هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أعلن الاحتلال عام ١٩٦٤ إنهاء الحكم العسكري بحق الفلسطينيين في الداخل المحتل، الذين لم يهاجروا من أراضيهم بعد النكبة عام ١٩٤٨، وعنى ذلك حينها تقييد سفر وحركة "أبناء الأقلية العربية" كما يسميها الاحتلال، ومنع وصولهم لـ "البلدات اليهودية" أو فرض تقييدات على الإقامة.
وما سمي بـ "مجلس الدولة المؤقت" الإسرائيلي فرض خلال حرب النكبة نظام الحكم العسكري على المناطق المأهولة بالفلسطينيين، وهدف ذلك إلى منع عودة المهجرين إلى أراضيهم وشرذمة العرب ومنع أي نشاط سياسي مستقل لهم وخلق تصدعات جديدة بينهم.
ولكن الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون في الداخل حاليا؛ يشبه كثيرا النتائج التي هدف إليها الحكم العسكري رغم الإعلان الرسمي عن إنهائه، فهل انتهى حقا؟!
أدوات مدنية
المحامي خالد زبارقة من مدينة اللد المحتلة عام ١٩٤٨؛ قال إن الحكم العسكري انتهى رسميا قبل عقود، ولكنه فعليا ما زال موجودا ويدار المجتمع العربي من المؤسسات الرسمية للدولة بعقلية الحكم العسكري، وينعكس ذلك من خلال الإجراءات والممارسات العنصرية التي تطالهم من منطلق أنهم عرب وفقط.
وأوضح لـ "عربي٢١"، أن هناك الكثير من الأمثلة على تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين من منطلق الحكم العسكري؛ فمثلا يتعامل مع السكان العرب والزيادة السكانية لهم على أنها خطر وجودي على الاحتلال، وما زالوا يعتبرون أن الوجود العربي والديموغرافيا العربية تهدد الوجود اليهودي.
وأشار إلى أن الاحتلال يصرح بذلك علنا في المؤتمرات والتصريحات الإعلامية؛ حيث يتعاملون مع الزيادة السكانية الطبيعية للفلسطينيين في الداخل على أنها تهديد.
وأكد على أن عملية هدم منازل الفلسطينيين بهذه الوتيرة المتسارعة هي مثال آخر على استمرار الحكم العسكري، حيث تتم ببشاعة وقوة رغم أنهم يعتبرون في الداخل "مواطنين إسرائيليين"، لافتا إلى أن هدم المنازل لا يتم فقط لأنها غير مرخصة؛ بل لأن هناك الكثير من العوائق والتقييدات البيروقراطية التي تضعها الدولة من منطلق عنصري، والهدف منها هو الحد من الزيادة السكانية.
وأضاف: "لا توجد دولة بالعالم تتعامل مع مواطنيها بمثل هذا التعامل؛ فمثلا التخطيط والبناء يوضع في العالم من أجل إيجاد حلول للمجتمع وفق حياة عصرية حسب تخطيط عصري؛ لكن ما يحدث فعليا في الداخل عكس ذلك تماما".
وأكد أن مصادرة الأراضي في النقب وحرث المزروعات واعتقال الفلسطينيين كله يدل أن الحكم العسكري موجود؛ فيمنع الناس من استصلاح أراضيهم واستخدامها وحراثتها وزراعتها بحجة الحكم العسكري.
واعتبر زبارقة أن الاحتلال ما زال يمارس الحكم العسكري بصور غير مباشرة أو ناعمة، فمثلا يحاولون القيام بإجراءات عسكرية يغطونها بأنظمة القوانين المدنية، ويستعملون إجراءات المحاكم والقرارات القضائية في تكريس وممارسة الحكم العسكري.
ورأى أن قانون القومية أو "يهودية الدولة" هو أحد أشكال الحكم العسكري، حيث صدر بهدف التطهير العرقي بحق الفلسطينيين من منطلقات عنصرية؛ وشرعه "الكنيست" وهو أعلى سلطة تشريعية في "إسرائيل"؛ وبموجبه تم التشريع أنها دولة يهودية رغم أنه لا يوجد قانون يتعامل مع سكان الدولة كتصنيفات عرقية، وهذا يقودنا لنظام الفصل العنصري الذي تم استخدامه في جنوب أفريقيا سابقا.
وأضاف: "كانت الإجراءات العنصرية التي تتخذ نوعا ما يحاول الاحتلال أن يضفي عليها صبغة قانونية؛ ولكن اليوم هناك حماية قانونية لهذه الإجراءات بواسطة قانون يهودية الدولة؛ والذي يعني أن الدولة لليهود والطابع الرسمي هو اليهودي وحق تقرير المصير في هذه الدولة للشعب اليهودي والقدس عاصمة الشعب اليهودي في كل العالم، كل هذه الإجراءات تدل على أن هناك قوننة للحكم العسكري بأدوات مدنية".
حتى تعامل الاحتلال مع موضوع العنف في الداخل يتم من منطلق الدولة المدنية العنصرية في تغذية العنف وتجارة السلاح والمخدرات والتغطية على المجرمين وتغذية تجارة المال الربوي والسوق السوداء، وكلها أسباب أدت لتفاقم ظاهرة العنف في المجتمع العربي، والهدف من ذلك استهداف تماسك المجتمع العربي والنسيج الاجتماعي بإجراءات قانونية، حسب زبارقة.
وتابع: "يكاد لا يوجد جانب من جوانب حياة الفلسطيني في الداخل إلا وتتدخل فيه الأجهزة العسكرية سواء بغطاء عسكري أو مدني".
شيطنة الفلسطيني
الباحث في مركز الدراسات المعاصرة حسن صنع الله قال إنه على مدار 18 عاما (1948- 1966)؛ خضعت الغالبية العظمى من فلسطينيي الداخل لحكم عسكري ظالم، اعتمد على أنظمة الطوارئ الانتدابية (1945).
وأوضح لـ "عربي٢١"، أنه تخلل هذه الفترة سياسات فاشية كمنع فلسطينيي الداخل من مغادرة مناطق سكناهم دون تصاريح من الحاكم العسكري، ومنع تغيير مكان الإقامة، وإغلاق بعض المناطق التي كانت مأهولة في الماضي، ومنع تكوين أطر سياسية على أساس قومي، وحتى تم التدخل في جهاز التربية والتعليم، وقد استمر هذا التدخل بعد انتهاء الحكم العسكري إلى يومنا هذا.
وأشار إلى أن النظرة التي رسمت لعرب الداخل كانت على أنهم أعداء أو طابور خامس أو قنبلة موقوتة أو مشكلة أمنية مزمنة؛ لذلك تم التنكيل بهم وعوملوا بوحشية، وهذه النظرة لم تتغير بعد انتهاء فترة الحكم العسكري.
وأكد أن الهدف الأساسي من سياسات الحكم العسكري وما تلاها من سياسات السيطرة على العرب ومنع تشكلهم على أساس قومي، كان تهويد فلسطين بدءا من النقب ومرورا بالمدن الساحلية والمختلطة والمثلث وانتهاء بالجليل.
ولفت إلى أنه رغم انتهاء الحكم العسكري منذ عقود إلا أن الاحتلال ما زال يتعامل مع فلسطينيي الداخل بعقلية الحاكم العسكري المستبد، فإنهاء الحكم العسكري جاء لتجميل وجهه، في حين أن السيطرة والسطوة العسكرية تحولت إلى حالة ضبط وسيطرة مخابراتية وشرطية، حرم الفلسطيني من خلالها من حقوقه الجماعية الوطنية والمدنية مقابل تخفيف في الحقوق الفردية.
وأضاف: "لم يتمكن فلسطينيو الداخل من البدء في بناء مؤسسات على أساس وطني وتعزيز هويتهم الفلسطينية إلا في سبعينات القرن الماضي، عندما انتهى الحكم العسكري، ومع ذلك بقيت العقلية العسكرية هي التي تحكم المؤسسة، فمن خلال سياسة الضبط والسيطرة عمدت المؤسسة الإسرائيلية إلى محاربة فلسطينيي الداخل على المستوى السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، كما حاربت جميع أشكال العمل الوطني ولاحقت القيادات السياسية، وصنفتهم على أساس معتدل ومتطرف، وقامت بحظر حركات ومؤسسات، كان آخرها حظر الحركة الإسلامية بتاريخ ١٧ تشرين ثاني عام ٢٠١٥".
اقرأ أيضا : المخيم.. شاهد على تهجير اللاجئين الفلسطينيين ومحطة للعودة للديار
ورأى صنع الله أنه في ظل استمرار استهداف الداخل الفلسطيني بسياسات الحكم العسكري وملحقاته، تتبنى بعض الأحزاب والحركات السياسية في الداخل الفلسطيني اللعب تحت سقف المشروع الصهيوني، "وهذه الأحزاب والحركات تعيش حالة انحدار سياسي خطير، حيث يدعي هؤلاء التمسك بالثوابت الوطنية، ولكنهم في الواقع يتلحفون بها لتضليل الناس، فهؤلاء من خلال مشاركتهم في الكنيست ينادون بأجندة مطلبية تحت شعار الواقعية، متناسين أن الثمن باهظ ويأتي على حساب الثوابت الوطنية والرواية الفلسطينية"، حسب تعبيره.
تشكلت الهوية الفلسطينية في ظل صراع مرير لإثبات الوجود، وفي ظل معركة ما زالت إلى يومنا هذا غير متكافئة، كما يقول الباحث، ويستطرد: "لذلك يمكنني القول بعكس كل دعاة الاستسلام والخضوع للمشروع الصهيوني، إن انتصارنا لثوابتنا الوطنية هو سر بقائنا حتى اليوم، وإذا ما لهثنا وراء مروجي الواقعية والانغماس بالمشروع الصهيوني فإن وجودنا حتما في خطر، فلا يمكن لأي عاقل أن يجمع بين الروايتين الصهيونية والفلسطينية".
واعتبر أن المؤسسة الإسرائيلية منذ نشأتها ومرورا بالحكم العسكري وحتى يومنا هذا لم تتغير، فقد عززت من روايتها وهودت الحيز المكاني والسكاني، وتسعى جاهدة إلى شيطنة الفلسطيني وتشويه هويته، وتمارس ضده تمييزا عنصريا على المستوى الوطني والمطلبي، واليوم باتت تتحدى الداخل من خلال محاولتها فرض رؤية مشوهة للفلسطيني، وفق قوله.
ومن أجل تعزيز سيطرتها على الداخل ترفض الاعتراف بالفلسطينيين كأقلية وترفض الاعتراف بلجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وترفض إعطاء الداخل استقلالية في التعليم، وتتعمد هذه المؤسسة أن يكون التخطيط فيها قائما على أساس أيديولوجي؛ ناهيك عن أنها تتعمد إفساد الحكم المحلي وتعزيز العائلية وشبكات الإجرام وحالة العنف التي يعيشها الداخل الفلسطيني.
وختم قائلا: "إن الحل لمواجهة كل هذه السياسات حتما لا يكون من خلال الارتماء في أحضان المشروع الصهيوني، وإنما من خلال بناء المؤسسات الوطنية وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية، وبناء مجتمع عصامي يعتمد على الذات، ومن خلال مناهضة جميع المشاريع التهويدية بالنضال الشعبي".