هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "ذي إندبندنت" تقريرا، أشارت فيه إلى أن القاسم المشترك بين الحرب في سوريا واقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي هو حملات التضليل الإعلامي.
وأوضحت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، أنه قبل عشرة أعوام خرج المتظاهرون السوريون إلى الشوارع في تجمعات سلمية مطالبة بالإصلاح والمعاملة الإنسانية من نظام بشار الأسد. ولكنهم دفعوا ثمنا لا يمكن تخيله، وتم تدمير بلدهم ومحو مجتمعاتهم العزيزة عليهم وفقدوا أحبابهم، وتم تشريد نصف السكان منهم، ونزح ستة ملايين مواطن إلى الخارج.
ولكن العالم أيضا دفع ثمن الحرب الأهلية السورية، لأنه تركها تتكشف أمام ناظريه. فآلة الأكاذيب التي غذت النزاع والورقة البيضاء التي أعطيت لرعاة الأسد الأجانب ومن ساعدوه في الغرب أعادت تشكيل العالم، بحسب الصحيفة.
وفي الحقيقة فإنه يمكن للواحد أن يربط بين الغارات الكيماوية التي ضربت الغوطة الشرقية قرب دمشق في 2013، وبين الأعداد من الأمريكيين الفاشيين الذين اقتحموا الكونغرس في 6 كانون الثاني/ يناير.
وأشارت إلى أن السوريين ما زالوا يحنون للتغيير الديمقراطي الذي دفع إلى الانتفاضة ضد الأسد. وفي الأسبوع الماضي قام عدد من أبناء درعا، جنوب سوريا بتنظيم تظاهرة سلمية ضد النظام ورفعوا الشعارات المعادية للنظام، وفي مدينة درعا عام 2011 قامت مجموعة من الأطفال بكتابة شعارات معادية للأسد، حيث تم اختطافهم وتعذيبهم، وحتى إنه طلب من عائلاتهم نسيانهم والتفكير بإنجاب غيرهم، لكن المعاملة الوحشية كانت وراء الاحتجاجات في درعا والتي انتشرت في معظم أنحاء البلاد.
اقرأ أيضا: حقوقي دولي: أزمة سوريا تمثل أكبر فشل إنساني (شاهد)
وكان المتظاهرون من كل طبقات المجتمع؛ الفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة والمتعلمين والطبقة العاملة، المسلمين والمسيحيين وأبناء الطائفة العلوية.. وكلهم طالبوا النظام وبطريقة سلمية بالإصلاح، لكن النظام رد بعنف وفتح النيران على المتظاهرين واعتقلهم وعذبهم وظهرت صور التعذيب والأجساد المنهكة من الجوع لاحقا، وتداولتها منظمات حقوق الإنسان التي قامت بتوثيق أبشع جرائم ارتكبت ضد الإنسانية.
وعلى خلاف الثورات في تونس ومصر والبحرين، فإن الغرب لم يهتم بالثورة السورية، بل إن دعاة المقاومة في الغرب للإمبريالية الأمريكية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية نظروا إليها نظرة لامبالاة. وتحول هؤلاء إلى حلفاء راضين وقبلوا أكاذيب الأسد حول طبيعة الثورة وردة فعل أجهزته الأمنية. وانضم إليهم في جهودهم حزب الله وإيران اللذان كانا يريدان نظام الأسد كمعبر للأسلحة إلى منطقة المشرق وتقوية موقفهما.
وحملت المعارضة السلاح في النهاية، وانضم إليهم جهاديون أطلق بعضهم الأسد من سجونه. ومن هنا أعطى الغموض حول الخطأ والصواب في سوريا الأسد حساً بأنه فوق المحاسبة. وزاد من عنفه واستهدف المستشفيات والعمارات السكنية والمدارس وأطلق حمم النيران والبراميل المتفجرة. واجتاز الأسد خط باراك أوباما الأحمر في آب/ أغسطس 2013، بشأن استخدام السلاح الكيماوي ولم تتم معاقبته. وكانت بريطانيا وأمريكا تخططان للتدخل، لكن روسيا راعية الأسد استطاعت تأمين مخرج له.
وتم إغراق العالم في حرب تضليل حول أصول الحرب السورية لمدة عامين، وتم قبول الرواية هذه برضا. ووجدت روسيا بابا مفتوحا ودفعته وقامت بحملة تضليل فاعلة سمحت للنظام وحلفائه بتجاهل قواعد الحرب وأعطت طائرات الميغ الروسية والمليشيات الشيعية الفرصة لسحق المعارضة. لكن الحرب السورية واحتواءها كانت نذيرا لمرحلة ما بعد الحقيقة التي جاءت لاحقا.
وفي 2014 وبعد عام على الهجمات الكيماوية التي قتل فيها ألف و729 شخصا، استخدم الكرملين نفس التوليفة من العنف وحملات التضليل على منصات التواصل لغزو وتقطيع أوصال أوكرانيا وضم قطعة كبيرة منها.. وتم استخدام الحيلة ذاتها، حيث أدى تدخل اليمين المتطرف المستلهم من روسيا وسذاجة اليسار إلى إجبار بريطانيا التي صوتت وبهامش ضيق لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي عام 2016.
اقرأ أيضا: كيف تتوزع مناطق النفوذ بسوريا بعد 10 سنوات من الثورة؟
واستخدمت روسيا وجماعات اليمين المتطرف هروب السوريين من الغارات الجوية وفرق الموت والهجمات الروسية نحو أوروبا، وتصوير اللاجئين الذين جرحتهم الحرب بأنهم مثل مصاصي الدم الذين يتدفقون على القارة. وأدت الحملة الدعائية التي نشرها الكرملين وقبلها اليمين المتطرف حول العالم إلى زيادة المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين.
ولم يتوقف أثر الدومينو عند هذا الحد، فقد شجع السم الذي خمرته جماعات اليمين المتطرف التي دعمتها روسيا وما تطلق على نفسها الجماعات اليسارية، الناخب الأمريكي على البقاء في البيوت أو التصويت لمرشحة حزب الخضر جيل ستين، ما سمح لدونالد ترامب بالفوز بالانتخابات.
ولم تتردد روسيا ومن معها من الداعمين في المحاولة، فقد قالت مديرية الأمن القومي الأمريكية إن موسكو حاولت التدخل في انتخابات 2020.
وفي الحقيقة لو تتبعت ناشري التضليل الإعلامي، فستجد أن الأصوات التي زعمت أن الأسد لم يستخدم السلاح الكيماوي هي نفسها التي عبّرت عن هوسها برسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية وكمبيوتر هانتر بايدن. ومع فوز بايدن في 2020، فقد أصبح عالم ما بعد الحقيقة الذي شكّلته روسيا قائما بذاته، ما سمح للعصاة المهووسين الذين اعتقدوا أن بايدن سرق أكثر انتخابات شفافية في العالم، وأن ترامب هو بطل يخوض معركة ضد حلقة من أكلة لحوم الأطفال الذين يحبون انتهاكه، بالهجوم على الكونغرس.
ومع أنه لا يوجد دليل عن سرقة بايدن للانتخابات، أو أن حركة “كيو أنون” ونظرية المؤامرة الحمقاء التي تنشر عن عالم تديره مجموعة من منتهكي الأطفال، أنها نتاج لحملة تضليل دعمتها روسيا وسمحت للأسد بالإفلات من العقاب وفوز ترامب بنسبة ضئيلة. لكن ليس هناك شك أن المجانين الذين اقتحموا الكابيتول هيل بداية العام الماضي تشكلوا عبر نفس حملات التضليل التي تجذرت في الحرب السورية.