقراء ويحصدهم. فمن لبس ثوباً جديداً أو نعلاً جديداً أصيب بالعين، وقد أصيب أحد العمال بالعين والأنف والحنجرة، لأن مديره أكرمه بمكافأة قدرها دولاران على شأن من الشؤون، فحار الأطباء في علاجه، ولم يبرأ حتى هذه اللحظة، وتمنيت لو أعرف فارس سهام العين، حتى أصطحبه إلى الحدود حتى يصيب العدو بالعين، فنحرر الأرض المغتصبة.

ووجدت عاملاً من أكلة الحمّص، وكان معجون الحمّص بالطحينة وجبتنا الدائمة، يقول متحسراً: لو نهدي هؤلاء الكفار إلى الإسلام، كان كثير من العمال يصلّون ويصومون من غير تقوى، لكن مراحيضنا التي أنشأها لنا عمال فلبينيون لا يمكن الدخول إليها، فلم يمض عليها شهر حتى كسرت الأحواض الفرنجية وخلعت الصنابير، وفاضت المجاري بالخيرات، بينما كنت أجد مراحيض اليابانيين، وليس فيها ماء، مثل صالونات الحلاقين، تفوح منها العطور ورائحة الصابون.

نعود إلى قصة الخبيرة أليزا، وكنت أقول للعمال إنها ليست خبيرة، هي ضيفة، وهي خبازة، لكن ما دامت شقراء فهي خبيرة. الشقار شهادة في الخبرة. وقد وقعتْ في هوى عامل اسمه مرعي، بسهمين من عينيه في أعشار قلب مقتل، فعجن لوعتها في فرن فؤاده المعنّى. العين تصيب في الخير وتصيب في الشر، فأحبّته، ولم تبرأ من حبه.

أليزا سيدة في الخمسينات، ولها جمال بنات الروم، وكانت بين الفينة والأخرى تزور موقع المنشأة مع زوجها، وتتسلى بالنظر إلى العمال الذين انتجعوا في خيام نصبت على عجل. وكان مدير المنشأة السوري قد وجد حلاً للبطالة المقنّعة، فلم تكن المنشأة قد بُنيت بعد، والأعمال مدنية، فكلف المدير السوري العمال السوريين الذين يوصفون في تقارير الغرب بالسكان المحليين، وهو وصف خبيث الغرض وتمهيد للاستعمار الاستيطاني، إنهم هم السكان غير المحليين، بعد الاستيطان، بنقل هضبة من مكان إلى مكان. وعجب الخبراء الهولنديون والخبراء اليابانيون من الأمر وضحكوا، وظنوها نكتة، فبسط لهم المدير الحكيم الأمر فقال: اليد البطّالة نجسة، يجب إشغال هؤلاء بأعمال شاقة، حتى لا يكيدوا لبعضهم البعض ويغرقوا الدولة بوشايات التقارير الكيدية.

ولا أعرف إن كان الشقران قد فهموا المثل، وقد عرفوا كثيراً من أسرار البلد وثقافة الشعب السوري، وعلموا أن الحكومة تعمل بدأب وجدّ على هدر طاقات الشعب، وحرق البلد حرقاً بارداً. وعلمت أن اليابانيين اتصلوا بوزير كبير وسألوه عبر ممثلين من حكومتهم تأجير أرض صحراوية سورية لليابانيين مقابل أجر جيد سنوياً لاستزراعها لصالح اليابان، فرض الوزير رفضاً قاطعاً، وعندما علمنا بالخبر من اليابانيين، وسألنا بعض قيادات الحزب الحاكم عن السبب، وهي أرض بور، فقالوا لنا معللين: الأرض لمن يزرعها، حسب شعارات البعث، ونخشى إن استولى الفرنجة عليها أخذوها، فقلنا: لمَ لا نعمل نحن بها، وأنتم ترون كيف يشتري شبابنا تأشيرات الخليج بآلاف الليرات للحصول على فرصة عمل، وترون كثرة السرقات والجرائم وارتفاع معدل العنوسة، حتى صارت الإناث كائنات فضائية في عيون الذكور، والذكور كائنات من الخيال العلمي في أعين النساء؟ لكن هيهات فالدولة مشغولة بالنضال والمقاومة والممانعة والصمود والتصدي للشعب الأبي الذي لم يبق من إبائه سوى الثمالة حتى ظهر علي بابا وكثر نسله، ولا تريد أن يستصلحوها ويستصلحونا..

مظاهرات للعمال الفلبينيين:

الفلبينيون عمال مهرة، استأجرتهم شركة خليجية، فسرقت نصف أموالهم، فكان أجر العامل الشهري ألفي دولار وهو أجر يفوق أجر عاملنا "المحلي" أضعافاً، لكنهم كانوا يعيشون في علب معدنية، متكدسين فوق بعضهم البعض، وكانوا يرهقون من العمل الشاق في بطون الآلات، فيعودون للعشاء ويسكرون وينامون، ويستيقظون في الليل، فيتبولون بجانب أكواخهم الإسمنتية، فسعد نوع من الذباب ببولهم السكري، وكبر وترعرع ذباب عنيد، متوحش، مفترس وله أنياب، وثقيل الحركة، وصلب الأغشية، زعم أحد أصحابنا أنه ذبابة الكلب، وزعم آخر أنه ذبابة الحمار، فتشاءمنا أن يغزونا ذباب الكلب وذباب الحمار وينال الأوطار.

وقد أبهرونا بمهارتهم وشجاعتهم، فسمعنا أول مرة في حياة بشيء اسمه الإضراب والتظاهر. وكان السوريون في الخمسينات والستينيات يضربون كثيراً ويتظاهرون، ويسقطون الحكومات، حتى جاء حافظ الأسد، فأسقط الشعب السوري، وأصبحت المظاهرة حسرة.. الحاصل أنهم ثاروا وانتفضوا، فلم يحصلوا على شيء، وكانوا يطالبون بتحسين السكن ومكافحة الذباب، لأن الوسيط الخليجي في بلاد بعيدة ومحصّن بالقوانين، ويحبُّ الذباب بأنواعه؛ ذباب الكلب وذباب الحمار والذباب الالكتروني لاحقاً.

كان الفلبينيون يحبون لحم الكلاب، ويفضلونه على لحم الضأن، وقد تاجر بعض عمالنا بالكلاب، فاصطادوا الكلاب وباعوها للفلبينيين الذين كانوا يشوونها ويأكلونها، فانقرضت من القرى المجاورة للمنشأة، ولحقت بها الهررة أيضاً والحمير، فغضبت جحافل ذباب الكلب والحُمر، لأنها لم تجد رعاتها، فهجمت علينا.

كلب أجرب:

وجد الخبير الهولندي ماتي يوماً جرواً أجرب، يهرول خطوات ثم يقف نابحاً متألماً، حاكّاً أذنه، وكان مذعوراً وقد جُرّد لحمه من الشعر، ينبح متألماً يومه وليله من حكّة الجرب، وهو الكلب الوحيد الباقي والناجي من موائد الفلبينيين ومصائد السوريين، وصار مسكناً لأنواع الذباب والحشرات، ولم ينجح عمالنا في صيده، أو أنهم تجنبوا صيده خوفاً من عدوى، فكمن له ماتي واصطاده، وعالجه بالمراهم والأدوية حتى برئ، وعاد كلباً صحيحاً ومعافى، ونما له شعر جميل زاهٍ، يموج مع النسيم إذا ركض، وصار كلباً حسن المظهر، وديعاً، ودرّبه أحسن تدريب، واستخرج له شهادة وهوية، مستعيناً بخبرات سورية في الحقوق والقانون الدولي. ولم أكن أعلم أن سوريا الحضارة التي اكتشفت الكتابة، فيها هويات وجواز سفر للكلاب "في بي آي"، وجوازات ديبلوماسية للحيوانات، وكان ينوي اصطحابه معه إلى الوطن هولندا، فعرفت أن الأوروبيين يسرقون العقول والكلاب أيضاً.

وكان سبب بناء منشأة الفصول هو أن قوى الاحتلال التي تجوب البلاد على هيئة مدارس استشراقية ومنظمات إنسانية تشكو من شح الطاقة وانقطاع الكهرباء وقلة النار، ونبهت القيادة الحكيمة إلى عجز في الطاقة، وأن النمو السكاني لا يقابله نمو في الطاقة، فبادرت إلى مناقصات دولية، فتعطفت علينا اليابان بقرض قدره نصف مليار دولار للمنشأة المذكورة.

نعود إلى قصتنا، فقد أطلنا الديباجة، وأكثرنا من حساء الدجاجة:

علمنا جميعاً أن السيدة أليزا قد وقعت في حب مرعي، فحسدناه حسداً كبيراً، وتذكرنا أيام الفتوحات والسبي، وغار المهندسون، فهم طبقة أعلى وأولى بحبها من عامل أمّي، وحاولنا أن نصيبه بالعين، لكن عين الغيرة غير عين البغض التي تبدي المساويا. وأليزا لم تكن تفرّق بين طبقات العلم والمجتمع، ولا بين الألوان، وتؤمن أن أكرمنا عند الله أحلانا، وكان يرطن بالإنجليزية. ثم جاءنا يوماً ماتي وهو يسأل عن أليزا، وأبلغ السلطات بغيابها، وقدم بلاغاً بشبهة خطفها، وعلم أن مرعي هو المشتبه به في محل نصب حال. وكان علي بابا قد سرق كثيراً من الآلات، والأجهزة والرقائق الكرتونية، فتعلّم اليابانيون الحرص على أدواتهم، فحاذروا وحرصوا على أمتعتهم، ولم يخطر في بال أحد أن يسرق علي بابا فؤاد امرأة.

لم يكن علي بابا هو المتهم، وإنما كان علاء الدين الذي عثر على المصباح السحري، هذه المرة حسناء أوروبية، وسنرى أنه سينجو من المهلكة بطريقة سحرية.

بعد يومين عثرت المخابرات السورية الماهرة من غير استعانة؛ بالجن على مرعي وصاحبته الهولندية أليزا في إحدى القرى، فأحضرته مشدوداً عليه الوثاق، ومضيقاً عليه الخناق. وكانت السيدة أليزا تصرخ في فرع المخابرات محتجة على سوء المعاملة، والتدخل في شؤونها الشخصية، وكانت تسمع أن بلادنا تقتل العشاق والمحبين السمر والسمراوات، لكنها لم تكن تعلم أن حب الشقراوات أيضاً جريمة، وإنها لا تفهم لمَ يغارون عليها أيضاً، فهي ليست شرفهم، إنها شرف الغرب، وإنها ليست زوجة ماتي، بل هي صديقته، وإنها كفت عن صداقة ذلك المخمور ماتي.

أطلقت المخابرات سراح السيدة الشقراء، واعتذرت منها، وأخبرتها أنها ضيفة كريمة، لكن لا تستطيع أن تحرر مرعي الذي تجرأ وغدر بالضيف، وخان الوطن وأضعف الشعور القومي، حتى بات الشعور القومي على الحديدة، وأوهن روح الأمة، حتى صارت أوهن من بيت العنكبوت. الغدر يجب أن يكون بأبناء الشعب، وألقت به في الزنازين، واختفت آثاره، وقلنا ترحموا عليه، هو غالباً سيلقى مصير سيدتنا زنوبيا ملكة تدمر.

وجعلنا نحن زملاءه نتحدث عن مرعي، وشجاعته وجرأته، وأنه ذهب ضحية الحب، واستعدنا أخبار مصارع العشاق في التاريخ العربي. فقد تسرب إلينا من بعض المخبرين الصغار أنه يُعذّب عذاباً شديداً، لأنه عرّض بحبه لتلك الشقراء الأمن القومي للخطر، وإنه غالباً سيكون مصيره سجن تدمر، إن لم يقض تحت التعذيب بالسكتة القلبية.

الحبُّ والمعجزات:

عادت أليزا إلى سفارتها محتجّة، وتذكر مرعي الخاتم فحكّه، علمنا بعد حين أن الأمن أفرجوا عن مرعي بشفاعة من الحكومة الهولندية، فقد كان في يد مرعي خاتم سحري، حكه فلبّتْ أليزا النداء، وهرعت إلى إغاثته، فتفقدت السفارة الهولندية حبيب مواطنتها وأنقذته من براثن المخابرات العفاريت. بل إن أليزا أجارته، والكفار يجير أدناهم أعلاهم، كما كنا يوماً، واستخرجت له تأشيرة هولندية واستلحقته إلى أمستردام. ورأينا صوراً له، أرسلها إلى أخيه، وهو في ثياب هولندية، يحيا في قصر ملكي، ويتجول مع زوجته بدر البدور الهولندية على اليخوت، ويركب الطائرات ويجوب القارات، فكنا نتذكر علاء الدين والمصباح السحري، وآلة تحويل الشتاء إلى ربيع، ولم نكن نعلم أن هناك آلات تحوّل الفقير المسكين إلى شريف رفيع.

المصباح في التأويل يعني النار والنور، وله قدرات المارد المخلص وقد استولى عليه الغرب وتركنا في الظلمة.

لم يكن علاء الدين وحده الذي فاز باللذات والعيش الرغيد، فقد أخذ ماتي الكلب تعويضاً عن صديقته التي تركته. ثم إننا وضعنا الموازين، موازين الكسب والخسران، فوجدنا أننا سُرقنا ونكبنا مرتين؛ مرّة بسرقة كلب أجرب كان يمكن أن يدخل أحدنا الجنة بالإحسان إليه، والثانية بسرقة قلب مثل قلب مرعي، ومعه المصباح الذي كان يمكن أن ينير لنا الطرق المظلمة. فمهما يكن، فقد بقينا نحن في فصل الصيف القائظ والشتاء القارص مع ذبابة الكلب، وذبابة الحمار، وذبابات السيد الرئيس.

المستورد القرشي:

وخامسة حسنة جميلة: نقلنا الهضبة من مكانها، فأمرنا المدير بإعادتها إلى أول منزل.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (3)
عزوق موسى
الأربعاء، 07-04-2021 07:38 ص
حكاية وطن
سمر
الثلاثاء، 30-03-2021 03:52 م
مبدع كالعادة
يوسف حسن
الإثنين، 29-03-2021 07:33 م
موضوع هادف ونقد بناء وغيرة على الوطن والدين، كل ذلك في قالب فكاهي جميل وتسلسل جذاب، زادك الله نورا في العقل والقلب.