رفع الادعاء العام في
تركيا الأسبوع الماضي
دعوى قضائية إلى المحكمة الدستورية؛ بطلب حظر حزب الشعوب الديمقراطي الموالي لحزب
العمال الكردستاني، ومنع عشرات من قادته من ممارسة أنشطة سياسية لمدة خمس سنوات، بحجة أن الحزب ما هو إلا امتداد للمنظمة
الإرهابية الانفصالية.
رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، كان يطالب بمثل هذه الخطوة في تصريحاته الأخيرة، كما أن نتائج استطلاعات الرأي تشير إلى أن نسبة المؤيدين لحظر حزب الشعوب الديمقراطي تصل إلى 66 في المائة، فيما تبقى نسبة الرافضين له حوالي 16 في المائة فقط، ما يعني أن طلب الادعاء العام يحظى بتأييد شعبي كبير.
هناك سيناريوهات محتملة؛ أولها حظر حزب الشعوب الديمقراطي، والثاني عدم حظر الحزب ولكن منع عدد من قادته من ممارسة الأنشطة السياسية، بالإضافة إلى حرمان الحزب من المساعدات المالية التي يتلقاها من خزانة الدولة
الأدلة على ارتباط حزب الشعوب الديمقراطي
بحزب العمال الكردستاني تنظيميا لا تعد ولا تحصى، بل إن قادة الحزب أنفسهم يقرّون بهذا الانتماء في تصريحاتهم، ويفتخرون به. وبالتالي، لن يجد أعضاء المحكمة الدستورية صعوبة في التوصل إلى قرار، إن نظروا في الملف من الناحية القضائية، لا السياسية.
القضية قد تستغرق عدة أشهر حتى تعلن المحكمة الدستورية قرارها النهائي. وهناك سيناريوهات محتملة؛ أولها حظر حزب الشعوب الديمقراطي، والثاني عدم حظر الحزب ولكن منع عدد من قادته من ممارسة الأنشطة السياسية، بالإضافة إلى حرمان الحزب من المساعدات المالية التي يتلقاها من خزانة الدولة.
حزب الشعوب الديمقراطي من أهم حلفاء حزب الشعب الجمهوري في تحالف الملة الانتخابي، ولم يفز مرشحو هذا الأخير في الانتخابات المحلية في كثير من المدن، مثل إسطنبول وأنقرة، إلا بدعم حزب الشعوب الديمقراطي. ولذلك يرفض حزب الشعب الجمهوري حظر حزب الشعوب الديمقراطي جملة وتفصيلا، كما أعرب كل من عبد الله غول وعلي باباجان وأحمد داود أوغلو عن رفضهم للقضية. وأما الحزب الجيد برئاسة ميرال آكشنير ففي وضع حرج، لأن أنصار الحزب من القوميين الأتراك يؤيدون حظر حزب الشعوب الديمقراطي، إلا أن عدم وقوف الحزب الجيد إلى جانب حزب الشعوب الديمقراطي قد يؤدي إلى تفكك
التحالف الانتخابي المعارض الذي يشارك فيه مع حزب الشعب الجمهوري.
حزب الشعوب الديمقراطي من أهم حلفاء حزب الشعب الجمهوري في تحالف الملة الانتخابي، ولم يفز مرشحو هذا الأخير في الانتخابات المحلية في كثير من المدن، مثل إسطنبول وأنقرة، إلا بدعم حزب الشعوب الديمقراطي. ولذلك يرفض حزب الشعب الجمهوري حظر حزب الشعوب الديمقراطي
المعارضون لفكرة الحظر يقولون إنها تتعارض مع
مبادئ الديمقراطية، إلا أن هذا الاحتجاج فيه نظر، لأن هناك أحزابا تم حظرها في الدول الأوروبية، مثل حزب باتاسونا في إسبانيا باعتبار أنه الجناج السياسي لحركة إيتا المسلحة المطالبة بانفصال إقليم الباسك عن الحكم الإسباني. وتأييدا لقرار مدريد، أدرج الاتحاد الأوروبي حزب باتاسونا على لائحة المنظمات الإرهابية. ومعظم هؤلاء المنتقدين للقضية التي رفعها المدعي العام إلى المحكمة الدستورية؛ سبق أن أيدوا حظر حزب الرفاه بحجة أنه أصبح وكرا للأنشطة المعادية للنظام العلماني، كما لم يبدوا مثل هذا الرفض حين رفعت إلى المحكمة الدستورية قضيتان بطلب حظر حزب العدالة والتنمية رغم حصوله على ما يقارب نصف أصوات الشعب التركي. وتشير هذه الازدواجية إلى أن موقفهم من القضية الأخيرة ليس مبدئيا على الإطلاق.
السؤال الجوهري في قضية حزب الشعوب الديمقراطي هو: هل يسع النظام الديمقراطي وجود حزب له جناحان؛ أحدهما سياسي والثاني عسكري، ليخوض الأول الانتخابات ويدخل البرلمان ويشارك في الحكومة، فيما
يحمل الثاني السلاح خارج إطار الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية، على غرار حزب الله اللبناني؟ ومن المؤكد أن الجواب: "كلا"، وأن تركيا لن تسمح لحزب بممارسة الأنشطة السياسية والإرهابية معا ليهدد أمنها واستقرارها ووحدة ترابها.
هل يسع النظام الديمقراطي وجود حزب له جناحان؛ أحدهما سياسي والثاني عسكري، ليخوض الأول الانتخابات ويدخل البرلمان ويشارك في الحكومة، فيما يحمل الثاني السلاح خارج إطار الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية
تركيا منحت فرصة كبيرة للسياسيين الموالين لحزب العمال الكردستاني ليفكُّوا ارتباطهم بالمنظمة الإرهابية، ويمارسوا الأنشطة السياسية في إطارها الشرعي وفقا للدستور والقوانين، إلا أنهم رفضوا ذلك وحافظوا على ذاك الارتباط التنظيمي، وأصروا على القيام بدعاية المنظمة الإرهابية التي تقاتل ضد القوات التركية وتقتل أبناء البلاد. وهذا أمر لا يخفى على أي متابع لهذا الشأن، ما دفع وزارة الخارجية الألمانية إلى القول في تعليقها على القضية بأن برلين تنتظر من حزب الشعوب الديمقراطي أن يضع بينه وبين حزب العمال الكردستاني مسافة واضحة، في إشارة إلى التصاق حزب الشعوب الديمقراطي حاليا بالمنظمة الإرهابية.
حظر
الأحزاب في الأنظمة
الديمقراطية ليس محبذا، وفي ذات الوقت، لا مكان فيها لأحزاب ذات جناحين تزاوج بين السياسة والإرهاب. ولا ندري ما الذي سيصدر من المحكمة الدستورية في نهاية القضية، إلا أن تركيا بحاجة ماسة إلى تعديلات قانونية تقطع الطريق من البداية أمام تأسيس أحزاب على غرار حزب الشعوب الديمقراطي؛ كي لا يعود ذات التيار بذات النهج إلى الساحة السياسية باسم آخر.
twitter.com/ismail_yasa