هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "مسرح الشعب"
الكاتب: د. علي الراعي
الناشر: الهيئة العامة لقصور الثقافة- القاهرة، 2020
حمل الكتاب الثاني في هذا السِفر عنوان "فنون الكوميديا من خيال الظِل إلى نجيب الريحاني"، وبه يكون الراعي قد قطع أرض الكوميديا المسرحية كلها، منذ مصر المملوكية، حتى يومنا هذا.
يلاحظ المؤلِّف بأن أول ما نلقاه في المقامات نجده في صميم العمل، كممثِّل محتال، يؤدي عمله على "مسرح الحلقة"! (ص 178). أما في الأدب الشعبي، فيقوم الشاعر بمهمة الممثِّل الفرد، ويستند المؤلِّف هنا بحجة الأدب الشعبي العربي، د. عبد الحميد يونس. وقد دخلت المقامة المسرح عن طريق خيال الظِل. (ص 182ـ 183).
يرى الراعي أنه في حالة المسرح المتنقِّل، لا مفر من الاعتماد على أريحية الزبون، وعطائه الحر. (ص 189).
وقد ترك مسرح الظل أثرًا باقيًا على الكوميديا المصرية، كما تسربت الكوميديا الظليلة إلى فن الآراجوز، الذي تبادل التأثير مع فنون أخرى. (ص 192).
في الفصل الثاني ثمة "بقية الرصيد: مسرح الآراجوز". وقد تطور خيال الظِل، وأسدى خدمة كبيرة للمسرح في مصر، بالإبقاء على فكرة التمثيل حيَّة، عبر القرون الكثيرة. وقد قام فن الآراجوز، هو الآخر، بنصيب لا يمكن إنكاره، في هذا المجال. ولم يُقدَّر الأراجوز أن يُكتب له كُتَّاب، ولو على أدنى صلة بالأدب، بل تُرك أمر النصوص فيه لجهود الحِرفيين، فلم يرتفعوا عن مستوى الإضحاك الفج. واستشهد المؤلِّف هنا بكتاب "الدمى المتحرِّكة عند العرب"، لمؤلِّفه سعد الخادم، الذي قرر أن فصول الأراجوز تُشبه إلى حد بعيد، فصول خيال الظِل العثماني (قره قوز). (ص 193، 199).
كما قدَّم الأراجوز بعضًا من القصص الشعبي، إلى بطولات شعبية، مثل أدهم الشرقاوي، أوحكايات مثيرة، مثل ريا وسكينة. فالأراجوز في مصر هو ملك المسرح، بلا منازع، وقد ترك الأراجوز أثرًا واضحًا على الكوميديا المصرية. وقد حدث انسلاخ طريف، وواضح، الأراجوز البشري، من الأراجوز الدمية، في حالة محمود شكوكو. وقد منحت شخصية الأراجوز الفنان شكوكو شعبية واسعة. "ومن الدقائق الأولى لظهور عبد المنعم مدبولي على المسرح، نتبين فيه فن الآراجوز، ومن ورائه فن الكسَّار، وقد ، وقد أُضيفت إليهما لمسات إنسانية، رطَّبت من جفاف الضحك اللاهي، وبلَّلته بقطرات من العطف على مصائر الناس (ص 199ـ 204).
يتخصَّص الفصل الثالث في "مسرح الأشواق والشوارع والأفراح"، فقد كان هناك، طوال القرن التاسع عشر، على الأقل، دراما محليَّة، تمامًا. وثمة ما يدل على وجود دراما بشرية شعبية، عرفتها الأقطار العربية، في مصر، والشمال الأفريقي، قبل أن يفد إليها المسرح البشري الغربي، بوقت طويل. (ص 211ـ 213).
في الفصل الرابع "يدخل يعقوب صنُّوع"، الذي لم يستند إلى تراث أوروبا وحسب، إنما نراه تزوَّد كذلك، من نبع الكوميديا الشعبية المصرية، كما عرفها خيال الظِل، والآراجوز، وتمثيل الشوارع، بل إن مسرحيات صنُّوع لَتُظهِر، أيضًا، أنه قد قرأ "ألف ليلة وليلة"، وتأثَّر بها، وقد طوَّر صنُّوع "الدور الأراجوزي"، بالتوسُّع في عرض القضية، التي يشملها الموقف الأساسي، وبإدخال حيل فنية معروفة في المسرح البشري، مثل المونولوج، وبمحاولة التعمُّق في رسم الشخصيات، ثم الاستعانة بالأغنية، أثناء المسرحية، وفي نهايتها.
وعلى الرغم من أن إنجاز صنُّوع في حقل الكوميديا الشعبية، هو أقوى ما قُدِّم لنا، وأكثر إقناعًا، فإن ما فعله في مجال تقليد الكوميديا الأوروبية، ليس بلا قيمة. وإنه لما يشي بحب صنُّوع للشعب، وقربه الحقيقي منه، أن ينجح، كل هذا النجاح، في تصوير النماذج الشعبية، ويُسبغ عليها عطفًا ظاهرًا، ثم يفشل في إقناعنا بالسادة، والسيدات، ويكون حديثه عن الحكَّام، والخديوي خاصَّة، مجرد صوت عال لا فن وراءه، ولا حرارة، ولا اقتناع. والواقع أن صنُّوع، في هذا المضمار، ورغم بعض الشوائب الشامية في التعبير، فإنه يعتبر، بحق، أبا العامية المصرية في المسرح. (ص 215، 219، 232، 234، 235).
حمل الريحاني، في تطوُّره، الكوميديا الشعبية، كما عرفها من إرث الكوميديا المرتجلة، وكوميديا الفصل المضحك، والكوميديا الأوروبية. أما المصدريْن الرئيسييْن لكوميديا الريحاني، متمثلًا في الواقع الشعبي المصري، والمسرح الهزلي الفرنسي.
أما "موليير على الطريقة المصرية"، فتولاه الفصل الخامس، فقد تناول محمد عثمان جلال، موليير، في أعماله، أي أن جلال مصَّر موليير، إن جاز التعبير. وكانت عُدَّة عثمان جلال الرئيسية، في تمصيره لأعمال موليير، معرفته العميقة، ببلده، وناسه، وموقعه الوثيق القرب من عواطفهم، وأفكارهم، وأفعالهم، وخلوِّه التام من عُقَد المثقفين، في حديثه عن أهل بلده. ما أنجزه جلال، عند هذه الحدود، كان خدمة كبرى لقضية الكوميديا المسرحية، في مصر، فقد اختفى مسرح صنُّوع، في عام 1872، وإذا بجلال يتقدَّم، في العام التالي، (1873). لقد قام بشيء هام حقًا، من أجل المسرح المصري الناشيء، وهو توفير نصوص مسرحية على مستوى عالٍ من التأليف، استخدمها المسرح الجاد. إنه الطريق الذي سلكه، فيما بعد، كل من بديع خيري، ونجيب الريحاني، اللذان تجنَّبا النماذج الرفيعة في فن الكميديا، بحسبان أنها لن تلقى نجاحًا شعبيًا. (ص 237، 239، 246، 247، 248).
ما لبث أن ظهر محمود تيمور، وأخذ يكتب لمسرح كوميدي جاد، تعلَّقت به روحه الوثَّابة، وأبت إلا أن تُخرِجه للناس؛ ما استحق معه الفصل السادس من الكتاب "محمود تيمور والكوميديا الانتقادية". وفي عام واحد، بالغ الأهمية في تاريخ الكوميديا المصرية الراقية، هو العام 1918، أخرج محمود تيمور مسرحيتيين جديرتين، بكل اعتبار، الأولى "العصفور في القفص" (آذار/ مارس 1918)، والثانية "عبد الستار أفندي"، وقدمها عزيز عيد، على مسرح دار التمثيل العربي، في إطار فرقة منيرة المهدية، أخر العام 1918، قدم محمد تيمور "العصفور في القفص" على اعتبار إنها نموذج لما ينبغي أن تكون عليه الكوميديا الانتقادية، ذات المضمون الاجتماعي الواضح، وموضوعها علاقة الآباء بالأبناء. (ص 249).
أما مسرحية "العصفور في القفص"، فهي بمثابة "الدراما البرجوازية". ولكي يحصل محمد تيمور على الدرجة القصوى من الفكاهة في مسرحيته، خرج بموضوعة من حدود الطبقة العليا، التي لم يكن الاستبداد الاجتماعي، يسمح بالتندُّر بها، إلى حد ينتج الكوميديا الناجحة، وحط تيمور رحاله في أرض طبقة تليها، هي الطبقة المتوسطة الصغيرة. (ص 252، 256).
هنا نجد الكوميديا المتحضِّرة، المتأنقة، ذات اللون المهندس، المدبر، الذي عرفته كوميديا عصر النهضة، وما بعدها. (ص 260).
جاء الفصل السابع تحت عنوان "أرليكينو والبربري عثمان"
كان الكسَّار، فيما يقول حسين عثمان، يوحي إلى المؤلِّفين بفكرة مسرحياته، وقد خصَّص جهده الفني كلَّه لخلق، وأداء شخصية واحدة بعينها، المُهرِّج عثمان عبد الباسط، وجدنا أنفسنا أمام ظاهرة فريدة، حقًا. لقد وُلِد الكسَّار دون تدريب سابق، ودون استناد إلى تقاليد متَّصِلة في هذا الفن. لقد وُلِد بقوة الموهبة الذاتية، واستمر قويًا، قادرًا، مبدعًا، حتى النهاية. والمشكلة في حالة الكوميديا المرتجلة، بالذات، هي أن الفنان إما أن يُولد قادرًا على الارتجال، أو لا يكون فنانًا.
لقد شاهد الكاتب الصحفي، هنري بيروه، علي الكسَّار على المسرح، في عامي 1921 و1924، فكتب يقول: "... ولا أظن أني سمعت أو رأيت ممثِّلًا كوميديًا بهذا التفوُّق، إن تمثيله كامل، ومستمر... يقوم بأدواره، بمهارة صانع الأواني الخزفية، إنه يخلق معجزات، ولكن هذه المعجزات لا تُدهِشه"، ويُكمل زكي طليمات صورة المهرِّج الشعبي العظيم، في علي الكسَّار: "يمشي وكأنه لا يمشي لأن قدمه لا تزحف في خطوها، ولا ترتفع عن الأرض، بالقدر المألوف". وحين شاهد ديني دنيس، عميد الكوميدي فرانسيز، علي الكسَّار، في عام 1937، في واحدة من مسرحيات الماجيستك، قال لزكي طليمات: "...على جهلي التام باللغة... أراني منجذبًا إليه، ولا أرى سواه على المسرح... إن في نبرات صوته، وحركاته، تعبيرًا صادقًا، وواضحًا، عن المعاني التي يحسها كل الناس". ما يعني أننا إزاء الكسَّار، الفنان العظيم في الكوميديا من فناني الكوميديا ديلارتي. أما الهدف الواضح، والمعلن في كوميديا الكسَّار، فهو الإمتاع، في المحل الأول، الإمتاع بفن الممثّل العبقري، البهلوان، خفيف الظِل، صاحي الفؤاد. (ص 266ـ 268).
في الفصل الثاني يعالج الراعي "الريحاني من النص المضحِك إلى المسرح الهزلي". لقد كانت بداية الريحاني في إطار الفصل الواحد المضحِك، ثم مواصلة هذا العمل، في إطار فرقة جوالة، كان لها أعمق الأثر على الكوميديا. لقد بدأ الريحاني بداية شعبية صرفًا، استمدت وجودها من فصول الكوميديا المرتجلة، التي عرفتها مسارح مصر، ومقاهيها، وأفراحها، منذ أوائل القرن العشرين، لقد تعلَّم الريحاني، منذ البداية، أن الكوميديا يجب أن تنبع من عرض مسرحي ناجح - من فرجة واضحة، على أن يسمح هذا العرض بالنقد الاجتماعي، وبشيء من الفكر، والعاطفة، في الوقت المناسب. (ص 296).
لقد حمل الريحاني، في تطوُّره، الكوميديا الشعبية، كما عرفها من إرث الكوميديا المرتجلة، وكوميديا الفصل المضحك، والكوميديا الأوروبية. أما المصدريْن الرئيسييْن لكوميديا الريحاني، متمثلًا في الواقع الشعبي المصري، والمسرح الهزلي الفرنسي. (ص 299، 300، 302).
أما في الخاتمة، التي تضمنَّت "مولد الكوميديا الجديدة". ففي عام 1951، انتهى نعمان عاشور من كتابة أولى مسرحياته: "حياتنا كده"، وهي التي أسماها، فيما بعد، "المغماطيس"، ووصفها بأنها "كوميدي من أربع فصول"، وكان عاشور تخرَّج من كلية الآداب، بجامعة فؤاد الأول (القاهرة، الآن)، وقد جمع بين الفكر الاشتراكي، والرغبة في "أداء" هذا الفكر، على نحو بصري. (ص 355).
لقد أدارت الكوميديا الجديدة ظهرها، تقريبًا، للكوميديا الشعبية، القائمة في جزء منها على فن الممثِّل ـ المهرِّج ـ غير أن ما كسبته الكوميديا الجديدة من عُمق، قد خسرته في الانتشار. ويختم المؤلِّف بأن الأزمة التي تجد كوميديا المثقفين فيها نفسها، الآن، راجعة إلى ضعف صلتها بكوميديا الشعب. (ص 358، 359).
إقرأ أيضا: كتاب في مكونات الكوميديا المرتجلة في المسرح المصري