هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
توقف الناشط محمد خلف (28 عاما) من مدينة طمرة بالداخل الفلسطيني المحتل، عن إحصاء مرات الاعتقال والملاحقة التي تعرض لها، حيث إن له موعدا مع القيود والتحقيق مرة كل ستة أشهر بذرائع مختلفة.
ولا يقتصر الأمر على "خلف"، بل إنه يطال كل النشطاء الفلسطينيين في الداخل الذين ترى استخبارات الاحتلال أن في مواقفهم "خطرا" على أمنها، كما حملت العديد من لوائح الاتهام التي صيغت بحق العشرات منهم.
واعتقل خلف عدة مرات كانت إحداها عام 2014 من داخل المسجد الأقصى المبارك، واتهمته شرطة الاحتلال حينها بإلقاء الحجارة داخل المسجد باتجاه الجنود، الأمر الذي نفاه بشدة، ثم تم اتهامه بعرقلة اقتحامات المستوطنين للأقصى.
وفي عام 2017 اعتقل محمد من جديد حين كان طالبا في الجامعة؛ ووجهت له تهم ضخمة بينها "التواصل مع عميل خارجي" و"العضوية في منظمة إرهابية"، وبعد 35 يوما من التحقيق القاسي سقطت كل التهم بسبب عدم وجود أساس لها، ولكن ذلك لم يترجم بالإفراج عنه.
وقال لـ"عربي21" إنه رغم زيف الادعاءات فلم يقم الاحتلال بالإفراج عنه، بل بدأت المخابرات بالبحث عن تهمة جديدة له، وحينها قاموا بتصوير منشوراته على مواقع التواصل الاجتماعي ومحاولة التقاط أي تهمة من خلالها.
وحين فشل الأمر ألصق الاحتلال تهمة لمحمد بحجة أنه شارك في صلاة الغائب على أحد الشهداء، واتهمه بأنه يمجد بذلك "أشخاصا إرهابيين"، وبالفعل تمت محاكمته على هذا الأساس.
ولا يتعلق الأمر بالاعتقال دائما، فالملاحقات كثيرة والأساليب متعددة، ويتم اقتحام منزله مرتين على الأقل كل عام وتحطيم محتوياته بحجة التفتيش، وفي آخر مرة أمسك محمد بكرسي وقام بتحطيمه احتجاجا على اقتحام منزله، فاتهمه الجنود بمحاولة مهاجمتهم ووجهوا له شكوى في المحكمة.
وأوضح أن عملية الاقتحام تكون دوما وحشية باستخدام كلاب بوليسية وتحطيم النوافذ، كما أن الجنود يتعمدون إلحاق خسائر فادحة في الممتلكات وليس كما يدعون بغرض التفتيش.
إرهاب "الإقامة الجبرية"
والإقامة الجبرية أو الحبس المنزلي أسلوب آخر تلجأ له مخابرات الاحتلال لتقييد النشطاء في الداخل، وتعرض له خلف سابقا ما تسبب بتفويت مساقين عليه خلال دراسته الجامعية وبالتالي تأخير تخرجه.
وإلى جانب ذلك يسعى الاحتلال وبأساليب غير مباشرة إلى تضييق عيش أي شخص يرى أنه يشارك في الفعاليات الوطنية؛ حيث تعرض محمد لمخالفة باهظة بحجة البناء غير المرخص فوق منزل عائلته، كما أنه يتعرض بين الحين والآخر لفرض غرامات مالية ومخالفات دون سبب حقيقي.
اقرأ أيضا: الحكم العسكري.. هل ما زال قائما ضد فلسطينيي 48؟
هذه أحدث القوانين العنصرية للاحتلال ضد فلسطينيي 48
وقال: "قبل عدة أيام كنت أقود مركبتي وأوقفتني الشرطة واقتادوني معهم في المركبة، وبعد استجوابي تبين أنهم اعتقلوني بسبب انتهاء صلاحية رخصة القيادة، فتفاجأت لطريقة الاعتقال، فالشخص الذي تنتهي رخصة قيادته يتعرض لمخالفة أو تبليغ بضرورة تجديدها، أما أن يتم اعتقاله فلا يوجد شيء في القانون حول هذا".
وبحسب محمد وغيره من الناشطين في الداخل، فإن عدم الشعور بالأمان هو العنوان الرئيسي الذي يريد الاحتلال فرضه على حياتهم، فيتعمد بشكل متكرر أن يعتقلهم أو يستدعيهم تحت أي حجة وأن يقتحم منازلهم ويفتشها، وباتت كل كلمة تسجل عليهم وأي موقف يتم محاسبتهم عليه حتى لو كان عاديا.
ويرى خلف أن الهدف هو إبقاء النشطاء خاملين دون أي تفاعل أو مبادرة، وأن لا يكون هناك صوت يرفض الظلم الواقع على فلسطينيي الأراضي المحتلة مهما تعرضوا له من ممارسات جائرة.
وتابع: "نحن لا نعرف السكوت عن حقنا وتربينا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمبادرة شيء يسري بداخلنا ولا نستطيع رؤية شيء خاطئ دون أن نفعل حياله شيئا أو على الأقل أن نحتج عليه".
ويتم اعتقال النشطاء واستدعاؤهم والتضييق عليهم تحت تهم مبالغ بها، مثل "التواصل مع عميل أجنبي" أو "العضوية في منظمة إرهابية"، وهو الأمر الذي يجعلهم قيد الاعتقال مع المماطلة في جلسات المحاكمة لضمان إبقائهم معتقلين لأطول فترة ممكنة، كما حدث مع الناشطة الفلسطينية مي مصاروة المعتقلة منذ أكثر من عام.
محاصرة الحريات
بدوره يرى الكاتب والصحفي ساهر غزاوي، من الداخل المحتل، أن الاحتلال يستهدف فئات المجتمع العربي الفلسطيني ويعتبرهم مواطنين من الدرجة الثانية من حيث تفضيلات الحكومة وحقوقهم الفردية والحقوق الجماعية، وأنهم يمثلون تهديدا للمشروع الصهيوني ويشكلون خطرا في وطنهم على غيرهم.
وقال لـ"عربي21" إنه عبر مراحل ومحطات عديدة كانت العلاقة دائما تتسم بمجملها بالتصعيد، وكانت ذروتها أواخر عام 2015 عندما حظرت الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ رائد صلاح وأخرجتها عن قانونها وأغلقت مؤسساتها وجمعياتها ولاحقت قياداتها ونشطاءها، بسبب أثرها الكبير على الحراك السياسي والاجتماعي وعلى الوعي في صفوف الجماهير الفلسطينية في الداخل.
اقرأ أيضا: القرى "غير المعترف بها".. نكبة مستمرة لفلسطينيي 48 (شاهد)
وأشار غزاوي إلى أنه منذ ذلك الوقت وحتى اليوم لا يزال الفلسطينيون في الداخل يعيشون تبعات هذه الخطوة، كما أن الظروف السياسية لدى الاحتلال تتجه نحو المزيد من محاصرة الحريات، واستمرار محاصرة كل عمل سياسي في الداخل الفلسطيني يتجاوز حدود ملعب السياسة الإسرائيلي المتمثل بالانخراط بالكنيست الصهيوني بشكل أساسي.
وأضاف: "يعمل الاحتلال على استهداف وإسقاط الشرعية عن كل من له نشاط سياسي واجتماعي في مواقع التواصل الاجتماعي والإعلامي بشكل عام أو في الميدان يخالف ويناهض مفاهيم التدجين والأسرلة عبر مشاريع ما يسمى التعايش والخدمة المدنية والتجنيد في أجهزة الشرطة والجيش إلى آخر ذلك".
ويستهدف ذلك، بحسبه، "كل من يعمل ويدعو إلى أن لا نكون مجتمعا خاضعا وضعيفا ومفككا غارقا في شبكات الإسقاط الأخلاقي والاجتماعي والوطني كما يريد لنا الاحتلال، إنما ننشد مجتمعا يطالب بحقوقه الفردية والجماعية دون تذلل أو انكسار ومجتمعا يدافع عن قضاياه الوطنية والاجتماعية وعن ومقدساته وأوقافه الإسلامية والمسيحية وهو رافع رأسه".
وحول عزوف الشبان عن العمل الوطني بسبب هذه السياسات قال غزاوي إن مجمل العمل السياسي والحزبي الفلسطيني في الداخل الفلسطيني بعد قرار حظر الحركة الإسلامية تراجع كثيرا إلى الوراء بسبب تخوف باقي التيارات السياسية من مخاطر إسقاط الحظر عليها، وهناك من اعتبر أن العمل السياسي الفلسطيني في الداخل بعد الحظر لن يكون كما كان بعده.
واستدرك بالقول: "لكن خارج هذه الدائرة توجد دائرة أخرى، دائرة الحراكات الشبابية ودائرة اللجان الشعبية التي اشتد عودها وعنفوانها في الشارع الفلسطيني في الداخل وتمتلك وعيا نابعا من انتماء لهوية جماعية، وحساباتهم تختلف كليا عن حسابات الأحزاب والتيارات السياسية، وهم قادرون على قيادة الحراك، وقادوها بجدارة عبر محطات كثيرة خاصة في السنوات الأخيرة وكان لهم الدور البارز في التصدي لمخططات الاحتلال العنصرية ومشاريعه التهويدية في الجليل والمثلث والنقب والتي آخرها "الحراك الفحماوي الموحد".
وأكد أن الشباب، كما هو المجتمع بأكمله؛ ضحية لجرائم النكبة والتهويد والأسرلة والتي جميعها تصب في هدف تقييد روح الشباب وإبعاده عن صلب اهتمامه بالقضايا السياسية والاجتماعية من أجل مسخ هويته الدينية والعربية والفلسطينية ومحاربة ثقافته وتاريخه بأساليب كثيرة ومختلفة، مبينا أن أبرز الأساليب التي تعتمدها السلطات الإسرائيلية اليوم هي إغراق الشباب بالجريمة والعنف وإسقاطه في شبكات منظمات الإجرام التي معظم سلاحها المستخدم في ارتكاب الجرائم مصدره الجيش والمخابرات والعصابات المرتبطة بهم، كما أشارت إلى ذلك تقارير إسرائيلية عديدة.
وتابع: "للأسف نجحت سياسة السلطات الإسرائيلية هذه في ضرب البنية الاجتماعية لفلسطينيي الداخل حتى أصبحت ظاهرة خطيرة ومرعبة تُهدد المجتمع والشباب خاصة لما حصدته من أرواح مئات الشباب والشابات ولأثرها السيئ والمفجع عليهم وعلى عائلاتهم، لكن أنا على أمل كبير بعد أن رأينا هذا الشباب الذي أعاد إلى الميدان هيبته وروحه الثائرة المناضلة رغم ألمه وغضبه، سيقتلع شوكه بيده وينتزع حقوقه انتزاعا من أنياب وحش الاحتلال لأنه صار أكثر وعيا واستخلاصا للعبر".